فى مصر عجب العجاب، أطفالها كالأوتاد، فى المحن تجد الصغار كبارا وكأنهم ولدوا فوارس على جياد، هناك على الضفة الأخرى التى يحتلها العدو كان صالح يرعى الغنم متحملا سخافات الصهاينة، متماهيا فى الصحراء الواسعة، لم يتخيل أن اسمه سيكون فى أهم صفحة من كتاب التاريخ.
حب صالح لوطنه كان إلهيًا، لمحه ضابط المخابرات الذى تسلل فى زى إعرابى ووصل إلى حيث يقبع صالح ووالده فى خيمتهما، القارئ للتاريخ يعى أن المصريين لا يخضعون للقواعد.. شعب لا تتوقع ردود أفعاله، وحبه للأرض والعرض جينات وراثية لا تنقطع، لم تكن مجازفة، بل كان يقينًا بأن هذا الطفل الصغير يمكنه صفع جهاز الموساد بأكمله، درب الضابط صالح واتفقا على كل الأمور وأخذا من بعضهما ميثاقا بالتضحية من أجل مصر، وتركزت فكرة الضابط فى قيام «صالح» ببيع البيض داخل المواقع للجنود الإسرائيليين، وبالفعل تمت الفكرة بنجاح، وبدأ الطفل يحقق صداقات داخل المواقع ومع الجنود، لقد كان صديقا مهذبا وبائعا فى الوقت، وداومت المخابرات المصرية على الاتصال به وتزويده بما يحتاج من البيض لزيارة أكبر قدر من المواقع حتى يمكن جمع المعلومات منها.
بعد شهر تقريبًا بدأت مهمة الطفل فى جمع المعلومات بطريقة تلقائية من خلال المشاهدة والملاحظة، وبعد أشهر معدودة بدأ حصاد الطفل يظهر فى صورة معلومات لقد استطاع أن يقدم للمخابرات المصرية ما تعجز عنه الوسائل المتقدمة، وتكنولوجيا التجسس وقتذاك.
كان كثيرا ما يتعرض الطفل أثناء احتكاكه بالجنود الصهاينة للمضايقات والشتائم وأحيانًا الضرب من بعضهم لكن دون شك فيه، وكان ضابط المخابرات المصرية يخفف عنه الآلام، ويبث فيه روح الصبر والبطولة، وكان أصدقاؤه من الجنود الإسرائيليين أيضا يخففون عنه الآلام، وينقذونه من تحت أيدى وأقدام زملائهم، وبعد اختباره فى عملية نفذها الطفل بدقة عالية قام ضابط المخابرات المصرية بتزويد الطفل بقطع معدنية صغيرة، وتم تدريبه على كيفية وضعها فى غرف قادة المواقع التى يتردد عليها وطريقة لصقها من الوجه الممغنط فى الأجزاء الحديدية المختفية كقوائم الأسرة وأسقف الدواليب الحديدية، ومكنت هذه العملية المخابرات المصرية من الاستماع إلى كل ما يدور داخل حجرات القيادة من أحاديث وأوامر من كيفية التعامل مع هذه المواقع أثناء العبور، كما استطاع المصريون التعامل مباشرة أثناء المعركة مع هذه المواقع بتوجيه إنذارات إليهم للاستسلام.
وقبل الحرب بعشرين يومًا صدرت الأوامر من المخابرات المصرية بنقل الطفل وأسرته إلى القاهرة، ولم يكن الأمر سهلا خاصة فقد نقل صالح وعائلته من الصحراء إلى القناة وتم عبورهم للقناة ومنها إلى «ميت أبو الكوم»؛ حيث كان الرئيس الراحل محمد أنور السادات فى استقبالهم.