مع تواجد السوشيال ميديا، وانتشرها الكبير والسريع بين جميع الفئات، انتشرت كثير من الظواهر السيئة، خاصة فيما يخص الكتابة والإبداع، وكانت من بين تلك المظاهر هى السرقات الشعرية، والتى رغم وجودها منذ عهود قديمة لكنها أصبحت أكثر انتشار وفجاجة بين رود تلك المواقع.
التقرير يرصد آراء عدد من الشعراء تلك الظاهرة:
فقال الشاعر الكبير إبراهيم داوود، إن السرقات الشعرية، موجودة فى كل بلاد العالم وليست مصر فقط، وأنها عبر الزمان كانت هناك العديد من ظواهر السرقة.
وأكد إبراهيم داوود، فى تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"، أن الشاعر الحقيقى لا يسرق، لأنه أمام براح وخيال إبداعى كبير، يستلهم منه شعره، مشيرا إلى أنه من الممكن أن يقتبس الشاعر جزءا من قصيدة لينسبها إلى صاحبها كما يفعل العديد باقتباس كلمات لمحمود درويش.
ولفت صاحب ديوان "انفجارات إضافية" إلى أن هناك قديما ما عرف بالمعارضة الشعرية أو ما تسمى بـ"المحاكاة" وهى قانوينة ولعل أبرزها المحاكاة بين الشاعر الكبير أحمد شوقى، والإمام البوصيرى، إذ قال الأخير فى قصيدته نهج البوردة " ريم على القاع بين البان والعلم/ احل سفك دمي في الأشهر الحرم" فما رد عليه شوقى "أمن تذكر جيران بذي سلم/ مزجت دمعا جرى من مقلة بدم".
وأشار "إبراهيم" إلى أن السبيل للحد من تلك الظاهرة، هو اللجوء للقضاء، مثلما فعل الشاعر عبد الستار سليم فى قضيته التى رفعها على الشاعر هشام الجخ، وربما يكون الضغط والفضح وسيلة آخرى.
بينما قال الكاتب والشاعر أشرف البولاقى السرقات الشعرية باب طويل في الثقافات كلها وليس في الثقافة العربية وحدها، وهو باب لا يمكن القضاء عليه وإن كان يمكن الحد منه بالكشف والمصارحة والملاحقة أيضا، ربما نغفر للناشئ الصغير المبتدئ، لكنها جريمة عند الكبار والمحققين، وما أكثر ما سقطنا على سرقات أدبية وإبداعية في واقعنا العربي والمصري، ولا شك أن الميديا ومواقع التواصل الاجتماعي ساعدت على انتشارها بسبب صعوبة متابعة كل ما ينشر، والفيس بوك ينضح كمثال بكثير من الشواهد والممارسات.
ويوضح "البولاقى" أنه من أظرف المواقف أن شابا صغيرا أنشد يوما قصيدة له، فلما انتهى قام هو بإنشادها له، فكان من الشاب أن أعرب عن إعجابه بأن الشعراء الكبار يحفظون ما يلقى أمامهم من أول مرة. لافتا "لم يفطن أبدا أن ما أنشدني إياه هو قصيدتي"
وأكد "البولاقى" إنه لم يفلت شاعر عربي من تهمة السرقة أو السطو، المتنبي، وشوقي، ونزار، وأحمد بخيت وغيرهم كثير، مشيرا إلى أن لا حل لمواجهة السرقات الأدبية إلا المواجهات والفضح، مع أهمية تربية الضمير الإبداعي على الصدق، وضرورة الوعي بأن يحرص المبدع أن يكون نفسه، لا أحد غيره.
من جانبه قال الشاعر والقاص أسامة جاد، أنه لم ينشغل كثيرا بقضية "السرقة" الأدبية، وحدودها الفارقة عن الاقتباس أو التناص أو التأثير والتأثر أو حتى التوافق العرضي.
وأضاف "جاد" فى تصريحات خاصة لـ" اليوم السابع"، أنه قديما سمع نصا من شاعر عامية صديق، كان اسمه حميدو سعد، قال: الزمن ده مش زماني/ والمكان ده مش مكاني/ واللي سماني باسمي/ كان بيقصد حد تاني"، وبعدها علم بنص لشاعر جنوبي، يدعى جمال الطاهر، كتب: الزمان ده مش زماني، والمكان ده مش مكاني، واللي كان هيكون أنا، مش أنا، ده حد تاني، لكنه أكد قائلا: "كنا على ثقة من أن أحد الشاعرين لم يعرف الثاني، وبالتالي فقد كان التشابه غاية في الدهشة".
وأوضح "جاد" أن ورود 14 سطرًا شعرياً وبنفس الترتيب كان يعد سرقة أدبية، هذا على مستوى التفعيلة والعمود، غير أن الأمر يختلف كثيرا لو نظر للأمر من واقع قصيدة النثر التي تشكل دفقة شعرية لها روح، ليس المعول الأول عليه فيها فخامة اللفظ أو رصانة التعبير أو الإفراط في الأدائية بقدر ما هو الجوهر العام للنص، وطبيعة المفارقة المركزية فيه على حد تعبيره.
وتابع "جاد": "هنا أن تكتب نصوصا كثيرة على تنويعة فنية قام عليها بناء أحد النصوص دون أن تجد تشابهات لفظية أو بنى تركيبية دالة على "المسروق منه"، غير أن المعول عليه في القضية بأكملها هو الوعي الشعري الذي يتجلى في نص لأحدهم ويختفي في نصوص، هنا تجد القارئ الذكي يتوقف أمام الأمر بعين حذرة، غير أن اتساع آفق القراءة الشعرية مع ثورة التقنية جعل من المستحيل حصر وإثبات السرقات الفعلية إلا فيما ندر، على حد تعبيره.
ولفت "أسامة جاد" إلى أنه منذ يومين قرأت نصا لصديق فيسبوكي، ونفس النص في حساب فيسبوكي آخر. حرفا ولفظا. غير أن القضية كانت أن النص ذاته فاقد لجوهر الشعرية كما أتصورها، هو ليس سوى خاطرة رومانتيكية تناسب مراهقات الكتابة الأولى، لا يفيض بدهشة ولا يحتفي برؤية.
ويوضح صاحب ديوان "الجميلة سوف تأتى" أنه ورد أن أبو نواس قرر سرقة معنى، استخدمه شاعر في بيت شعري، ورأى "أبو نواس" أن أداءه لنفس المعنى سيكون شعريا أكثر، وأنه أخبر الشاعر (المسروق منه بذلك، في تحد صريح)، وأن معنى أبي نواس ذاع وبقي بينما لم يعد كثيرون يعرفون بالقصة ولا باسم الشاعر المسروق منه ولا بيته الأول.
وأتم، إن المعنى أن مقولة الجاحظ الأولى أكثر خلودا: المعاني مطروحة، وما يعول عليه هو "الأسلوب". ولكن الأمر لا يقف عند حدود نص واحد، وإنما تعرف الأسلوب بدراسة الشاعر نفسه في أكثر من نص وفي أكثر من وعي.
أما الشاعر محمد القلينى قال، إن السرقات الشعرية منذ القديم، حتى أن المتنبى نفسه اتهم بسرقة العديد من قصائده من آخرين.
وأضاف "القلينى" إن السرقة منتشرة الآن بطريقة عنيفة، موضحا إنه لا يقلق ممن يأخد القصيدة كما هى، لأنه ليس شاعرا، لكن الخوف ممن يأخد روح النص لإعادة صياغته وإعادة إنتاجه بطريقته، ومن الممكن أن يكون أفضل من النص الأصلى خاصة لو أن من فعل ذلك شاعر جيد، موضحا أن هولاء يطلق عليهم الشاعر الإسفنجة التى يستقى شعره من شعر الآخرين ويعيد تدويره لأن خياله الإبداعى ضعيف على حد تعبيره.
وأتم صاحب ديوان " أركُضُ طاويًا العالمَ تحت إبطى" أنه لا يعتقد أن سرقات الشعر سوف تنتهى، أو أنه يوجد حل للحد منها قائلا "ستستمر طالما استمرت الكتابة".