في الساعة السابعة من صباح يوم الأحد، 27 يوليو 1980، بمستشفى العجوزة، توقف قلب رشدي أباظة، عن الخفقان، وكانَ قبل 48 ساعة فقط فاقَ من غيبوبته لعدة دقائق، حيثُ رأى لأول مرة حفيده، أدهم دياب، وهو الابن الأول لكريمته، قسمت أباظة، من زوجها، أحمد دياب.
وكذلك استقبل شقيقته السيدة منيرة أباظة، المتزوجة في لبنان والمقيمة في بلدة «صيدا»، وكان رشدي أباظة قد عانى آلامًا مبرحة في الأسبوع الأخير من حياته، كما أصيب بالهزال الشديد، حيث ضاعت تمامًا معالم شخصيته القوية.
تحت عنوان «ألبوم رشدي أباظة»، نشرَت مجلة «الموعد» في القاهرة 4 صور تذكارية: الأولى يظهر فيها رشدي أباظة رجلًا خمسينيًّا، مازالت الأضواء تلمع حوله، فيما يبتسم هو نِصف ابتسامة ويقف بجانب ابنته قسمت في حفل زفافها على رجل الأعمال، أحمد دياب.
وقبل تلكَ الصورة بعشرة أشهر، تظهر صورة أخرى لرشدي أباظة، ويبدو أنها في حفل زفاف بسيط، تتلخص مظاهره في باقة الورود التي تُزيّن خلفية الصورة، فيما يظهر العروسان، كما يؤكد تعليق «الموعد».
أما الصورة الثالثة فيظهر فيها رشدي أباظة، النجم السينمائي الذي قرر الذهاب إلى عالم «التليفزيون»، حيث يُشير التعليق المُرفق إلى أول مسلسل قرر أن يظهر به رشدي أباظة، وللحظةٍ تشعُر أنّ الصورة تصدر صوت مناقشة النجم الراحل مع الفنانة صفاء أبو السعود.
وفي الصورة الرابعة والأخيرة، اختفى رشدي أباظة، فيما ظهرت ابنته قسمت وهي تحمِل أول حفيد لرشدي، ومن سوء الحظ أن الفنان ذهبَ آنذاك في دوامة المرض، فلم يُتح لهُ أن يرى حفيده سوى مرة واحدة قبل وفاته.
أما التفاصيل فتذكُرها «الموعد» في صفحة أخرى، مُرفقة بشهادة الوفاة، وتقول: دخل النجم الكبير مستشفى العجوزة مُنذ أسبوعين، ولم يكن يعرف خطورة حالته، ولذلك لم يعلم بدخوله المستشفى سوى شقيقه الممثل، فكري أباظة، وزوجته حياة قنديل، والنجمة نادية لطفي، التي هي أقرب الصديقات والزميلات إلى رشدي أباظة، وأجّلت سفرها إلى لندن لتكملة المسلسل التليفزيوني الذي تمثل دور البطولة فيه، لكي تبقى إلى جانب رشدي أباظة في مرضه.
وقد بلغ خبر وفاة رشدي أباظة إلى والدته، الإيطالية الأصل المصرية الجنسية، ليلى بورجمينو، ولكنها رفضت الحضور إلى المستشفى لإلقاء النظرة الأخيرة عليه بسبب الخلافات الشديدة التي كانت قائمة بينها وبينه؛ ثُم عادت وحضرت وكان أول لقاء لها مع حفيدتها، قسمت أباظة، بعد الخلافات التي قامت بينهما.
ودُفن جثمان النجم الراحل في قبره، الذي شيده على نفقته الخاصة، بمنطقة «نزلة السمان»، وهو بعيد تمامًا عن مقابر الأسرة الأباظية. فيما تجمّع حول مستشفى العجوزة لوداع رشدي أباظة عدد كبير من الناس الذين يتألف منهم جمهوره السينمائي. وتعالى البكاء عليهِ عندما أذيع نبأ وفاته.
وقبل ذلك بأيام، استقبل مستشفى «العجوزة» عددًا من الشبان، أبدوا استعدادهم لأن يهبوا أي جزء من أجسادهم لرشدي أباظة إذا كان في ذلك شفاءٌ له.
وأصر رشدي أباظة على أن يدفع مصاريف علاجه، رافضًا العلاج على حساب الدولة أو حساب أي هيئة فنية. وبالفعل أعطى شقيقه شيكًا مفتوحًا لكي يتمكن من سداد ما يترتب على إقامته وعلاجه في المستشفى.\
وعندما أعلن الأطباء وفاة رشدي أباظة، أصيبت نادية لطفي بالإغماء، كما انهارت قسمت أباظة وأخذت تبكي وهي في حالة صعبة من التشنُّج، ولم تفلح الأدوية المهدئة في إعادتها إلى طبيعتها.
ورغم آلام رشدي أباظة إلا أنه كان يأمل أن يغادر المستشفى في أقرب وقت، بل إنه طلب من ابنته أن تُحضر له من مكتبه سيناريوهات كان قد أعدها لينتجها على حسابه، ويمثل دور البطولة فيها، ولكن قبل يوم واحد من وفاته فقد ذاكرته تمامًا، ولم يعد يعرف الأشخاص الذين يراهم معه، كما فقد القدرة على النطق وانتابته ثورة عصبية.
وقد تبين بعد وفاة رشدي أباظة أنه يملك أيضًا مزرعة كبيرة على مساحة 30 فدانًا في قرية «الربعماية»، ضمن أملاك الأسرة الأباظية في مديرية الشرقية، وكذلك يمتلك نصف مصنع للستائر الحصير كان قد أنشأه مع قريبه المرحوم، محمد طاهر أباظة، الذي توفي قبله بثلاثة أعوام.
وهو زوج السيدة نبيلة أباظة، التي كان رشدي قد تزوجها منذ شهور، ثُم طلقها بعد أن تأكد من عدم قدرته على الزواج، ولكي لا تكون أرملة للمرة الثانية. وأيضًا يمتلك الراحل نصف محل للبقالة في شارع ماسبيرو، بالقُرب من مبنى التليفزيون.
ورحل أباظة تاركًا أفلامًا لم تُعرض بعد، منها فيلم «الأقوياء»، من إخراج أشرف فهمي، وقد اشترك معه في التمثيل نجلاء فتحي ومحمود ياسين؛ أما آخر أعماله الفنية فهو المسلسل التليفزيوني الذي لم يكتمل بعد والذي حمل بالصدفة اسم «صفقة الموت».