"قد يكون الشر كامنًا في الخير".. تنطبق تلك المقولة على الفنانتين راقية ونجمة إبراهيم فالأولى شقت طريقها إلى السينما في أدوار رومانسية فوقفت أمام كبار النجوم رغم أن شخصيتها الحقيقية كانت العكس تمامًا، بينما برعت الثانية في الأدوار الشريرة، ولم تظهر يوما فى دور سيدة طيبة، جسدت المرأة فى أشر مواقفها، لكنها كانت تحمل قلبًا وطنيًا مخلصًا.
راقية إبراهيم الأخت الجميلة لنجمة إبراهيم ولدت في 22 يونيو 1919 لأسرة مصرية اسمها الحقيقى راشيل أبراهام ليفي، أول أعمالها السينمائية "ليلى بنت الصحراء" وبزغ نجمها ونالت شهرة كبيرة في الأربعينيات والخمسينيات، بعد قيامها بدور البطلة لمسرحية توفيق الحكيم "سر المنتحرة" عام 1938، وسلامة في خير مع الفنان نجيب الريحاني، ورصاصة في القلب مع محمد عبدالوهاب، وفيلم زينب مع يحيي شاهين وفريد شوقي في عام 1952 وغيره من الأفلام مثل القلب له واحد وعاصفة على الريف وعريس من إسطنبول، وملاك الرحمة.
ولم تكن راقية إبراهيم أبدا ملاكا للرحمة رغم وجهها الملائكي، فلم تصن راقية إبراهيم، العيش والملح كما يقول المصريون، ولم يطمر فيها أنها عاشت واشتهرت فى مصر فكان أجدر بها أن ترد لها الجميل، لكن أى جميل تقدمه يهودية كل ولائها لإسرائيل حتى وإن كانت تعيش على أرض مصر المحروسة، فبعد زواجها من المهندس مصطفى والي، غادرت مصر عام 1956 إلى الولايات المتحدة التي استقرت بها وعملت بالتجارة ثم سفيرة للنوايا الحسنة لصالح إسرائيل.
ورغم بعد راقية إبراهيم عن مصر إلا أن هناك اتهامات مصوبة لها بضلوعها بالاشتراك مع الموساد الإسرائيلى باغتيال عالمة الذرة المصرية سميرة موسى عام 1952 لرفضها عرضا بالحصول على الجنسية الأمريكية والعمل في المراكز العلمية بأمريكا وإصرارها على العودة لمصر مما أقلق إسرائيل من احتمالات إسهامها في بناء برنامج نووى مصري وليد قد يهدد إسرائيل، وهو أكدته حفيدتها ريتا ديفيد توماس في أحد البرامج، فقد كشفت بكل "بجاحة" أن جدتها كانت مؤمنة بالموساد.
وشاركت في اغتيال صديقتها المقربة جدًا عالمة الذرة سميرة موسى حيث كانت دائمة التردد على منزل موسى، وهو الأمر الذي أتاح لها تصوير منزلها بشكل كبير فضلاً عن أنها استطاعت سرقة مفتاح شقتها فدعتها إلى العشاء في الأوبرج كي يسهل على "الموساد" دخول الشقة وتصوير الأبحاث والمعمل الخاص بها. استقرت راقية إبراهيم بعد أن تزوجت أمريكيا وعملت في التجارة حتى وفاتها في سبتمبر 1977.
شتان ما بين الأختين، فراقية إبراهيم خانت مصر والمصريين الذين أحبوها، وساعدت الموساد الإسرائيلي فى قتل سميرة موسى أما الأخت الأخرى المعروفة بملكة الرعب "نجمة إبراهيم" التى ولدت في 25 فبراير 1914 والتى كرهها المصريون فى أدوار الشر، وهذه الكره دليل براعتها فى تجسيده، ولعل من أشهر أدورها دور "ريا" في فيلم ريا وسكينة العام 1953، الذي يروي قصة سفاحتي الإسكندرية ريا وسكينة في العشرية الثانية من القرن العشرين. وقد نال الفيلم شهرة عريضة للدرجة التي بات الناس ينادون نجمة إبراهيم باسم دورها في الفيلم "ريا".
وكغيرها من الفنانين اليهود المصريين حفرت فى الصخر لتكتسب قاعدة عريضة من الشهرة والنجاح لم ينظر الشعب المصري أبدا لديانتها اليهودية، فالفن ليست له أديان، فقد أحبوها كمبدعة فعاملوها كمصرية مثلهم، وشاركتهم أفراحهم وأطراحهم .. والذي لا يعرفه الكثيرون أن نجمة إبراهيم عملت صحفية فى مجلة اللطائف المصرية حين عصفت الأزمة الاقتصادية بالفن فلم يكن أمامها، سوى العمل بالصحافة، حينها وجه كيوبيد سهامه إلى قلب نجمة التى أعجبت بشاب يعمل في مجلة اللطائف التى كان يصدرها إسكندر مكاريوس، فاعتنقت الإسلام، في 4 يوليو عام 1932 ولكنهما انفصلا قبل إتمام الزواج.
وكان كيوبيد متربصًا لقلب نجمة فلم يمض سوى عدة أشهر حتى عادت نجمة إلى الفن من جديد وتزوجت من زميلها بفرقة بديعة مصابني ويُدعى عبدالحميد حمدي، لكن الزواج لم يستمر طويلا لتتفرغ بعد ذلك لعملها الفني حتى قابلت زوجها الثاني والأخير الممثل والملحن عباس يونس، الذي كان قد قابلها فى بداية حياتها الفنية بفرقة فاطمة رشدي عام 1930 إلا أنهما لم يتزوجا إلا بعد 14 عامًا من لقائهما الأول، فكان خجل يونس سببا فى عدم زواجه بنجمة فى اللقاء الأول فلم يبح بمشاعره الجياشة لها، وحين انفصلت عن حمدى وجدها فرصة سانحة ليبوح لها بحبه المدفون طوال هذه السنوات الطوال ليتزوجا عام 1944، الزواج لم يكن اجتماعيا فقط كان زواجا فنيا أيض فكونا فرقة مسرحية قدمت عدة عروض مميزة كان أهمها «سر السفاحة ريا» عام 1955 من تأليف وإخراج زوجها وتبرعت نجمة بإيراد حفل الافتتاح لتسليح الجيش المصري بعد إعلان جمال عبد الناصر قراره بكسر احتكار السلاح، واستيراد السلاح من دول الكتلة الشرقية بعد رفض الغرب تسليح مصر. وقد حضر السادات عرض الافتتاح وبعد الانتهاء من العرض، صعد على المسرح وصافح الفرقة ثم رفع يده لنجمة تحية لها.
ومنحها السادات وسام الاستحقاق، بالإضافة إلى معاش استثنائي تقديرًا لعطائها الفني ووطنيتها النادرة.
رغم أن المثل المصرى يقول وراء كل عظيم امرأة.. إلا أن يونس عكسه وأثبت أن وراء كل امرأة عظيمة رجل عظيم مثلها فقد كان عظيما فى وقوفه وراء زوجته فى أصعب لحظات حياتها حين فقدت بصرها حتى اللحظات الأخيرة كانت مستندةً إلى ذراعه تحضر البروفات في مسرح «الجيب» وتتحرك على خشبة المسرح لخطوات محسوبة، وعندما تعود إلى منـزلها تستمع إلى زوجها وهو يقرأ لها الدور حتى تؤديه على المسرح في اليوم التالي.
وكما أن مصر لم تنس من يقف بجانبها من الفنانين فقد كان هناك قرار إنساني من الرئيس الرحل جمال عبدالناصر بعلاجها على نفقة الدولة في 22 مارس 1965 بإسبانيا، لتعود نجمة لترى خشبة المسرح من جديد وتعود لجمهورها الذي يحبها وهي مبصرةً ومتحمسةً لاستكمال مسيرتها الفنية فقد كانت تخشي نجمة إبراهيم أن يذهب النور من عينها في الوقت الذي يشع فيه النور أمام مستقبل مسرح بلادها "مصر" ، وقالت عبارتها المشهورة: "أنا أحس أن الدور أمامي طويل في هذه النهضة المسرحية، وأشعر الآن بمدى العرفان لرئيسنا العظيم الذي شمل الفنان برعايته"، ولكن أمراضًا أخرى أصابتها وأرغمتها على الابتعاد عن خشبة المسرح والاعتزال.
مثلت نجمة إبراهيم في ما لايقل عن 40 فيلما، وكان أول أدوارها في فيلم غادة الكاميليا، ومن أدوارها المهمة دورها في فيلم أنا الماضي العام 1951 بالاشتراك مع زكي رستم وفاتن حمامة، ولعبت فيه دور شقيقة حامد "زكي رستم" الذي يسعى للانتقام من زوجين ظلماه وتسببا في دخوله السجن وعند خروجه يكتشف وفاتهما فيقرر الانتقام منهما عبر ابنتهما وتساعده في الأمر أخته "نجمة إبراهيم" في هذه الحالة.
ويذهب البعض إلى أن نجمة وقبل وفاتها في 4 يونيو 1976 عن (62 سنة) حولت منزلها الي دار لتحفيظ القرآن الكريم.
قصة الشقيقتين تؤكد أن الحكم على الشخص ليس بشكله، فكم من وجوه جميلة كانت أكثر شرًا وخداعًا، وكم من وجوه قسماتها قاسية لكن قلوبها نقية بيضاء، وما تقدمه من أدوار شريرة على الشاشة بعيدة عن شخصيتها الحقيقية وأنها أكثر ولاء وانتماء للأرض التى عاشت عليها.