يتزايد قلق القاهرة في ظل إصرار أديس أبابا على الاستمرار في أعمال بناء سد النهضة دون انتظار نتائج البحوث الفنية المتعلقة بتأثيراته على دول المصب، ويتوقع عدد من الخبراء اتجاه مصر للتصعيد حفاظًا على حصتها من المياه باعتبارها "قضية أمن قومي". يشار إلى أن حصة مصر من مياه النيل تُقدر بـ55 مليار متر مكعب، تمثل 80% من موارد مصر المائية. قالت السفيرة منى عمر، مساعد وزير الخارجية الأسبق، إن تصريحات وزير الخارجية المصري سامح شكري تجاه قضية السد جاءت بناءً على ما صدر من الجانبين الإثيوبي والسوداني في الأيام الماضية، واصفةً تصريحاتهما "غير إيجابية". وأضافت منى عمر، في تصريحات ، أنه يجب نقل المفاوضات من مستوى الخارجية إلى مستوى الرؤساء حتى تتضح الرؤية لدى الدول الثلاث، مضيفة: "مباحثات الزعماء تزيل حالة التوتر الموجودة بين جميع الأطراف". وقعت مصر والسودان وإثيوبيا في الخرطوم، في سبتمبر 2016، اتفاقات تفيد بإجراء دراسات فنية للتأثيرات المحتملة لسد النهضة لضمان أن يتم بناؤه وتشغيله دون إضرار بالمصالح المائية لمصر والسودان. وأشارت مساعد وزير الخارجية الأسبق، إلى أن الفترات القادمة قد تشهد السير في المسار القانوني أو تدخل إقليمي في النزاع، وهي المرحلة التي تحاول القاهرة تجنبها والتفاوض المباشر للتواصل مع الأشقاء لحل يرضي جميع الأطراف. ولفتت السفيرة منى، إلى أن الحديث عن الاستخدام العسكري لحل القضية غير مطروح على أجندة القاهرة، رغم قدرة مصر العسكرية، مشيرة إلى أن القاهرة تحترم المعاهدات الدولية، وتسعى للتواصل مع الأشقاء إلى حل يُرضي جميع الأطراف ولا يضر بمصالحها المائية. وجاءت تصريحات إثيوبيا والسودان لتشعل نيران الأزمة، بينما قرر مجلس الوزراء التعامل معها بحساسية كونها "قضية أمن قومي". وكان وزير الخارجية السوداني إبراهيم غندور، قال في مقابلة مع "روسيا اليوم"، إن "إشارة مصر إلى أن السودان تتفق مع الإثيوبيين في ملف سد النهضة الذي يتعارض مع مصالحها، صحيحة"، مضيفًا: "السودان لم يكن يستخدم كل نصيبه من مياه النيل بحسب اتفاقية 1959، وسد النهضة يحفظ للسودان مياهه التي كانت تمضي إلى مصر في وقت الفيضان، ويعطيها له في وقت الجفاف، وبالتالي من الممكن مع بناء السد أن تخسر مصر نصيب السودان الذي كان يذهب إليها خارج الاتفاق". وتعجبت النائبة مي محمود، أمين سر لجنة الشؤون الإفريقية بمجلس النواب، من الموقف السوداني الداعم لبناء سد النهضة، بقولها: "من المفترض أن يكون التخوف السوداني أضعاف التخوف المصري". وأضافت محمود، في بيان لها: "جمعتني إحدى الجلسات بأعضاء مجلس النواب السوداني، وقلت فيه إنه عندما تتحدث مصر عن الخطر الذي يهددها من سد النهضة، فهي تتحدث عن مصلحة السودان قبل مصر". من جانبها، أكدت الدكتورة أماني الطويل، مديرة البرنامج الإفريقي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن تصريحات وزير الخارجية سامح شكري تنم عن مدى عمق الخلاف وتحويله من خلال فني إلى سياسي، لافتةً إلى أن الرئيس عبد الفتاح السيسي سيلتقي بنظيره الإثيوبي في يناير المقبل على هامش اجتماع الاتحاد الإفريقي. وأضافت الطويل، في تصريحات خاصة: "مصر قررت تصعيد ملف سد النهضة على كافة المحاور، مع مراعاة حفاظها على التوجد في العمق الإفريقي، وعدم الخروج منه مرة أخرى". كانت مصر والسودان وإثيوبيا وقعت على "وثيقة الخرطوم" في ديسمبر 2015 بشأن حل خلافات السد، تتضمن الالتزام الكامل بوثيقة "إعلان المبادئ"، التي وقع عليها رؤساء الدول الثلاث في مارس 2015 وهي المبادئ التي تحكم التعاون فيما بينها للاستفادة من مياه النيل الشرقي وسد النهضة. ويرى الدكتور عباس الشراقي، رئيس وحدة إفريقيا بجامعة القاهرة، أن مراحل التصعيد متعددة، على رأسها توجيه شكوى لدى الاتحاد الإفريقي، وتصعيدها إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدوليين، مضيفا: "مصر بدأت ينفذ صبرها، وهذه ليست المرة الأولى التي تتوقف فيها المفاوضات". كان وزير الري الدكتور محمد عبد العاطي، صرح قبل أسبوع بتعثر مفاوضات سد النهضة، وذلك عقب اجتماع اللجنة الفنية الثلاثية المعنية بالسد على المستوى الوزاري، الذي استضافته القاهرة يومي 11 و12 نوفمبر الجاري، بمشاركة وزراء الموارد المائية للدول الثلاث: مصر والسودان وإثيوبيا. الجدير بالذكر أن الشركتين الفرنسيتان "بى.آر.إل" و"أرتيليا"، بدأتا في تنفيذ دراسات تأثيرات سد النهضة العام الماضي، بعد توقيع العقود رسميًا في العاصمة السودانية الخرطوم في سبتمبر العام الماضي، وانتهت المهلة المحددة لتنفيذ تلك الدراسات في أغسطس الماضي.