في صندوق سيارة ربع نقل مفروشاً ببطانية من الصوف، 4 جثث ملفوفة في أكفان بيضاء، تتحرك السيارة في موكب جنائزي يضم عددًا ن سيارات الأهالي التي تسير في صف واحد يمين الطريق الدولي "العريش ـ القنطرة" من قرية الروضة حتى قرية المزار، حيث منطقة المقابر. الدخول إلى تلك المنطقة عبر مدق رملي متفرع من الطريق الرئيسي، في مقدمتها حجرة مهدمه.
يقول حسن موسى، أحد المتطوعين لدفن الضحايا، إن الغرفة كانت مقاماً للشيخ عيد سليمان، أول شخص دُفن في هذا المكان، وبنت الطريقة الجريرية التي تتبع الصوفية، مقاماً له. هذا المقام فجرّه تنظيم "ولاية سيناء" الموالي لتنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، عام 2014، بعبوة ناسفة زُرعت بجوار أحد جدرانه، وأعاد الأهالي تشييده من جديد على نفقتهم الخاصة، لكن استهدفه الإرهابيون للمرة ثانية العام الماضي، فجرى دفن رفات الشيخ، وظل المقام مُدمراً، دون أن يقترب منه أحد.
المقابر التي تقع في منطقة صحراوية، تخلو من البشر، تحوّلت مع غروب شمس يوم الجمعة الماضي، إلى قبلة لأهالي العريش للمشاركة في تشييع جثامين ضحايا حادث الروضة الإرهابي، إلى مثواها الأخير. عشرات الجثث نُقلت في سيارات الأهالي، ودُفنت في 4 مقابر جماعية. "الناس اللي ماتت كانت في حالها وملهاش علاقة لا بالسياسية ولا غيره". بنبرة حُزن يتحدث رجل في الأربعين من عمره، وهو يجلس بجوار أحد المقابر بعد دفن ابنه: "ليه سيبتني يا ابني. أنت كنت سندي الوحيد في الدنيا"، دقائق تمرّ، يقترب بعدها أحد الأهالي لتهدئة الرجل، ليستجيب، وينهض على عكازه.
على غير المعتاد في تجهيز مقابر الموتى بقرية المزار، جرى حَفر حفرة بعمق لا يتجاوز 70 سم، يتم تحديدها بالطوب، ويُوضع الجثمان بين 4 جدران صغيرة، مستطيلة الشكل، وتُغلق بعدها المقبرة بطبقة أسمنتية تُخفي الطوب، وتجعل المقبرة أكثر صلابة، ولا يُدفن فيها شخص آخر. في ساعات الصباح الأولى لليوم الثاني للحادث، أول أمس السبت، وصل القرية 12 جثمانًا لحالات كانت إصابتهم خطيرة، ونُقلوا بسيارات الإسعاف إلى مستشفيات "بئر العبد، العريش، والإسماعيلية"، جرى دفنها في مقبرة جماعية مُقسمة إلى غرف صغيرة، كل جُثة تُوضع في غرفة يغطيها الأسمنت، فوقه كومة من الرمال، بحيث تكون مرتفعة عن الأرض.