«باب من الشر إذا فُتح فلن يُغلق»، هكذا ارتأى علماء في الشريعة وعلم النفس ومختصون قانونيون تحدثوا مُدلين بدلوهم في قضية قيام الزوجة بتفتيش هاتف زوجها أو مراقبة الزوج لهاتف زوجته، خصوصاً في ظل الثورة التكنولوجية الحديثة، وظهرت البرامج التي باتت تستخدم للتجسس وتتبع الآخر.
من الناحية الشرعية، قال أستاذ الشريعة الدكتور عبدالرحمن الجيران «يجوز للزوج الاطلاع على هاتف زوجته بحكم ولايته العامة».
أما من الناحية القانونية فقد رأت المحامية شيخة الجليبي أنه «لا يحق للزوج تفتيش هاتف زوجته أو محفظتها أو شيء من متعلقاتها الشخصية».
وعلى المستوى النفسي والاجتماعي قالت أستاذة علم النفس والصحة النفسية الدكتورة هيفاء اليوسف «نعم اطلاع أي من الزوجين على هاتف الطرف الآخر دون إذن منه تجاوز لخصوصيته وكسر للثقة بينهما سواء كان من باب الشك أو الفضول».
وفي ما يلي مزيد من آراء المختصين الذين علقوا على قضية التجسس على هاتف شريك العمر:
أستاذ الشريعة الدكتور عبدالرحمن الجيران قال «يجوز للزوج الاطلاع على هاتف زوجته بحكم ولايته العامة، ولكن لا يجوز أن يكون هذا الأمر مدعاة للشقاق بين الزوجين وإثارة الشكوك بينهما، أما الزوجة فلا يجوز لها الاطلاع على هاتف الزوج لأن ولايتها قاصرة عليه وخاصة إذا عُرف عن الزوج الاستقامة».
وتابع «إذا شكت الزوجة في الزوج في أنه يقوم بأفعال محرمة مثل الحديث مع النساء أو التلذذ بأصواتهن وصورهن أو شرب الخمر وهذا لا يجوز لأنه فسق، فالزوجة عليها أن تنصحه في السر وتحذره من هذا الأمر فإن ارتدع فهذا أمر طيب وإن لم يرتدع فلها أن تتصل بأقاربه وتطلب منهم أن ينصحوه، وإن لم يرجع عن غيه فالزوجة لها الحق أن تعرض أمرها على القاضي وتطلب الطلاق لأن هذا النوع من الأزواج لا يؤتمن على الأسرة وتربية الأبناء وما يفعله من شرب الخمر أو مواقعة النساء انتهاك للأسرة القائمة على الستر والعفاف والإصلاح والحياء وهذا لا يصلح أن يكون زوجاً».
وخلُص الجيران إلى أن «أمام الزوجة ثلاث خطوات وهى النصيحة سراً ثم اللجوء لأقارب الزوج ثم اللجوء للقضاء لطلب الطلاق»، موضحاً في الوقت ذاته أن «جواز اطلاع الزوج على هاتف الزوجة ليس مطلقاً فهو لا يجوز له أن يرى صور صديقات زوجته الخاصة فهذا حرام».
وزاد «الشرع يحض على عدم الشك لأن الأسر تبنى على الثقة وحسن السيرة والسلوك وحفظ المودة، والأصل أن يكون بين أفرادها ود وتفاهم وثقة»، مشيراً إلى أن «ثمة مفارقة كبيرة في المجتمع الكويتي والذي لم يكن يعرف قبل النفط هذا الشك، وكانت العلاقة كلها محافظة وقائمة على الستر، لكن اليوم بعد الانفتاح ووجود وسائل التواصل نشأت هذه المشاكل التي عاصرتها في إدارة الاستشارات الأسرية في وزارة العدل لمدة سبع سنوات ولمست عن كثب هذه المشاكل بين الشباب الذين باتوا يقعون في الطلاق لأقل الأسباب».
وأردف «الشرع لم يجز للزوج الشك العابر لأنه يفتح ضرراً كبيراً فقد يرى الزوج أموراً بسيطة ويبني عليها أموراً أكبر، وقد جاء في الحديث الشريف نهى النبى صلى الله عليه وسلم أن يطرق الرجل أهله ليلاً حتى لا يرى شيئاً يريبه ويكون مدعاة للطلاق وهذا من باب درء الشك».
واختتم بالقول «النصيحة التي أود تقديمها في هذا الشأن هو تغليب العقل والحكمة ومعرفة أنه لا يوجد إنسان كامل، وطلب التوبة أولى من تفريق الأسر وتشتت الأولاد».
من جانبها، علقت أستاذة علم النفس والصحة النفسية الدكتورة هيفاء اليوسف على اطلاع أحد الزوجين على هاتف الآخر بالقول «إطلاع أي من الزوجين على هاتف الطرف الآخر دون إذن منه تجاوز لخصوصيته وكسر للثقة بينهما سواء كان من باب الشك أو الفضول، كما أن ذلك يدخل من باب التجسس الذي تم النهي عنه».
وأضافت «إن وقعت الزوجة على ما يُريب دون إثبات أو تفسير واضح فهي ستفتح عليها بابا من الظنون والشك لن تجد لها إجابات، فلا هي تستطيع أن تعترف للزوج أنها كسرت خصوصيته ولا هي تستطيع أن تواجهه بشك لا دليل عليه، وستدخل في دوامة يتعكر بها مزاجها ونفسيتها ما ينعكس على سلوكها مع الزوج وأفراد الأسرة. كذلك الزوج ليس من حقه فتح هاتف زوجته دون إذن منها فذلك جزء من خصوصيتها وقد يقع على صورة أو حديث يثير الغيرة والشك داخله ويثير انفعاله فتبدأ الخلافات والنزاعات الزوجية دون وجود دليل ثابت يواجهها به».
وزادت «في أغلب الحالات نجد الأزواج والزوجات ينكرون ما وقع عليه الطرف الآخر ورآه ويرفضون تفسيره ويظل الشك والظن هو السائد بينهما والانفعال هو سيد الموقف مما قد يكون سبباً في تدمير العلاقة وإنهاء الحياة الزوجية»، لافتة إلى أنه «رغم أن الحياة الزوجية هي شراكة بين الزوجين إلا أنه يظل لكل منهما خصوصيات يتفقون عليها ويحترمونها وحدود لا يتجاوزونها إلا بالاتفاق والتراضي وهذا هو مكمن جمال الحياة الزوجية».
بدورها، أكدت المحامية شيخة الجليبي أن «المراسلات حق من حقوق الزوجة وتندرج تحت بند الحرية الشخصية وهى مساحة خاصة لا يجوز لأي شخص الاطلاع عليها إلا بإذن من النيابة بناء على تحريات جدية في قضية معينة، كما لا يحق للزوج تفتيش هاتف زوجته أو محفظتها أو أي شيء من متعلقاتها الشخصية تحت ذريعة أن الزواج حياة مشتركة، فهذه ليست مساحة مشتركة بل مساحة خاصة سواء للزوج أو الزوجة وكلاهما لا يحق لهما الاطلاع على هاتف الآخر إلا بإذن من النيابة بناء على قضية محددة».
وعن قوامة الرجل وما يمكن أن تبرره للزوج للقيام بالاطلاع على هاتف الزوجة، أجابت الجليبي بالقول «القوامة بالإنفاق، وبالتالي هي التزام وليست ميزة للرجل وأياً كان الشخص فلا يجوز له الاطلاع على خصوصيات أي شخص آخر».
وتابعت «الحقوق الزوجية هى حقوق مشتركة، لكن المؤكد أن الاطلاع على هذه الأمور الخاصة ليس من ضمن الحقوق»، مشددة على أن «التفتيش في هاتف شريك العمر هي بداية النهاية».
وزادت «لنفترض أن الزوجة أتاها رسالة غريبة على هاتفها وهي لا ترغب في محتواها، فهذا لا يعني بالضرورة أن ثمة علاقة بين الزوجة ومن أرسل لها تلك الرسالة أو أن ثمة علاقة بينهما، ومن يبحث عن الخطأ فسيجده».
واختتمت: «هذا الشك الذي يعقبه التفتيش تسبب في خراب كثير من البيوت ووقوف شريكي العمر أمام بعضهما البعض في المحاكم في قضايا تكون أسبابها متعددة، لكن أحد أهم هذه الأسباب هو عدم الثقة والشك في الطرف الآخر، وإذا نظرنا للأمر من الناحية القانونية أو الحقوقية أو الأخلاقية فإنه لا يجوز لأي شخص الاطلاع على خصوصيات شخص آخر من دون إذنه».
الكردي: للزوج منع زوجته من استخدام هاتفه
عضو لجنة الإفتاء الدكتور أحمد الحجي الكردي علق على قضية اطلاع أحد الزوجين على هاتف الآخر قائلاً «لا يجب التجسس حتى وإن كانت النية صالحة، لأنه سيؤدي لفساد وضلال وللرجل أن يمنع زوجته من استخدام الهاتف لكن الزوجة لا يحق لها أن تمنع الزوج من استخدام الهاتف».
تجسس على هاتف زوجته... فطلقها
من بين القضايا التي شهدتها المحاكم الكويتية قضية زوج استخدم برامج التجسس على الهاتف لمراقبة هاتف زوجته، وتمكن من متابعة كل محادثاتها على التطبيقات المختلفة ومعرفة كل الأشخاص الذين تتواصل معهم.
قام الزوج برفع قضية في المحاكم الكويتية وحكمت المحكمة بالطلاق بعدما تم تقديم نسخة من هذه المحادثات كقرينة على سلوك الزوجة.