أحد الأطفال الناجين من "مذبحة مسجد الروضة بالعريش، وهو الطفل "إسلام محمد عبدالحليم" 15 سنة، الذي يتواجد داخل مستشفى معهد ناصر في القاهرة مع والدته "كريمة" وشقيقه "أحمد" 10 سنوات، رفقة شقيقه "آدم" 3 سنوات، الذي أصيب في الهجوم الإرهابي. وأعلنت النيابة العامة، في بيان رسمي اليوم السبت، ارتفاع أعداد الضحايا في الهجوم الإرهابي الذي استهدف مسجد الروضة بمنطقة بئر العبد بشمال سيناء، ليصل إلى 305 شهداء من بينهم 27 طفلا، وإصابة 128 آخرين. ظهر أمس، قبيل موعد صلاة الجمعة، اتجه "محمد عبدالحليم" ناظر مدرسة بقرية الروضة مع نجله الأصغر "آدم" 3 سنوات، للحاق بالصفوف الأولى بمسجد الروضة الذي تفصله أمتار قليلة عن منزله الواقع بالجهة المقابلة، بينما لحق بهما نجلاه "إسلام" 15 عامًا و"أحمد" 10 سنوات، ليجدا المسجد ممتلئًا عن آخره، فجلسا بالصف الآخير بالقرب من أحد أبواب الدخول "ملاقيناش مكان، فقعدنا جنب الباب". يقول "إسلام" بنبرة حزينة: "بخاف كل ما أفتكر اللي حصل، كان موقف مرعب بصورة بشعة"، قالها "إسلام" متأثرًا قبل أن يروي تفاصيل الحادث، حين فوجئوا باقتحام عدد كبير من المسلحين للمسجد قبل أن يشرع الإمام في إقامة الصلاة، وأمطر المسلحون المصلين بوابل من الرصاص "دخلوا من كل الأبواب"، ويضيف أن الإرهابيين كانوا يركزون إطلاق الرصاص على الرأس "كانوا بيضربوا كل واحد رصاصتين أو 3 رصاصات في دماغه، بس كان فيه طلقات طايشة بتيجي في الكتف أو الرجل". يصف الطالب بالصف الأول الثانوي هيئة الإرهابيين، فيقول إنهم كانوا يرتدون "بنطلون جينز" أسود اللون، و"صديري" جيش واقيًا من الرصاص، ومن أسفله تيشيرت رمادي اللون "وكلهم ملثمين ولابسين شارة سوداء حول معصم اليد، زي شارة الكابتن بتاع الكرة"، ويضيف أن كل فرد كان يحمل في يده سلاحًا آليًا يطلق منه الرصاص "رشاش أو بندقية مش عارف بالظبط"، بينما يضع في جيب بنطاله طبنجة. ويشير إلى أن المهاجمين عددهم تراوح بين 20 و30 فردًا، وكان كل باب من أبواب المسجد يقف عليه فردان "وكانوا بيضربوا من الشبابيك والأبواب كمان"، وحوالي 10 أفراد داخل المسجد "جوه قلب الجامع بيخلصوا على الناس". ويقول "إسلام" إن أعمار المهاجمين تراوحت بين 20 و40 سنة، يصمت قليلاً ويكمل بصوت مرتعش "وكلهم أجسامهم مخيفة، طول بعرض، حاجة غريبة مش بني آدمين طبيعيين". يلتقط الطفل أنفاسه ويتابع: "الإرهابيين كانت لهجتهم مش مصرية، وكانوا بيهزروا مع بعض وطول الوقت بيضحكوا، زي ما يكونوا بيعملوا مسابقة مين اللي يقتل أكثر، فواحد يقول لزميله أنا اللي قتلت ده، فالثاني يرد عليه: لأ أنا اللي قتلته، وكانوا ساعات بيشتموا بعض بألفاظ وحشة". يصمت قليلاً ويضيف: "كان ليهم قائد بتاعهم، أنا ميزته لأنه الوحيد اللي كان صوته عالي فيهم، وهو اللي بيوزعهم، وبيقول انت روح هنا وانت هناك، ويزعق في واحد ويقوله التزم بمكانك، ويشخط في حد ويقوله متقفش مكانك روح اقف هناك".
يذكر "إسلام" أن الإرهابيين تركوا 5 سيارات على الطريق السريع المواجه للمسجد، وأنهم بدأوا بمهاجمة المئذنة قبل دخول المسجد "شفتهم ضربوا المئذنة من فوق بأول طلقة قبل ما يخشوا". حوالي دقيقة من بدء إطلاق الرصاص، خلالها أطلق عليه أحد المهاجمين طلقات رصاص لكنها لم تصبه "عدّت من قدامي وفجرت دماغ راجل كان واقف"، ليقرر بعدها "إسلام" الفرار من المسجد مع شقيقه "أحمد" المتواجد بجانبه، قبل أن يعدل قراره ويختبئا بدورة مياه المسجد "شفت ناس بتهرب، اللي عرف يجري يمين أو شمال كنت ناوي أجري معاهم بره، لكن لما شفت الإرهابيين بيطاردوا اللي بيهرب ويصفّوهم، رحنا دخلنا حمام الجامع". "لما دخلوا الإمام جاتله صدمة" قالها "إسلام" بهلع قبل أن يروي: "الإمام كان بيشتمهم ومسك الميكروفون وقالهم حسبي الله ونعم الوكيل، فضربوه برصاصة في كتفه بس مجتش فيه، راح قايم تاني وقال حسبي الله ونعم الوكيل"، ويكمل أن الإرهابيين أطلقوا الرصاص من أسفل المنبر "محدش طلع عالمنبر ضربوا من وهما تحت". بحسب "إسلام" تقع دورات مياه المسجد في مدخله "فيه 5 يمين و5 شمال"، ويقول إنهما اختبئا بآخر دورة مياه من جهة اليمين، بصوت مرتعش يكمل أن أحد العناصر الإرهابية وقف أمامها "كان واقف عند الحمامات بس الحمد لله مشفناش"، وأنه شرع في تفتيشها قبل أن يصرخ فيه زميله ويطالبه بالتحرك من مكانه "هو فتش أول واحد يمين وأول واحد شمال وكان لسه هيفتح الباقي، فتقريبا القائد بتاعهم شخط فيه وشتمه وقاله روح اقف هناك.. لو كان فتش الباقي كان زمانه قتلنا". "كنا خايفين في الحمام، محدش دخل الحمامات غيري أنا وأحمد" يقول "إسلام"، ويشير إلى بعض الكلمات التي وصلت إلى مسامعه من ميكروفون المسجد "واحد مسك الميكروفون وقالهم يا كفرة حسبي الله ونعم الوكيل، فسمعنا صوت رصاص تقريبًا ضربوه". ويروي أن إطلاق الرصاص هدأ بعد حوالي 20 دقيقة "بعدها سمعنا ناس بتقول الحقوا الحقوا"، ويضيف أنه انخلع قلبه على والده وشقيقه، فهرول مع شقيقه "أحمد" إلى داخل باحة المسجد ليجد أمه تجلس منهارة من البكاء بجانب جثمان والده، بينما حمل البعض شقيقه آدم المصاب إلى منزلهم "دخلت أجري لقيت أمي قاعدة في الجامع جنب أبويا ودماغه متفجرة. "تفاصيل مأساوية لا تغيب عن مخيلة الصغير، هرج ومرج داخل المسجد، صراخ وعويل في بيت الله: "كان كل واحد له مصاب أو جثة بياخدها"، يبكي ويضيف أن بصره انتقل بسرعة البرق بين الجثامين المسجاة على سجادة الصلاة المخضبة بالدماء، وتعرف على كثير منهم "أصحابي كلهم ماتوا، وأطفال لسه مادخلوش المدرسة ماتوا".