رئيس قطاع الأخبار الأسبق يكشف في مقال خطير عن الخطر القادم على مصر خلال الفترة القادمة والذي بدأت بوادره في الظهور
بدأ «داعش» يترنَّح قبل أن يبدو أنه يسقط. بدأ ذلك منذ عدة أشهر عندما شعر الفرقاء أنه- أى «داعش»- قد أدى الغرض منه، وحان وقت رحيله جغرافياً. فمع تراجع موارده المالية إلى النصف على مدى الأشهر الأخيرة، وحيث أصبحت وسائله وعملياته الإعلامية فى حالة يُرثى لها، وبينما يقتطع كل هجوم عليه فى أى ساحة اشتباك معه الأراضى التى سبق أن سيطر عليها قطعة تلو الأخرى، أصبحت نهاية ما يُدعى «دولة الخلافة» وشيكة كما يبدو. لكن ما ينبغى أن نتذكره دائماً، كما سبق أن أشرت فى مقال سابق، أن تحقيق نصر حاسم على «داعش» يظل بعيداً عن المنال.
القاعدة التى جرَّبناها مرات عديدة تقول إنه عندما ينتهى أى صراع، سواء كان ذلك بالقوة الجبرية أو بتسوية متفاوض أو متآمر عليها- فى الغالب- يغادر أعضاء ومقاتلو هذه الجماعات ممن يطلق عليهم «الإرهابيون العابرون للحدود» فى اتجاهات عديدة، وقد جرَّبنا ذلك أكثر من مرة فى ظاهرة «العائدون»، وفى كل مرة كانوا عائدين من جبهة قتال أو جهاد، كما يسمونها، مرة من أفغانستان، ومرة من ألبانيا، وأخرى من الشيشان. واليوم علينا أن نتوقع العائدين الجدد من «داعش».
أين سيذهب المصريون الذين انخرطوا فى هذه المغامرة الإرهابية؟ وأين سيذهب المرتزقة الذين يُمنعون من العودة إلى بلدانهم الأصلية؟ إجابةً عن السؤال الأول فإن المتوقع أن يُشكِّل هؤلاء موجة جديدة من إرهابيين عائدين مثل العائدين القدماء. المشكلة هنا أن هؤلاء سيكون من الصعب حصرهم بشكل دقيق والتعرُّف عليهم جميعاً، لأنهم جيل جديد خرج ونشأ بعيداً عن أعين أجهزة الأمن المصرية التى عانت خلال الأعوام التالية لأحداث يناير، وتعمل الآن على استعادة كفاءتها كما كانت، وأيضاً الصعوبة الأخرى أن معظم هؤلاء من شباب صغير كانوا صبية منذ أعوام قليلة، وحجم المعلومات عنهم قليل للغاية.
أما الإجابة عن السؤال الثانى حول المرتزقة فإن هؤلاء يُشكِّلون لفيفاً من الجهاديين عديمى الجنسية الذين يسافرون إلى الخارج بحثاً عن المسرح الجهادى التالى- اليمن، لييبا، غرب أفريقيا أو أفغانستان- وجزء من هؤلاء هم ذرية «المجاهدين» المتشددين الأصليين الذين انضموا إلى صفوف تنظيم القاعدة وقاتلوا فى أفغانستان ضد السوفييت، وفى الشيشان ودول البلقان، مع مزيد من المئات يختبئون على عتبة أوروبا فى تركيا. ومن المرجَّح أن ترحب التنظيمات الموالية لـ«داعش» والجهاديون المحليون فى تلك الأماكن بهذا الدعم من «الرفاق» الذين خبروا المعارك واكتسبوا خبرات إضافية.
ما من شك فى أن مقاتلى «داعش» أصبحوا يمتلكون قدرة الحركة والمناورة، ففى أثناء تمترسهم فى مواقعهم استخدموا الأنفاق وكوَّنوا منها بمهارة شبكات تحت الأرض لنقل الرجال والمواد، وأتقنوا إنتاج ونشر السيارات المفخخة بالعبوات الناسفة.
هذه حقائق يجب أن تكون حاضرة فى الأذهان عندما نضع خططاً وتصورات للتعامل مع الخطر القائم عملياتياً، وفى التواصل مع الجمهور من خلال الرسائل الإعلامية والسياسية، خاصة مع ما هو متسرِّب من معلومات تفيد بأن المرحلة المقبلة سوف تشهد تركيزاً من قبل الجماعات الإرهابية ومن يدعمهم على الجبهة المصرية، ويعتبر مُحرِّكو هذه الجماعات أن معركتهم القادمة مع مصر يجب أن تكون حاسمة ومؤثرة، وهذا يعنى أن علينا أن نتوقع مزيداً من عمليات التسرُّب عبر حدودنا الأرضية الثلاثة، مهما كان اطمئناننا لمن حولنا فإن الخطر يظل حاضراً. أحسنت مصر فى أدائها البراجماتى فى التعامل مع «حماس» على الحدود الشرقية، والحفاظ على أجواء هادئة وودية الأداء مع جارنا الجنوبى أمر حكيم، وامتداد مظلة حماية حدودنا الغربية مع حلفائنا فى ليبيا هو أمر حتمى، لكن كل هذا لن يكون كافياً دون إجراءات مستمرة لتطوير منظومة حماية الحدود. أما داخلياً فإن الحل الحاسم هو كسب كل المجتمع فى صف الدولة فى حربها مع الإرهاب. وهذا موضوع آخر.