ليست صدفة أن تعلن القاهرة وتونس في توقيت واحد، إعلان حالة الطوارئ، فالأحداث التي تمر بالمنطقة، تفرض على الدولتين تنسيقًا مشتركًا، لمواجهة خطر الإرهاب الذي بالتزامن مع لفظ أنفاسه الأخيرة في سوريا، يبحث عن "ملاذ آمن" له في ليبيا، الجارة الغربية لمصر، والشرقية لتونس.
وفي نفس يوم إعلان حالة الطوارئ في مصر، نجحت الجهود المصرية في وقف إطلاق النار بسوريا، وهو ما يزيد الخناق على الفصائل الإرهابية في سوريا، ويدفعهم إلى الهرب ناحية ليبيا، التي لازالت تعاني من فوضى أمنية، لتفرض على كل من القيادات الأمنية في مصر وتونس، إعلان حالة الطوارئ في توقيت واحد، خشية تدفق متطرفين عبر الحدود إلى الدولتين.
تزامنت إعلان حالة الطوارئ في مصر، بإنهاء الانقسام الفلسطيني، وإعلان المصالحة الفلسطينية بين الفرقاء، وهو الأمر الذي لم يلقى استحسان جميع الأطراف في فلسطين، فوفق مصادر مطلعة، فإن الأجهزة الأمنية توافرت لديها معلومات بوقوع عمليات إرهابية، ردًا على إتمام المصالحة الفلسطينية.
-تهديدات بعمليات إرهابية:
وفجرت صحيفة "التايمز" البريطانية، مفاجأة من العيار الثقيل، عندما أكدت أن مصر تلقت رسائل تهديد من تنظيم داعش ليبيا، ذراع قطر الأيمن لضرب استقرار مصر، وحركة صابرين الفلسطينية المتشددة.
وقالت الصحيفة إن بعض أعضاء حركة فتح، اتهموا قيادتهم أمس بالخيانة بعد توقيع المصالحة مع حركة، وهددوا بالرد العنيف على ذلك.
وجاءت في رسائل التهديد التي تلقتها مصر من حركة صابرين الفلسطينية المتشددة ضرب عدة أماكن في سيناء وقلب القاهرة نوفمبر المقبل، مع الاجتماع الذي دعت له مصر أمس لمتابعة تنفيذ المصالحة بين حركتي فتح وحماس، وهو ما تحقق بسرعة، عندما وقع هجومًا إرهابيًا فجر اليوم التالي من توقيع المصالحة، في سيناء، أسفر عن استشهاد 6 جنود.
وتحركت إسرائيل بالاتفاق مع قطر وتركيا وإيران وحركة صابرين وتنظيم داعش سيناء بالاتفاق ضد مصر، خاصة بعد انضمام صالح العاروري، المسؤول منذ سنوات عن عمل "حماس" السري في الضفة الغربية، كلاعب تعزيز للمحادثات في القاهرة، ووُضع كرقم 2 بعد إسماعيل هنية في قيادة "حماس" إلى جانب قائد "حماس" رقم 3 يحيى السنوار. 
وهؤلاء الثلاثة، الذين تفاوضوا مع السلطة الفلسطينية، هم ميدانيون يرتبطون بشكل مباشر مع الذراع العسكرية، وليسوا من نزلاء الفنادق الفخمة مثل خالد مشعل، بسبب معرفتهم بالضائقة التي يعيشها قطاع غزة، وهذا ما أثار مخاوف إسرائيل لأن هؤلاء الثلاثة من الاستحالة الاعتراف بإسرائيل.
اتفاق المصالحة بين الفرقاء الفلسطينيون، شمل انفصال حماس عن "الإخوان المسلمين"، وتغيير ميثاقها، وهو إجراء لم تتقبله جماعة الإخوان المسلمين بصدر رحب، وسرعان ما بدأت في ترتيب أوراقها لتنسج مؤامرة جديدة، في الوقت الذي تواجد داخل السلطة الفلسطينية شخصيات كبيرة مستعدة للتغاضي عن رفض "حماس" نزع سلاحها والتخلي عن آلاف "المخربين" فيها ونسيان ما فعلته ضد رجال السلطة في غزة في العام 2006.
وأدركت مصر مبكرًا، عمق المؤامرة التي جاءت كرد فعل على المصالحة، وسارعت في محاولة تعليق "جرس" في رقبة حماس، يجنبها شر مؤامرات الإخوان من جهة، ويحميها من التقرب الإيراني من جهة أخرى، دل على ذلك اللقاءات التي عقدت في القاهرة، والتي أثبتت أن مصر باتت تحكم قبضتها على قطاع غزة وحركة حماس، بعد أن أحكمت الطوق الخانق الأمني والاقتصادي على عنق "حماس" كعقاب على مساعدتها لعناصر "داعش" في سيناء، ومتآمري "الإخوان المسلمين" في الداخل.
وحاولت حماس النجاة بنفسها من قائمة الإرهاب بعد علاقتها بإيران و"داعش" و"جبهة النصرة" و"القاعدة" و"الإخوان المسلمين"، خاصة بعد فرض حصار قوي على قطر التي ترعاها، وتحسن العلاقات بين تركيا والكيان الصهيوني، فلم تجد أمامها إلا الإذعان لشروط مصر وقبول المصالحة.
-مد حالة الطوارئ في مصر:
"الظروف الأمنية الخطيرة التي تمر بها البلاد".. هي من دفعت الرئيس عبدالفتاح السيسي، إلى إعلان حالة الطواري في البلاد، لمدة 3 أشهر أخرى، وفق ما نشرته الجريدة الرسمية للدولة، حيث تعلن حالة الطوارئ في جميع أنحاء البلاد اعتبارا من الساعة الواحدة صباح اليوم الجمعة لمدة ثلاثة أشهر.
وفي 10 أبريل الماضي، وافق البرلمان المصري ‎على سريان حالة الطوارئ لمدة 3 أشهر، ردا على هجومين استهدفا آنذاك كنيستين شمالي البلاد، وأوقعا 45 قتيلا على الأقل، وتبناهما تنظيم "داعش".
قرارات الرئيس الحاسمة، أثارت قلقًا وخوفًا في تل أبيب، ففي تقرير لموقع المصدر الإسرائيلي، كشفت عن حجم الخوف من "السيسي الجديد"، والذي يمثل بالنسبة لهم من عبد الناصر الجديد في ثوب الرئيس عبد الفتاح السيسي، حيث إنه لم يتسلح فقط بل أيضاً تبني القضية الفلسطينية التي فشل الكثيرون في حلها، وبالتالي فإنه تطيح بالحلم الإسرائيلي في بناء مستوطنات جديدة والاستيلاء علي فلسطين بالكامل.
-مد حالة الطوارئ في تونس:
وفي تونس أعلن الرئيس الباجي قائد السبسي عن مد حالة الطوارئ لمدة شهر آخر، تزامنًا مع إعلان الرئيس المصري، وكانت حالة الطوارئ قد صدرت في تونس بعد أسبوع من هجوم نفذه متشدد على فندق في مدينة سوسة، قُتل خلاله 39 سائحاً معظمهم بريطانيون في شهر يونيو 2015.
وتمنح حالة الطوارئ لفترة مؤقتة صلاحيات أكثر للحكومة ونفوذاً أكبر للجيش والشرطة وتمنع أي تجمعات أو تظاهرات أو احتجاجات.
ومدت تونس حالة الطوارئ عقب تلقيها تهديدات من الجبهة الشعبية، أحد أكبر الأحزاب التونسية المعارضة، بوقف "قانون المصالحة الإدارية" الذي تضمن ثغرة قانونية قد تمكن الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي، والعديد من المسؤولين السياسيين في عهده من التمتع بالعفو.
حيث جاءت صياغة "قانون المصالحة الإدارية" بتمرير لفظ "أشباه الموظفين" التي قد تشمل في معناها القانوني كل موظفي العهد السابق، من الرئيس التونسي بن علي وصولًا إلى آخر مسؤول بالدولة في عهده.
-"كماشة" ليبيا:
على الجانب الآخر كشفت صحيفة "الديلي نيوز" الأمريكية عن سر هذا القرار وهو اجتماع سري جاء بحضور قيادات رفيعة المستوى من مصر وتونس وليبيا لبدء عاصفة الحزم في ليبيا.
وقالت الصحيفة إن بعد الضربة المصرية التي قضت علي الكثير من داعش ليبيا بدأ 5 آلاف داعشي في النزوح علي تونس ومصر، لذا عقد اجتماع سري بين تلك الاطراف تم الاتفاق فيه علي مايسمي"عاصفة الحزم" والتي ستشبه عاصفة الحزم في اليمن لكن بقيادة مصرية وتعاونها تونس و الجزائر وعدة دول أخري لم تحدد بعد.
وقالت الصحيفة إن داعش ليبيا سيطر علي "تكوت، وتندميرة، وشعوة"، ويعد منفذ الذهيبة الحدودي في تونس هو المدخل الرئيسي لهذه الجماعات التي وصفتها بالمشبوهة. 
وفي نفس السياق وسع تنظيم داعش الارهابي في ليبيا من نفوذه بعد دخوله الى بلدة هراوة 70 كم شرق مدينة سرت، والتي ينتمي أغلب سكانها الى قبائل أولاد سليمان.
-الجزائر تدخل اللعبة
رغم أن الجزائر صوتت ضد مصر لمرشح قطر في اليونسكو إلا أنها الآن تتوسل إلى مصر للدخول معها في "عاصفة الحزم"، كما رفعت من درجة التأهب القصوى في العديد من المناطق الحدودية خاصة الشرقة والجنوبية منها تحسبًا لأي طارئ قد تعرفه هذه المناطق لمنع تسلل الجماعات الإرهابية انطلاقاً من الأراضي التونسية أو الليبية في ظل الأوضاع الأمنية المتدهورة وعودة المئات من "الدواعش" إلى بلدانهم الأصلية، إضافة إلى تحذيرات من ضرب منشئات نفطية جزائرية.
وأوردت صحيفة "المحور" الجزائرية، أن قوات الجيش الوطني الشعبي اتخذت إجراءات خاصة بعد تسجيل تحركات لمجموعات الإرهابية الناشطة في ليبيا وتحسبًا لأي تهديدات لتنظيم داع في ليبيا للصناعة النفطية الجزائرية، في ظل احتمال تسلل مجموعة مسلحة لاختطاف رعايا غربيين من أحد حقول النفط في الجنوب الشرقي أو تنفيذ هجمات تستهدف الحقول النفطية على شاكلة تيقنتورين.
ويخطط تنظيم داعش الارهابي لتوجيه ضربة لمواقع نفطية جزائرية إلا أن محاولاته باءت بالفشل بسبب يقظة أجهزة الأمن الجزائري، وقالت مصادر أمنية إن داعش ليبيا خطط مرات عدة لتنفيذ هجمات إرهابية بواسطة انتحاريين، واختطاف أجانب يعملون في حقول النفط والغاز بالجنوب الجزائري، إلا أن المشكلة التي اعترضت التنظيم الإرهابي تتعلق بعدم توفر الإمكانات لمواجهة القوة التي وضعها الجيش الجزائري في محيط حقول النفط والغاز من قوات برية وجوية ومروحيات هجومية بالإضافة للضربات الاستباقية التي وجهها الجيش للجماعات السرية.
ويبدو إعلان حالة الطوارئ، ضرورة لجأت إليها مصر، وقرارًا صعبًا اتخذه الرئيس عبدالفتاح السيسي، أمام التحديات التي تمر بها المنطقة، والتي تفرض على مصر أن تقود المنطقة بعيدًا عن الصراعات، وتسعى إلى تضافر جهود الدول العربية، في التصدي للإرهاب، الذي بات أمرًا واجبًا، بعدما أصبح الاٍرهاب مهددًا للكل ومتنقلا عبر الحدود من دولة لأخرى، مما استدعى إجراءات أمنية وعسكرية حاسمة.