انقضت ثلاثة أيام ومازالت فصول مدرسة الروضة المشتركة تفتقد طلابها، فيما تحمل سهام محمد همّ اليوم الذي ستعود فيه إلى المكان.

غادرت مُعلمة الأحياء يوم الخميس المنصرف ولم تعلم أنه اللقاء الأخير بـ7 من زملائها على رأسهم مدير ووكلاء المدرسة والعديد من تلاميذها، بينما هيأت النفس منذ أمس أن مَن انقطعت أخباره هو في عداد الأموات.

تسكن سهام في قرية السادات، الواقعة على الطريق الدولي حال القرى التابعة لمركز بئر العبد –شمال سيناء. جاءها الخبر بغتة، فبات الهاتف ووسائل التواصل وسيلتها لتفقد حال آل المدرسة.

منذ الجمعة الماضية ولم تتوقف دائرة المكالمات الموجعة "أول واحد عرفت أنه توفى هو أستاذ السعيد أبو عيطة وكيل المدرسة".

اتصلت سهام به "كان تليفونه مشغول فقلت إنه عايش"، لكنه لم يكن كذلك؛ مع معاودة الاتصال ردت زوجته وبصوت يغالبه الصدمة قالت دون مقدمات "مات.. مات هو وابنه" ثم انهت المكالمة.

1

 مع كل رنين للهاتف، تضع سهام يدها على قلبها، تتمنى ألا تسمع الكلمة الصادمة، تدعو بالنجاة والرحمة، فالسؤال ليس عن فرد أو اثنين، بل كل من مر على فصول "الروضة".

13 مرة إلى الآن استقبلت معلمة الأحياء نبأ وفاة زميل أو طالب درست له، باتت مشاعر السيدة عصية على الوصف إزاء تلك اللحظة، فيما يُنذر الوضع بمزيد من الألم "في ناس منعرفش عنهم حاجة، وفي اللي عرفنا في الأول أنه مات، وبعدين طلع مصاب والعكس".

2

قرابة 30 معلمًا هم قوة المدرسة المشتركة كما تقول سهام، صار على مَن تبقى أن يدخلوها يومًا، وقد خلت مقاعد 7 معلمين، بينهم مدير المدرسة محمد سليم، استشهد ومعه أبناؤه الثلاثة، ومَن حصد المعلم المثالي العام الماضي "أستاذ مصطفى عامر كان شايل الرياضيات كلها في المدرسة، لأنه المدرس الوحيد".

توفي الرجل وابنه محمود طالب طب أسنان وخريج مدرسة الروضة المتفوق، وكذلك عمر سليمان، الإداري الذي طالما مازحه زملاؤه باسمه. 2 مدرسة "الروضة" بسيطة حال أهلها. هيئتها مبنى من طابقين، أُلحق به آخر ذو طابق واحد، تم تخصيصه للمرحلة الثانوية، التي زاد عدد طلابها مع نزوح العديد من أهالي رفح والشيخ زويد، ليسكنوا القرية الواقعة غرب مدينة العريش، ومع ذلك ظلت محدودة الأعداد مقارنة بغيرها من المدارس، تغطيهم 3 فصول للمرحلة الثانوية وتزيد في الإعدادية بواقع ثلاثة آخرين، بينما لا يتعدى تعداد الفصل الواحد 25 طالبًا، ولهذا وقع نبأ وفاة أحدهم غير عادي، حسب قول المعلمة "الولاد مش تلاميذ بالنسبة لنا، احنا مصاحبينهم.. ده احنا بنحفظ أسماءهم من أول يوم".

لا تحمل المعلمة المنتدبة لمدرسة الروضة منذ أربعة أعوام سوى السيرة الطيبة عن أولادها، تُقسم أنهم مختلفون عن غيرهم "على عكس الولاد في المرحلة العمرية دي، 99% منهم في غاية الأدب والأخلاق"، تُعدد الراحلين بين 305 شهداء وفقًا لآخر بيان للنيابة العامة عن ضحايا الاعتداء المسلح "أحمد محمد موسى، محمد شميط، محمود محمد شعيشع" ذلك الأخير لم تكن تنادي اسمه إلا مصحوبًا بلقب "دكتور" لشدة تفوقه، ورغبته المستقبلية في أن يصبح كذلك.

3

 ثلاثة أيام تجلس معلمة الأحياء في منزلها، يغوص قلبها في حزن، لا يخففه سوى ذكرى عن زميل، وخبر بنجاة طالب حال خالد عبداللطيف، الذي طالما عابت عليه اعتياده التأخير عن مواعيده، لكن ذلك كان سبب إنقاذه "راح متأخر وهو في الطريق سمع ضرب النار فرجع تاني"، تبتسم سهام فيما تُحدث نفسها "أول مرة التأخير ينفعك يا خالد". لا تعلم سهام حتى اللحظة متى ستعود الدراسة إلى "الروضة"، تترك مشاعر الرجوع ورد الفعل لحينها، فيما تتذكر مشهد التزام كثير من طلاب المدرسة بالصلاة، وإمامة مدير المدرسة محمد سليم للمعلمين والطلاب أسفل شجرة كبيرة بالفناء، فتترحم على من رحلوا، وتلقى زفرة عميقة قائلة "مكنش ينفع لهم موتة نضيفة غير دي.. وهمَ بيصلوا". 

4