على مدار ليلتين متتاليتين، ومن على خشبة «المسرح الوطني»، فاضت أنغام الموسيقار المصري عمر خيرت، (يومي الخميس والجمعة الماضيين)، وغمرت مدرجات مركز «الشيخ جابر الأحمد الثقافي»، وذلك ضمن فعاليات الموسم الثقافي «من الكويت نبدأ» بدورته الأولى، حيث قضى الجمهور الكويتي أوقاتًا ممتعة للغاية، على موسيقى خيرت التي انسابت في القلوب كشلال عذب، وهو ما تجلى واضحًا من خلال التفاعل والانسجام الكبيرين من جانب الحضور، لاسيما بعد ما قدم لهم خيرت في تلك الليلتين باقة مختارة ومميزة من أجمل موسيقاه التي تجسد احساسه المرهف وتجمع بين ما تأثر به من ثقافات متنوعة.
في بداية الحفل من الليلة الأولى التي تميّزت برقيّها وجمالها وأناقتها، قدّم خيرت معزوفة تحمل «ثلاث مقطوعات للبيانو والأوركسترا» فكانت بداية موفقة، استطاع من خلالها أن يُلفت الأنظار نحوه، والواضح أن الحضور كان متعطشًا فعلاً للاستماع لمثل تلك الألحان والأنغام الجميلة، تبعها بمقطوعة أخرى تحمل عنوان «هي دي الحياة» والتي لاقت هي الأخرى تصفيقًا حارًا من الجمهور.
إلى ذلك مضى خيرت بموسيقاه من دون توقف، كالسيل جارفًا معه كل المشاعر والأحاسيس، ومسيطرًا على تركيز الحضور، فتارة يغوص معهم في بحر الهوى، وتارة أخرى يوقعهم وسط هيام الغرام، وبين هذا وذاك انتقل خيرت إلى مقطوعتي «خلي بالك من عقلك»، و«حب وعنف» ثم أتبعهما بمقطوعتين هما «في هويد الليل» و «مسألة مبدأ 2».
ومع اندماج الحضور قدم لهم «تيمة حب»، «زي الهوى»، «الداعية» التي قدمها كصولو على آلة الكمان، بعدها عاد مجددًا مع أعضاء الفرقة بمقطوعة «الجماعة» ثم مقطوعة بعنوان «فيها حاجة حلوة». وهنا كانت نقطة الوداع الأول للفقرة الأولى، حيث غادر المسرح لنيل وقت من الراحة مع أعضاء فرقته، بعد أن قدموا وصلة مميزة بشهادة الحضور، الذين لم يتوقفوا لحظة في ردهة المسرح بالحديث عما سمعوه من موسيقى.
وفور انتهاء فترة الاستراحة التي دامت عشرين دقيقة، عاد خيرت مجدداً ليجلس على كرسيه أمام آلته المميزة البيانو، قبل أن تذوب أنامله في مفاتيحها، إذ تنقل بين«الدو والري والمي» كالعصفور العاشق للحرية، فاختار أن تكون الافتتاحية مع مقطوعة «رابسودية عربية» التي حظيت باستحسان الحضور كغيرها مما سبق عزفه، ومن ثم أتبعها بمقطوعات لأجمل الأفلام المصرية، على غرار «إعدام ميت»، «الخواجة عبد القادر»، «النوم في العسل»، «الخادمة»، «عفواً أيها القانون»، «صابر يا عم صابر»، «مافيا»، «عارفة»، «قضية عم أحمد»، «البخيل وأنا»، وختامًا كانت الوقفة النهائية مع مقطوعة «100 سنة سينما» التي منها ودّع جمهوره الكويتي على أمل اللقاء بهم مجدداً في حفلات موسيقية أخرى.
يذكر أن الموسيقار عمر خيرت يعتبر أحد أهم الموسيقيين المصريين في العصر الحديث، حيث استهل مشواره بالعزف على البيانو فى سن الخامسة، وتتلمذ على يد المايسترو الإيطالي فينتشينزو كارو في معهد «الكونسيرفاتوار»، ثم استكمل دراسته في كلية «ترينتي» للموسيقى في لندن، وبعد الانتهاء من دراسته للبيانو والنظريات الموسيقية، شرع في تأليف الموسيقى للأفلام السينمائية المصرية، وكذلك الأعمال التلفزيونية والمسرحية، كما ألَّف مقطوعات لعروض الباليه المصرية، وموسيقى خيرت تأثَّرت بالثقافة والموسيقى العربيتين والكلاسيكيات الأوروبية إلى جانب الفولكلور المصري والأفريقي وأنواع الموسيقى الغربية كالـ «الجاز» و«البوب» و«البلوز».