الأغنية «السنغل»... «اليوتيوب»... «مشاهدات» بالملايين!
أصبحت هذه المفردات من أشهر التعابير التي تتردد على الألسنة طوال اليوم، ليس فقط في أحاديث نجوم الغناء، بل في المواقع الإعلامية، وفي أحاديث الجمهور أيضاً... فقد تلاشى الكاسيت الغنائي بعدما شغل الدنيا في السبعينات والثمانينات، ليحل محله الـ «سي دي» نحو عشرين عاماً أخرى، قبل أن تتآكل قيمته وتتراجع مكانته أمام الموقع الواسع الانتشار «يوتيوب» الذي صار موضة من موضات العصر، خصوصاً في عالم الطرب والغناء!
فقد تحوّلت مشاهدات الكليبات التي تُحصى بالملايين على موقع «يوتيوب» إلى موضة عند بعض المطربين، الذين يتفاخرون بأن ملايين الناس يشاهدون أعمالهم على الموقع الشهير، معتبرين عدد المشاهدات على هذا الموقع مقياسا للنجومية، ودليلاً على الانتشار، ومعياراً للمكانة التي يشغلها الفنان بين الجمهور!
«الراي» طرقت أبواب هذه القضية، في الكويت وبيروت والقاهرة، لتتقصى عن مصداقية الظاهرة ودلالتها على النجومية، وبرغم أن الأسئلة كانت قليلةً محدودة في إطار «ما الدافع وراء لجوء الفنانين لعرض أغنياتهم المنفردة على يوتيوب؟»، فإن الفنانين والمتابعين أنفسهم اختلفوا في إجاباتهم.
البعض ذهب إلى أن من حق الفنان أن يبحث عن الانتشار بكل الوسائل الممكنة والمشروعة، في ظل تراجع المنتجين عن دورهم في مساندة الفنانين، وتلاشي «الكاسيت» و«السي دي»، والبعض الآخر رأى أن «يوتيوب» صار يدر ربحاً على الفنان إذا نجحت الأغنية، خصوصاً مع إقبال الفنانين على إنشاء قنوات خاصة بكل منهم على الموقع الشهير، في حين يرى فريق ثالث الظاهرة بأنها تمثل هروباً لدى بعض الفنانين من المنافسة الحقيقية المتمثلة في الحفلات العامة والخاصة، فيلوذون بعدد المشاهدات كمعادل للشهرة من ناحية، وترويج للفنان وأعماله من ناحية أخرى!
وإذا كان البعض لم يرَ عيباً في ظاهرة «يوتيوب» الغنائية، فإن البعض الآخر صرخ شاكياً من أنها تمثل ظلماً لجهودهم ومضيعة لحقوقهم، بل وإفساد لفن الغناء في حد ذاته، بالنظر إلى ظاهرة إقدام بعض المطربين على شراء المتابعين و«الفانزات» لقاء دولارات قليلة... ثم التباهي بعددهم لاحقاً على وسائل الإعلام!
«الراي» طرحت القضية على الفنانين وشركائهم في الإنجاز الفني والمتابعين أيضاً. وها هي الإجابات...
في البداية، استهل «بلبل الخليج» الفنان نبيل شعيل حديثه متسائلاً: «ما المشكلة إذا عرضت الأغاني في المواقع الإعلامية! فهناك فنانون مضطرون إلى بث أغنياتهم في موقع يوتيوب وغيره.. وهذا شيء طبيعي وأمر وارد، خصوصاً أنه لا توجد شركة إنتاج تتبنى الفنان، وأنا شخصياً عملت وقدمت أكثر من أغنية وقدمتها في يوتيوب، حتى إنها حظيت بأصداء ممتازة».
شعيل أكد «أن طرح ألبوم غنائي أمر مهم للغاية»، مضيفاً: «لكن المواقع الإعلامية تأخذ أغنيات الألبوم وتعرضها في مواقعها»، وموضحاً «أن الشهرة والنجومية هما من الأسباب التي تدفع غالبية الفنانين الشباب إلى بث أغنياتهم في المواقع الإلكترونية».
وعن الأرباح المادية، قال شعيل: «ليس لدي علاقة بذلك، فإن الشركة المنتجة هي من تتولى المسائل المالية ثم تأخذ نسبتها، أما أنا فأقدم ما لديّ وما يناسبني وآخذ حقي، وهناك شركات خاصة تعمل لك ما تريد وتأخذ نسبة، وأخيراً لا أجد شيئاً سلبياً أو أي مشكلة في ذلك».
من جانبه، كشف الملحن القدير أنور عبدالله الغطاء عن «أن المطرب الذي ليست لديه شركة إنتاج ترعاه، تراه يعمل على إنتاج الأغنية وينشرها على يوتيوب»، مؤكداً أن «المواقع الإعلامية شبكة كبيرة»، وكذلك هناك سبب آخر: «أن تكون بعض الفضائيات لا تعرض أغاني هؤلاء الفنانين ولا حتى تستقبلهم، فلذلك تراهم يلجأون إلى يوتيوب».
وحول أهمية طرح المطرب الألبوم، قال عبدالله: «الألبوم بالنسبة إليّ مهم، لكن هناك كثيراً من الفنانين ليست لديهم شركات إنتاج تنتج ألبوماتهم»، مشيراً إلى «أن الألبوم تكلفته كبيرة، وفي الوقت ذاته قرصنته سهلة، فالشركات الآن تتخوف من إنتاج الألبومات»، متابعاً أن الفترة الأخيرة شهدت كثيراً من المطربين يطرحون «سنغل» أو «ميني ألبوم».
وعن مدى استفادة المطرب من «يوتيوب»، قال أنور عبدالله: «طبعاً المطربون يستفيدون من يوتيوب لأنه يوزع أغانيهم، ومن الممكن أن تنجح معه الأغنية، إذا ضربت، وليس شرطاً أن تكون وراءها شركات الإنتاج، يمكن الأغنية (تولع) في يوتيوب، ومن ثم ينطلق بالحفلات والجلسات الخاصة».
وفي هذا المضمار، أكد الملحن عبدالله القعود «أن لموقع يوتيوب بالغ الأثر في تحقيق مبتغى الكثيرين من الهواة والمبدعين في مجالات فنية شتى، سواء في الغناء أو الموسيقى أو الشعر والأدب وغيرها»، موضحاً أن «يوتيوب أصبح المتنفس الوحيد لغالبية المطربين، لاسيما الشباب منهم، في ظل ما تكابده أسواق الكاسيت في الوقت الحالي من ركود وهبوط في مبيعاتها».
القعود شدد على «أن نسب المشاهدة والاستماع في المواقع الإعلامية مرتفعة جداً، لذلك فإنها تجذب إليها الكثير من الفنانين، عطفاً على سرعتها في نشر الأغاني واتساع شعبية الفنان، كما أنها أسهمت في وصول العديد من المواهب إلى عالم النجومية والأضواء وبمنتهى السهولة، وهو ما لم يتحقق في أسواق الكاسيت التقليدية»، لافتاً إلى «أن بعض الأغاني المنفردة والألبومات الغنائية تحقق نجاحاً كبيراً في تلك المواقع، بل إنها تجلب للفنان أرباحاً طائلة، خصوصاً إذا حظيت بإعجاب المستمعين والمتابعين».
بدوره، وجه الفنان خالد بن حسين انتقادات شديدة لشركات الإنتاج الفني، لأنها لا تخدم الفنان ولا تحيطه بالرعاية والاهتمام، واصفاً وجودها في الساحة الغنائية بأنه نوع من «البرستيج» ليس إلا، مضيفاً «أن الواقع ينفي وجود شركات إنتاج خليجية خاصة، لأن حقوق الملكية فيها غير مفعلة»، (وفقاً لكلامه).
بن حسين واصل قائلاً: «قد يستغرب البعض استمرار الكثير من المطربين في الساحة الغنائية، بالرغم من عدم حصولهم على مردود مادي، إلى جانب عدم وجود شركات إنتاج تتبناهم، في حين يتساءل البعض الآخر عن إمكانية إنتاج الفنان لأعماله من حسابه الخاص، وتصويره وتوزيعه لتلك الأعمال على القنوات التلفزيونية أو المحطات الإذاعية والمواقع الإعلامية من دون مقابل!»، مجيباً بقوله: «لأن الغاية من وراء ذلك هي المشاركة في الحفلات والمهرجانات التي قد تعوض الفنان بعضاً من تكاليف الإنتاج والتوزيع وغيرها».
وتابع بن حسين «أن غالبية الفنانين لديهم قنوات خاصة على موقع يوتيوب والكثيرون منهم يحصلون على مردود مادي جيد، نظير ما يعرضونه في هذه القنوات من أعمال مرئية وسمعية»، مكملاً: «الفنان الذكي هو الذي يتمكن من رسم أغنياته بحرفية عالية، لناحية الكلمات والألحان، فضلاً عن تصويرها بأسلوب السهل الممتنع، ومن الذكاء أيضاً أنه كلما زاد عدد الحفلات للفنان يزيد من إنتاجه للأغاني المنفردة، إضافة إلى التواصل مع موقع يوتيوب أولاً بأول لضمان استمراريته في الوسط الفني».
في هذا السياق، حمّل الملحن ضاري المسيليم المواقع الإلكترونية، خصوصاً موقع «يوتيوب» مسؤولية تراجع المبيعات من الألبومات الغنائية، وذلك لسرعة انتشارها في الموقع السالف ذكره، على عكس ما كانت عليه الحال قبل ظهور «السوشيال ميديا».
وزاد المسيليم: «لاحظنا في الآونة الأخيرة أن أي مطرب يقوم بطرح ألبومه الغنائي في الأسواق يجده بعد ساعة واحدة في المواقع الإلكترونية، الأمر الذي يكبد المطرب أو منتج الألبوم خسائر مالية فادحة، لأنه في تلك الحالة سوف تتراجع نسبة مبيعاته إلى حد كبير»، مشدداً على «أهمية طرح الأغاني المنفردة (السنغل) بين حين وآخر، كذلك لا بد من وجود قناة خاصة لكل فنان على المواقع الإعلامية، لكي تحظى أعماله بالمتابعة وليحصل في المقابل على مردود مادي يساعده في إنتاج أغنياته».
ولفت المسيليم إلى «أن ارتفاع نسب المشاهدة والاستماع في يوتيوب لا يعبّر بالضرورة عن مستوى الأغنية، فهناك الكثير من الأعمال الجيدة التي لم تلق نسباً عالية من عدد مرات الاستماع، بالرغم من قيمتها ومضمونها، والعكس صحيح أيضاً».
أما الدكتور الأكاديمي حمد الهباد، فلديه رأي آخر حول ما يدور في الوسط الغنائي، إذ يقول: «إن الأغنية الكويتية في الوقت الحالي فقدت الكثير من مقوماتها، على عكس ما كانت عليه الحال في فترة السبعينات والثمانينات، لاسيما أن وزارة الإعلام وقتذاك كان لديها لجنتان، واحدة لاختبار النصوص الغنائية وأخرى لتقييم الألحان، وذلك لكيلا تنحرف الأغنية عن مسارها». واستدرك قائلاً: «لكن بعد ذلك لم تعد هناك لجنة، بل أصبح التخبط سيد الموقف، بعدما كانت هناك قيم وأسس لصناعة العمل الغنائي بغية ظهوره في أبهى صورة، وهذه الأسس وضعها عدد من المهتمين من بينهم أحمد باقر وغيره»، مؤكداً «أن الأغنية في ذلك الوقت لم تكن تخرج إلى العلن إلا بعد (فلترتها)، أما موقع يوتيوب فإنه أداة انتشار حرة، تحمل الصالح والطالح، حتى أضحى كل من هب ودب يضع ما يريده في قناته الخاصة»، ولافتاً إلى أهمية الالتفات لهذه المسألة الشائكة.
وتطرق الهباد في سياق حديثه إلى أهمية الألبوم الغنائي بالنسبة إلى الفنان قديماً، قبل أن يفقد هيمنته ومكانته حالياً، مكملاً: «لا شك أنه لا يزال هناك عدد من الشباب المنتج، الذي يحب فنه ويعمل على طرح ألبوماته بين حين وآخر، في حين يواصل البعض الآخر طرح أغنياته السنغل، وبين هذا وذاك لا بد من وجود رقابة أدبية و(كونترول) على ما يقدمه الفنانون من أغانٍ»، ومفسراً: «لأننا نرفض الإسفاف في بعض المفردات والأغاني، وهو ما تجلى في الآونة الأخيرة إلى حد وجود بعض الكلمات النابية، فضلاً عن فقدان الثقافة في الأغنية، وهي بالتأكيد أهم بكثير من الأرباح والماديات».
في الإطار ذاته، تحدث الشاعر القدير سامي العلي قائلاً: «أؤيد أن يقدم الفنانون أغانيهم عبر يوتيوب، حيث إن لكل زمان مستجدات، فمثلا فترة الثمانينات تميزت بوجود الكاسيت، وكانت الأغاني تطرح من خلاله، وتلاه (السي دي)، واليوم ووسط المجريات السريعة أصبح الهاتف النقال في يد الكل، ومن هنا يمكن للإنسان في وقت الفراغ أو في السيارة أو في المطار أو أي مكان آخر وضع يوتيوب وسماع الجديد»، ومواصلاً: «لذا أجدها ظاهرة تبرز مطربينا، خصوصاً أن هناك من لا ينتمون إلى شركات الإنتاج ويلجأون إلى الإنترنت، وأضيف هناك ظاهرة أخرى للعديد، صفحات في المواقع الإلكترونية يعرضون الجديد، وهنا يعتبر تسويقاً، وترويجاً مشروعاً، وهناك نسبة لا بد أن يقدمها يوتيوب نتاج أرباح ونسبة مما يقدمه المطرب في موقعهم، ولتسد المصاريف والتكاليف التي دفعها المطرب لإنتاج الأغاني».
العلي أكمل: «أيضاً الكثير من الفنانين يقيمون الحفلات العامة من باب الترويج للجديد الفني، وأنا معهم في ذلك». وعن أهمية الألبوم سابقاً، وتحديداً في الثمانينات، قال: «كان مهماً، أما الآن فتلاشى الكاسيت، وكذلك نوعاً ما (السي دي) والاعتماد على صفحات الأغاني في وسط المواقع المختلفة الفنية، وهذا من طبع المجريات الجديدة».
أما أحمد الحاتي، وهو مهندس موسيقى وصوت، وقدم مجموعة من الأعمال مع الفنانين نبيل شعيل وبشار الشطي وغيرهما الكثير، فقد لاحظ هذه الظاهرة... وقد عرض رأيه في الموضوع بقوله: «بسبب الإنتاج الخاص يلجأ الفنان إلى يوتيوب، والأكثر أنه يعتمد على إنتاج خاص ليقدم فنه، وما دام ذلك يحتاج إلى مصاريف وتكلفة، لذا فإن يوتيوب يفيد الفنان»، مضيفاً: «كذلك يطمح يوتيوب إلى الوصول لرقم معين من نسبة المشاهدات والمتابعات، ويأخذونه من هذا المنطلق... ويستفيدون من المغني والأغنية، وهناك استفادة من الناحيتين سواء كانت مادية أو كطريق إلى الشهرة، وأهمية الألبوم من بعد ذلك انتهت... وانتهت معه سوق الكاسيت و(السي دي) الذي صار ضعيفاً جداً، وشركات الإنتاج الكبيرة اعتمدت على (السنغل) لمطربيها أو ألبوم مصغر، ويدعمون فنانيهم الكبار»، مواصلاً: «إن هذا يساهم في منظور آخر لهم، وهو تقديم أغانٍ جديدة (سنغل) للحفلات التي يقيمونها كذلك، ويتم الطلب عليهم... والأرباح تعتمد على المادة المقدمة، إذا نجحت هناك مردود، وإن فشلت ولم تنجح تبحث عن البديل».
ومن زاويته، أوضح الموزع ربيع الصيداوي: «أعتبر هذه الظاهرة ظلماً لمن هم مع المطرب في الأغنية وتركيبها، إذ إن التوزيع والصوت لا يكون في جودة عالية حين يتم وضعه مباشرة في المواقع الإعلامية المختلفة، وهذا يظلمني كموزع أتعب وأسهر لأجل عملي، وغالباً أكون وزملائي مظلومين حتى في الحق الأدبي، حين لا تُذكر أسماؤنا عند اسم الشاعر والمطرب والملحن، ولا أحبذ هذا الأمر، وأن يلجأ لذلك أن يغني ويضع عمله في(يوتيوب)... ليس هدفي مادياً بحتاً، بل معنوياً بالدرجة الأولى».
من ناحيته، رأى المطرب الشعبي حبيب الدويلة «ان الفنانين الذين يلجأون إلى يوتيوب لبث أغانيهم، يفعلون ذلك لإثبات وتوثيق أغانيهم، وكذلك من وجهة نظري أن يوتيوب به انتشار سريع للأغنية وسط الجمهور، ما يصعد بمعدل الطلب على الفنان»، موضحاً «أن الاستفادة من يوتيوب شيء لا يُذكر، لأن التصوير والتسجيل للأغاني يتم على حساب الفنان الخاص. ففي السابق كانت شركات الإنتاج هي التي تنتج للفنان وتوثق أعماله الفنية»، ومشيراً إلى «أن الوضع اختلف عن السابق... فصار الآن لا كاسيت ولا محطات».
وأضاف الدويلة: «ان الانتشار أسرع من السابق وأسهل، بشرط أن يكون هناك حسن اختيار من المطرب من ناحية الكلمات واللحن، وهذه كلها توافيق من الله».
وبدوره، يرى الموزع الموسيقي عمار البني «أن اتجاه الفنانين إلى يوتيوب بسهولة فتح قناة خاصة من دون رقابة وأتاح سقفاً عالياً من الحرية المطلقة ومجالاً أوسع من أي قناة تلفزيونية، وكل هذا من دون أي تكاليف مادية»، مشيراً إلى الظاهرة الحالية المتمثلة في «أن تعرض أعمالك في قناتك ببلاش في أي وقت ومن أي مكان».
وأوضح البني «أن زمن الألبوم انتهى، وحالياً غالبية الفنانين يتطلعون إلى السنغل، أو playlist الذي يحل محل الألبوم»، مؤكداً «أن الفنانين يستفيدون من يوتيوب، لأن عدد مشاهديه أكثر بملايين من القنوات التلفزيونية، وإذا نجحت أو أصبحت (نجماً على اليوتيوب) فراح تكسب ملايين».
في بيروت، أكد الناقد جمال فياض لـ «الراي» أن «هناك شركات متخصصة وظيفتها رفْع نسب المشاهدة على يوتيوب، وهي تروّج لكليبات الفنان من خلال تأمين أعداد معينة من المشاهدات. وما يحصل أنه عندما يصل الرقم إلى مليون، فإن الناس يتشجعون على مشاهدة العمل، ظناً منهم أنه جيد، فتزداد نسبة المشاهدة بشكل تلقائي».
وعما إذا كانت تلك الأرقام مزيّفة، أجاب: «هي أشبه بالتسوية، نصفها حقيقي ونصفها الآخر مزيّف. وهي معتمدة من غالبية الفنانين من خلال تعاملهم مع شركات متخصصة. مثلاً عندما طرح سعد لمجرد أغنية (إنت معلّم)، فإنه تعامل مع شركة هندية متخصصة بالنت ويوتيوب، ودفع لها مئات الدولارات كي يروج للأغنية، ومن بعدها عندما بلغتْ أرقاماً عالية وضربت بمساندة هذه الشركة صارت تدرّ عليه الأموال من وراء نسب المشاهدة. سعد لمجرد كان مغموراً قبلها، وعندما طرح (إنت معلّم) دعمها مادياً من خلال تلك الشركة، وولّعها وصار الناس يتابعونها في مرحلة لاحقة وتحوّلت أغنية ضاربة».
وتابع: «غالبية الفنانين بمَن فيهم النجوم الكبار يتعاملون مع شركات معيّنة تؤمن لهم نسب مشاهدة عالية، بينما هناك آخرون لا يلجأون إلى هذه الطريقة، بل يطرحون الأغنية على يوتيوب من دون أن يعمدوا إلى شراء متابعين. ثمة فنانون يقبلون بنسب مشاهدة معينة وآخرون لا يقبلون إلا بـ 20 و30 مليون مشاهدة، وتتحوّل الأغنية إلى سلعة يحاول كل فنان الترويج لها على طريقته. ولكن مَن يؤمّن ملايين المشاهدات لا يعني أنه أكبر قيمة ممن يحقق مشاهدات أقلّ، وهذا لا يمثّل معياراً للنجاح. بدليل ان هناك فنانين يحققون 20 مليون مشاهدة على يوتيوب ولا يَحضر حفلاتهم عشرات الأشخاص».
وعن الهدف الذي يسعى إليه الفنانون من وراء شراء المتابعات، قال: «هم يحاولون التأكيد على أن لهم جمهوراً كبيراً يتابعهم ويتابع أعمالهم كي يُطلب إلى الحفلات والإعلانات والبرامج الفنية. المشاهدات العالية هي نوع من ترويج الفنان لنفسه. هناك فنانون يشاركون في افتتاح محلات في الخليج، مقابل آلاف الدولارات بناء على أن لهم جمهوراً ومتابعين على مواقع التواصل الاجتماعي. وهذا جزء من حملة الترويج الإعلانية وإن بشكل غير مباشر، لأن متابعي هذا الفنان أو ذاك بالملايين سيشاهدون الإعلان الخاص بالشركة أو بمحل المجوهرات».
وعما إذا كانت تسمية نجوم مزيّفين تصحّ على الفنانين الذين يشترون متابعين، قال فياض: «هو نوع من الدعاية الكاذبة. وهناك نوع من الفنانين ناجحون في السوشيال ميديا وفاشلون في الحفلات، والعكس صحيح أيضاً. مثلاً، وائل جسار ليس حاضراً بقوّة على السوشيال ميديا، ولكن حفلاته تؤمّن آلاف الحضور، وفي المقابل قد نجد فنانة لديها ملايين المتابعين على السوشيال ميديا ولا نشاهدها في حفل فني لأن الناس لا يحضرون حفلاتها».
وهل يرى أن نجاح نجوم السوشيال ميديا مؤقت؟ يردّ: «عالم الشوسيال ميديا افتراض ونجاحهم افتراض. كل هدفهم الكسب المادي وليس أكثر وأعتقد أن ظاهرة شراء المتابعين موقتة، ولا بد أن تنقرض مع الوقت».
المُنْتِج اللبناني ميشال الفتريادس تحدّث عن تجربته مع مسألة ملايين المشاهدات من خلال علاقته بالفنانين، وقال لـ «الراي»: «هذه الأرقام لا يمكن ترجمتها في المبيعات والحفلات، ومَن يحقق ملايين المشاهدات على يوتيوب لا يملأ بالضرورة ملاعب وصالات كبيرة. ولنفترض أن فتاة نشرت صورتها وعلّقت عليها (شاهدوني عارية)، فلا شك في أن الملايين سيشاهدونها، وهذا يعني أن العنوان هو الذي جلَبَ المتابعين، إضافة إلى أن هناك مَن يدخلون يوتيوب ويشاهدون الفيديو لمدة ثلاث ثوان فقط ثم يغادرونه، وهذا لا يعني أنه متابِع فعلي وأُعجب بالعمل».
وأضاف: «أحياناً يقصدني مغنون ويقولون لي إن هناك مئات الآلاف الذين يتابعونهم كي يروّجوا لأنفسهم. توجد طرق معيّنة لزيادة عدد المتابعين، ولا يكلّف الأمر سوى دفع القليل من المال لشراء متابعين، وهناك شركات تضمن للفنانين مشاهدين على يوتيوب، ولكن هذه المشاهدات المليونية ليست معياراً للنجاح والنجومية الحقيقية»، وتابع: «أرفض مسألة شراء المتابعين والمشاهدين ولا يمكن أن أعتمدها، ويكفي أن أكتب صباح الخير، ليردّ الآلاف».
وعما إذا كان عصر التواصل الإجتماعي أَفْسد الفن وساهم في صناعة نجوم مزيفين، أجاب: «هم ليسوا نجوماً، بل يعتقدون أنهم كذلك. نجم السوشيال ميديا (بيكون عايشها)، ولكن ثروته تشبه ثروة المونوبولي. وأعتبر أن الفنان ليس مضطراً لأن يكسب نجومية مزيفة. هي لن تُلحِق به الضرر، وكل ما في الأمر أنه إذا أحيا حفلاً لن يحضره سوى 10 اشخاص، ويدخل المتعهّد في الحيط».
وهل ينطبق هذا الأمر على النجوم الكبار وهل هؤلاء يشترون متابعين؟ قال: «هناك فنان يكون لديه متابعون كثر ويكون نجماً في الحقيقة، وفي المقابل يمكن أن يكون نجماً ولا يوجد لديه متابعون. مثلاً، ريهانا هي نجمة حقيقة ولديها ملايين المتابعين الحقيقيين، وفي المقابل في لبنان الفنان طوني حنا لا يوجد لديه متابعون ويحضر حفلاته الآلاف ومثله فيروز».
الفنان اللبناني وائل جسار أبدى رأيه في حقيقة أو زيف المشاهدات المليونية على «يوتيوب»، وقال لـ «الراي»: «لا أعرف إذا كانت هناك مبالغة في هذه الأرقام المليونية، ولكن بالنسبة إليّ أغنياتي وكليباتي تنتشر في شكل كبير وتنال حقها بشكل بطيء. فأنا مثلاً طرحتُ أغنية (وبتسأليني) على يوتيوب قبل 5 أشهر وحققتْ حتى اليوم 13 مليون مشاهدة حقيقية، وهذا رقم منطقي. ولكنني لا أقول إن الفنانين الآخرين أرقامهم غير منطقية، ولا يمكن أن أحكم على ملايين الآخرين، لأن هذا الأمر يعود إلى الناس وقناعاتهم. بالنسبة إليّ، 15 مليون رقم منطقي لأن الأغنية انتشرت في العالم العربي. ولو قارنا ما يحصل حالياً بما يجري في الغرب، أقول لو كان مايكل جاكسون لا يزال على قيد الحياة، فلن يحقق أرقام المشاهدات التي نسمع بها. يجب أن نكون منطقيين في كلامنا وفي ما نشاهده، والأرقام التي نسمع بها يصعب تصديقها».
وعن موقفه من ملايين مشاهدات الفنانين الصاعدين على «يوتيوب»، وألا يعتقد أن «كذبهم واضح»؟ أجاب: «مع احترامي لكل الفنانين الجدد، فإن تاريخ الفنانين يلعب دوراً في نسب المشاهدة لأغنياتهم. الفنانون الكبار لا يصلون بالمشاهدات إلى الأرقام التي يتحدث عنها الفنانون الجدد، وهذا الأمر يؤكد وجود حلقة مفقودة. ربما الناس أحبوا الأغنية وشاهدوها، ولكن ثمة شيء ما يقومون به لتحقيق بروباغندا. هناك أكثر من احتمال يدخل على الخط».
وهل يرى أنهم يشترون مشاهدات من شركات متخصصة؟ أجاب: «سمعتُ عن هذا الموضوع. ولكنني لم أتعامل في حياتي مع أي شركة من هذا النوع».
ورأى جسار أن مَن يشترون المشاهدات يسعون وراء الشهرة، ولكنهم لا يؤمّنون حضوراً في حفلاتهم، وأضاف: «المتعهد الذي يصدّق بياكل الضرب».
الفنانة اللبنانية فيفيان مراد رفضتْ ظاهرة شراء المتابعين وقالت لـ «الراي»: «طرحتُ أغنيتي الأخيرة قبل 10 أيام ولم تحقق حتى الآن سوى 9 آلاف مشاهدة لأنني لا أشتري مشاهدين ومتابعين وفانز. مَن يتابع صوري على إنستغرام، يجد أن بعضها عليه ما بين 1000 و1500 تعليق، بينما فنانة أخرى يكون لديها 6000 لايك على صورة وتعليق واحد، وهذا يؤكد شراء الفانز والمتابعين. إلى ذلك، يمكن أن نتبع كيف يزيد عدد المتابعين والمشاهدين على مواقع التواصل الإجتماعي، بمعدل غير واقعي يومياً بينما عدد المتابعين عندي 76 ألفاً وسعيدة بهم كثيراً لأنني أرفض مبدأ شراء الفانز والمتابعين والمشاهدين لأغنياتي المصوّرة».
وعما إذا كانت تصدّق نسبة المشاهدة المليونية عند بعض الفنانين؟ أجابت: «هي أرقام مزيّفة و(كلّو حكي فاضي)، وعبارة عن أموال تُدفع عبر (الكريديت كارد). والكل يعرف كيف يتم شراء المشاهدات».
وعن الفائدة التي يجنيها الفنان من خلال شراء المشاهدات المليونية، أوضحت «هو يتعامل مع المشاهدات العالية كنوعٍ من«البرستيج»وكمعيار لكونه فناناً محبوباً، والحقيقة عكس ذلك تماماً. بالنسبة إليّ،«البرستيج»هو مشاهدة التعليقات على صوري والمشاهدات الحقيقية التي تحققها كليباتي».
وأضافت: «هناك أعداد مشاهدات يمكن تصديقها وأخرى لا يمكن تصديقها أبداً حتى لو كانت تخصّ نجوماً كباراً. شراء المتابعين موضة ويلجأ اليها غالبية الفنانين، وهؤلاء يتم فضحهم عند انخفاض نسبة عدد المشاهدين فجأة، ما يضطرهم إلى شراء مشاهدات جديدة تعوّض عليهم ما خسروه».
الفنان يوري مرقدي اعتبر عبر «الراي» أن «شراء المشاهَدات أصبح معروفاً، ولا يمكن القول إن ملايين المشاهدات التي نسمع بها هي صحيحة. هي أرقام مبالَغ فيها ولا يمكن أن نعرف مَن يشتري ومَن لا يشتري مشاهداتٍ بوجود فكرة شراء المشاهَدات».
وأكد مرقدي أنه يرفض اعتماد هذه الموضة وأضاف: «هذا أمر مخجِل ومعيب لأنه مبنيّ على الكذب، ولستُ مضطراً لسلوك هذا الطريق، وأنا لم أعتمد الكذب في أي عمل فني قمتُ به. أنا أتيتُ من عالمٍ قبل أن يكون هناك شيء اسمه سوشيال ميديا. ولو أن أغنية (عربيّ أنا) على يوتيوب، لكانت حققتْ مشاهدات خيالية. النجاح لا يبنى على نسبة المشاهَدات العالية وهذه ليست المعيار الصحيح للنجاح والنجومية، بل الحفلات هي التي تتكلّم».
وعن السبب الذي يدفع حتى بالنجوم إلى شراء المشاهَدات، أوضح أن «السوشيال ميديا تحوّلت إلى هوس عند الفنانين، وصارت المنافسة حول مَن يحصد (لايكات) أكثر على الصور التي ينشرها. ومَن لا يحصد مشاهَدات و(لايكات) يشعر وكأنه غير موجود، وكأنه يبني حياته وفنّه عليها، وهذا أعتبره ضعف شخصية، لأنه يمكن فضحهم بسهولة. هم يبنون مملكة من ورق».
كما أكد أنه ليس بإمكان أي نجم مهما كان حجمه أن يحقق مليون مشاهدة في اليوم الواحد «هذا ما يقوله العقل والمنطق»، وأضاف: «هذا أمر مستحيل».
وتابع: «هناك مَن يشترون مشاهَدات و(لايكات)، كل شيء ممكن، ولكن السوشيال ميديا لا تصنع نجماً حقيقاً، بل نجماً رقمياً. هو عالَم افتراضي، والنجومية حينها تكون افتراضية. لطالما كانت المنافسة موجودة، واليوم تحوّلت في جانبٍ منها إلى سباق حول مَن يحصد ملايين مشاهدات أكثر، والبعض يعمدون في هذا السياق إلى شراء الأصوات والمتابعين والفانز، ولكن التمييز ليس صعباً بين النجومية الحقيقة والنجومية الافتراضية، علماً أنهم في الغرب يحاولون رفع دعاوى قضائية على الشركات التي تبيع مشاهَدات وفانز وهميين».
في هذا السياق أدلى نقيب الموسيقيين المصريين الأسبق المطرب إيمان البحر درويش برأيه قائلاً «إن الغناء في مصر يتعرض لأزمة كبيرة، يجب على الدولة التدخل لحلها، وإنقاذ ما تبقى من فننا وتراثنا الذي يُهجر يوماً بعد يوم، بسبب تسريب الأغاني وتوقف شركات الإنتاج عن تقديم ألبومات جديدة وأصوات جديدة للسوقين المصري والعربي، كما كانت تقوم مصر من قبل بشكل دائم»، مضيفاً: «يجب أيضاً أن تشارك الدولة في إنتاج عدد من الأغاني لمجموعة من مطربيها الكبار، لأن هؤلاء المطربين يمثلون مصر في المحافل الدولية، حيث كانت تقوم الإذاعة المصرية قديماً بإنتاج عدد من الأغاني لتقديمها في الحفلات أو في الإذاعة، وهذا ما نفتقده حالياً وهذا ما أضعف الغناء في مصر».
وزاد درويش: «لهذه الأسباب يلجأ النجوم إلى هذه المواقع، طلباً للشهرة والاستماع إليهم، وضماناً للحضور في الوسط الغنائي».
وفي هذا السياق، قال الملحن المصري حلمي بكر لـ «الراي»: «إن الوسط الغنائي يمر بأزمة كبيرة وتتفاقم يوماً بعد آخر، ويجب علينا أن نتصدى لها، حيث كان تحضير الألبومات الغنائية قديماً يقوم على اختيار الكلمات واللحن، ولكن بعد تطور الموسيقى وظهور الموسيقى الإلكترونية، تغير الأمر تماماً، وأصبح للموزع الموسيقي دور كبير في صنع أي عمل غنائي».
وأكمل بكر: «والآن وبعد الأزمات التي تواجه الساحة الغنائية بشكل عام، وعدم وجود شركات للإنتاج تقوم بالتسويق للألبومات، فأصبح طرح أغنية إلكترونياً من ضمن أغاني الألبوم هو الطريقة الجديدة للتسويق لهذا الألبوم»، متابعاً: «هذا الأمر يضاف إلى أن عدداً من الفنانين يضع كل تركيزه وإنتاجه في هذه الأغنية، حتى يضمن تحقيق النجاح الكبير وقت طرح ألبومه بالأسواق»، ومكملاً: «على المستوى الشخصي أتمنى أن يتبدل الأمر تماماً، حتى تعود قيمة الألبومات الغنائية، ولن نفرط في أعمالنا بهذا الشكل للترويج والتسويق».
وفي الاتجاه نفسه، اعتبر الملحن المصري حسن دنيا «أن الغناء في مصر والدول العربية يعاني منذ ظهور مواقع الإنترنت التي أصبحت تهدر مجهود كل العاملين في المجال الغنائي، وذلك بسبب تسريب الأغاني إليها من دون النظر إلى الضرر الواقع على منتج هذه الأغاني، ولهذا يبادر المطربون إلى طرح أي أغنية لتأكيد الحضور، واستباق عمليات التزييف»، مطالباً في تصريح لـ «الراي»، بوضع ضوابط تضمن للمنتج عودة حقوقه، ومكملاً: «لكننا لم نجد أي جديد، لذلك يقوم غالبية النجوم وشركات الإنتاج بطرح أغان منفردة على موقع يوتيوب وغيره من المواقع لتحقيق نجاح لهم، ولضمان حضورهم في الأسواق، وهذا ما يقوم به غالبية النجوم حالياً لضمان حقوقهم ونجاح أغانيهم».
أما الفنان نادر أنور الشهير بـ «أبو الليف»، فقال «إن السبب في الأزمة التي تتعرض لها السوق الغنائية منذ سنوات طويلة، وعدم طرح ألبومات بشكل دوري، كما كان يحدث من قبل، هو عدم وجود جهات إنتاج كما كان في الثمانينات والتسعينات»، مضيفاً لـ «الراي»: «اضطر عدد كبير من المطربين في طرح الأغاني الخاصة به بهذه الطريقة الإلكترونية لضمان نجاح كل أغنية من أغانيه، حيث إن تكلفة الأغنية الواحدة تتخطى حاجر 100 ألف جنيه، ما بين الكلمات والتلحين والتوزيع والتسجيل».
وقال: «أعتقد أيضاً أنه في ظل هذه الظروف وعصر السرعة الذي يعيشه الكثيرون أصبحت الأغنية الواحدة التي تطرح كل شهرين أفضل بكثير من طرح ألبوم كامل، وذلك لضمان نجاحها وتسويقها بشكل جيد».