في الحادية عشرة صباحًا، دخل رجل الأمن، مرتديًا ملابس مدنية، وفي أذنه سماعة يتواصل بها مع زملائه، إلى المطعم الرئيسي لفندق "جي دبليو ماريوت" بالتجمع الخامس، ليتأكد من عدم وجود زحام بالمكان، بعد انتهاء موعد وجبة الإفطار الخاصة بالنزلاء، وأن الوضع مستقر ومناسب لقدوم الفريق أحمد شفيق من غرفته إلى المطعم ليتناول مشروبه.
يتكرر هذا المشهد منذ وصول الفريق إلى الفندق، قادمًا من الإمارات على متن طائرة خاصة، قبل أسبوع.
كان رجل الأمن يتبادل حديثًا هامسًا، مع أحد العاملين في المطعم إلى جوار الطاولة التي اعتاد شفيق الجلوس عليها كل يوم، كونها تقع في زاوية هادئة من المكان، ويَسهُل تأمينها.
وفي أثناء ذلك، دخل شفيق، المطعم، في حراسة 5 أشخاص يرتدون ملابس مدنية، لكنه لم يجلس إلى هذه الطاولة، بل توجَّه إلى أخرى في الجزء الخارجي للمطعم. كان يرتدي قميصًا أبيض، و"بلوفر" أحمر اللون، وبنطالًا أسود، وعلى يده معطف تحسبًا لبرودة الطقس في هذا المكان المفتوح، المطل على ملعب الجولف والحدائق، يحيط به هؤلاء الرجال - المسؤولون عن تأمينه - من كل ناحية، ويمنعون اقتراب أي شخص منه. توزَّع الرجال على طاولات حوله، اثنان إلى اليمين، وواحد إلى اليسار، وواحد إلى جانبه على طاولته.
تحدث شفيق بابتسامة خفيفة إلى رجل الأمن الجالس بجانبه، ثم صمت كأنه يتأمل ويفكر في أمر ما.
وفي هذا الوقت كان أشخاص عاديون قليلو العدد يجلسون إلى الطاولات المجاورة، ولم يفكر أحدهم في الاقتراب منه أو تحيته، كأنهم يتفهمون الوضع. 2 كنت بين الأشخاص المجاورين لطاولة شفيق، كنزيلة في الفندق لا صحفية، لأن صفتي الأخيرة لن يُسمح لها بالتواجد في هذه المساحة. بدا على الرجال المحيطين بشفيق القلق والشك في كل الموجودين، ومنهم أنا، وهو ما دفعني إلى الرحيل بعد وقت قصير. قضيت الليلة السابقة لهذا اللقاء في الفندق، لم يظهر شفيق خلالها، كان العاملون يتجنبون الحديث بشأنه، ولم أستطع السؤال عنه أيضًا. كنت أعتقد، مثل غيري، أن شفيق يسكن بالتأكيد في "الجناح الرئاسي" بالفندق، الموجود في الطابق السابع (الأخير)، والذي يحمل رقم 7000، وهو أفخم أجنحة الفندق، وكان ساكنه السابق هو الفنان العالمي نيكولاس كيدج، أثناء حضوره حفل ختام مهرجان القاهرة السينمائي منذ أيام. لكن تشككت في هذه التوقعات عند صعودي إلى هذا الطابق، فقد كان هادئًا وخاليًا تمامًا من الحراسة. وفي المساء علمت من مصدر داخل الفندق بأن شفيق لا يسكن هذا الجناح، إنما يسكن آخر في الطابق الثاني، إلى جوار أجنحة وغرف عادية يسكنها غيره، ليكون في مكان "لا يتوقعه أحد"، حسب وصف المصدر. وللمصادفة، كان هذا الطابق هو نفسه الذي حجزت فيه غرفتي، وهو ما جعلني أصعد إليه للتأكد من صحة المعلومة. بمجرد دخول الممر، الذي وصفه لي المصدر، وهو معزول نسبيًا عن بقية الطابق، رأيت اثنين من رجال الأمن، يرتديان بدلات، يجلسان أمام جناحين، مررت أمامهما، ورأيت باب أحد الأجنحة مفتوحًا، لم يكن شفيق موجودًا وقتها، سألوني عما أبحث عنه، فأجبتهما بأنني أبحث عن مكان غرفتي، وانصرفت. قال المصدر إن شفيق يخرج يوميًا تقريبًا في المساء برفقة الحرس، الذين يخافون عليه جدًا، وهو غير مقيد الحركة في غرفته كما يقال، لكنه في الوقت نفسه لا يختلط بأحد، ولا صحة لما ذُكر عن زيارة شخصيات مهمة له في الفندق. وأوضح أنهم (أي الموظفين) يتراجعون للخلف عند مروره أمامهم، ولا حديث بينه وبينهم، إلا عند تلقي أحدهم الطلبات: "الوجبات تذهب إليه في جناحه، ولم أشاهده يأكل في المطاعم". تزينت المطاعم والفندق بالكامل، بالكرات الحمراء والأشجار المضيئة والورد، استعدادًا لاحتفالات الكريسماس، التي تحلّ بعد أيام، كان هادئًا بما يليق بالأجواء الشتوية، يسير العمل فيه بشكل منتظم وبنسبة أشغال تقترب من الـ50%، ولا تأمين استثنائيًا خارجه، وليس هناك سوى أفراد الأمن الخاص و5 من رجال الشرطة بالقرب منهم، إلى جانب تفتيش السيارات جيدًا بواسطة كلاب بوليسية. اعتاد العاملون في الفندق على هذه الإجراءات، وما زاد عليها من إجراءات مشددة، كونه من الفنادق التي يقيم داخلها ويتردد عليها رجال أعمال ووزراء وشخصيات مهمة بشكل دائم، وهو ما يعتمد عليه دخل الفندق بشكل أكبر من السياحة.
صادفت أحد هؤلاء الشخصيات أثناء حديثي مع المصدر، وهو الدكتور فاروق الباز، الذي يُعتبر من النزلاء المعتادين. لذلك كان بديهيًا بالنسبة للعاملين أن تصل إليهم تعليمات بعدم الحديث عن أحمد شفيق أو رقم جناحه لأي شخص، وهو ما يرجح المصدر أنه يرجع لأوامر الجهات السيادية التي تولت الحجز له. 1 كان أحمد شفيق، الذي تولى رئاسة وزراء مصر لفترة قصيرة عقب ثورة 25 يناير، قد صرح الأحد الماضي، في مداخلة هاتفية في برنامج "العاشرة مساءً" على قناة "دريم2"، بأنه لا يزال يدرس أمر ترشحه في انتخابات العام المقبل، رغم أنه كان قد أعلن قبلها بأيام من الإمارات اعتزامه الترشح. وقال شفيق خلال المداخلة التي جاءت بعد يوم واحد من عودته، إنه "يريد أن يتحرى الدقة، ويرى الشارع، ليستشعر ما إذا كان اختياره هو الاختيار المنطقي".
قبل ذلك، قالت ابنة شفيق إنها لا تعرف مكانه بعد عودته إلى مصر، ونفى الفريق أن يكون ما حدث "اختطافًا"، وقال: "في الإمارات كانوا كرماء معي، ووفروا لي طائرة خاصة للعودة إلى مصر، ولا صحة لما يقال عن القبض عليِّ، وكان في انتظاري مسؤولون كبار في مطار القاهرة، والاستقبال كان مميزًا جدًا". وفيما يخص مكان إقامته، قال: "كنت أبحث عن فندق مريح للإقامة فيه لفترة، لأن بيتي مغلق منذ 5 سنوات ونصف، ويحتاج إلى تجهيز، وفوجئت وأنا في السيارة إنها متجهة بي إلى واحد من الفنادق الأكثر تميزًا في المنطقة التي أسكن فيها".
مصدر مسؤول في وزارة الداخلية قوله "الداخلية لم تقبض على شفيق، ولم تتلقَ أي طلب من النيابة يفيد بذلك"، في حين أن مسؤولاً بالمخابرات العامة، وآخر من الأمن الوطني في الفندق الذي يقيم فيه قالا إن شفيق "ليس حرًا بشكل كامل" دون ذكر مزيد من التفاصيل. ولم يتبين للعاملين في الفندق من هذا الغموض المحيط بإقامة شفيق عندهم هذه الأيام، إلا أنه "شخص يبدو ملتزمًا تمامًا بالتعليمات الأمنية، ولم يظهر عليه غضب أو سعادة"، حسب أحدهم، فيما وصفه آخر بالـ"جنتل مان"، وقال إنه "يلوح لمن يلقي عليه التحية من بعيد، لكن دون أن يتكلم".