يوم عرفة:
إنّ يوم عرفة هو من أعظم أيام السنة عند المسلمين على الإطلاق؛ حيث خُصَّ ذلك اليوم بالكثير من الفضائل حتى زاد فضله عن سائر الأيام في السنة مهما بلغت تلك الأيام من الفضل والبركة، ويوم عرفة هو من أيام شهر ذي الحجة الذي هو من أشهر الحج، ويوافق اليوم التاسع منه.
وفي هذا اليوم يؤدّي حجاج بيت الله الحرام أحد أهم مناسك الحج، وهو الوقوف بعرفة، فيقفون فيه على جبل عرفات، وكان ذلك سبب الأفضلية لهذا اليوم؛ حيثُ يُستحبّ للمسلم في يوم عرفة خصوصاً وعشر ذي الحجة عموما أن يُكثر من الأعمال الصالحة؛ ليدرك فضل تلك الأيام وليُضاعف له في الأجر.
فما هو فضل عرفة؟ وكيف يدرك المسلم ويبلغ ذلك الفضل؟
فضل يوم عرفة فضل صيام يوم عرفة أجمع العلماء على أن صيام يوم عرفة أفضل الصيام في الأيام جميعها بعد صيام رمضان؛ لما رُوي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنّه قال: (... صيامُ يومِ عرفةَ، أَحتسبُ على اللهِ أن يُكفِّرَ السنةَ التي قبلَه والسنةَ التي بعده ...).
فصيام يوم عرفة رفعة في درجات العباد عند الله سبحانه وتعالى، وبابٌ لتكثير حسناتهم، وتكفير سيّئاتهم، وقد ثبت في الحديث السابق أنّ صيامه يُكفِّر ذنوب سنة قبله وذنوب سنةٍ بعده، ويُقصد بذلك تكفير الصغائر من الأعمال السيئة دون الكبائر من الذنوب، وذلك التكفير مشروطٌ بترك الكبائر.
قال تعالى: (إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا).صوم يوم عرفة للحاج لا ينبغي للحاج في يوم عرفة الصيام، بل عليه أن يتفرّغ لعبادة الله بسائر الأعمال غير الصيام كالدعاء والذكر وقراءة القرآن، فعن ابن عباس رضي الله عنه قال: (نَهى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن صومِ يومِ عرَفَةَ بعرَفَةَ).
وعن لبابة بنت الحارث رضي الله عنها قالت: (أنهُم شَكُّوا في صَوْم النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يومَ عَرَفَة، فبُعِثَ إليهِ بقَدحٍ مِن لَبنٍ فَشَرِبَهُ)، فحتى يتيقّن الناس من صيام النبي أو إفطاره أثناء وقوفه بعرفة بعثوا له قدحاً من اللبن فشربه؛ مما يشير إلى أنّ الأولى للحاج عدم الانشغال بصيام يوم عرفة عن باقي العبادات حتى يبقى جسده قوياً على الطاعة.
وقد ذهب بعض العلماء إلى أكثر من ذلك فقالوا أنّ صيام يوم عرفة محرّمٌ على الحاج؛ بناءً على النهي الوارد في الحديث الأول إذ يدلُّ ذلك على التحريم، وكَرِهَ آخرون صيام يوم عرفة للحاج، وقد استحبَّ أبو حنيفة ومالك والشافعي وسفيان الثوري وجمهورٌ من الصحابة للحاج الإفطار في يوم عرفة.
المقصود بيوم عرفة :
سبب تسمية عرفات ويوم عرفة بذلك اختلف العلماء في سبب تسمية جبل عرفات بذلك، وفي السبب الذي لأجله سُمّي يوم عرفة بهذا الاسم، وبيان أقوالهم فيما يلي: يرى الضحّاك أنّ سبب تسمية عرفات وعرفة بذلك: أنّ آدم -عليه السلام- عندما نزل من السماء إلى الأرض بأمر الله كان نزوله في الهند.
بينما أُهبِطت حواء بجدّة، فبدأ آدم بالبحث عن حواء، كما أنّها هي بدأت بطلبه والبحث عنه؛ فالتقيا بعرفات يوم عرفة وهناك تعارفا فسُمّي ذلك اليوم بيوم عرفة وسُمّي الموضع باسم عرفات. روي عن السّدي أنه يقول: إنّ سبب تسمية عرفات بذلك هو أنّ هاجر حملت بسيدنا إسماعيل -عليه السّلام- فأخرجته من عند سارة.
وفي تلك الفترة كان إبراهيم -عليه السلام- غائباً، فلمّا حضر لم ير إسماعيل فأخبرته سارة بما فعلت هاجر، فانطلق سيدنا إبراهيم يبحث عن إسماعيل وأمه هاجر، فوجدهما بعرفات، فَعَرِف إسماعيل هناك فسُمّي بعرفات. رُوي أنّ عطاء يرى أنَّ سبب تسمية عرفات بذلك هو أنّ جبريل عليه السّلام كان يُري سيدنا إبراهيم مناسك الحج ويقول له: عرفت؟ ثمّ يريه مناسكاً أخرى ويقول له: عرفت؟ فلذلك سُمّيت عرفات.
عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: (بعث الله عزّ وجلّ جبرئيل إلى إبراهيم فحج به حتّى إذا جاء عرفات قال: قد عرفت، وكان قد أتاها مرة قبل ذلك فسُمّيت عرفات). عن ابن عبّاس -رضي الله عنه- قال: إنّما سُمّي يوم عرفة بذلك لأنّ جبريل عليه السّلام عرَّف فيه إبراهيم عليه السلام على بقاع مكّة ومشاهدها، وكان يقول له: (يا إبراهيم هذا موضع كذا وهذا موضع كذا ويقول قد عرفت، قد عرفت).
عن السّدي قال: (لما أذن إبراهيم بالناس فأجابوه بالتلبية وأتاه من أتاه أمره الله أن يخرج إلى عرفات فنعتها له فلمّا خرج وبلغ الشجرة المستقبلة للشيطان فرماه بسبع حصيات يكبّر مع كلّ حصاة فطار فوقع على الجمرة الثانية فرماه وكبّر فطار فوقع على الجمرة الثالثة فرماه وكبّر فلما رأى إنه لا يطيقه ذهب، فانطلق إبراهيم حتّى وقف بعرفات، فلما نظر إليها عرفها بالنعت فقال: عرفت)، فلأجل ذلك سُمّيت عرفات.
أما يوم عرفة فسبب تسميته أنّ إبراهيم عليه السلام رأى ليلة التروية التي تسبقه في المنام أنّه يذبح ابنه إسماعيل عليه السلام، فلما أصبح يومه فكَّر هل هذا المنام من الله أم من الشيطان؟ فسُمّي اليوم من فكرته بيوم التروية، ثمّ في ليلة عرفة رأى نفس ما رآه في ليلة التروية، فلما أصبح عرف أن ذلك أمرٌ من الله سبحانه وتعالى، فسُمّي ذلك اليوم بيوم عرفة.
قال آخرون: سُمّي يوم عرفة وعرفات بذلك لأنّ الناس فيهما يعترفون بالذنوب؛ حيثُ إنّ آدم عليه السّلام عندما نسي ما أمره الله به وهو في الجنة، ثم أُهبط إلى الأرض، وأُمِر بالحجّ، وقف بعرفات يوم عرفة ثم قال: (رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ).
وقيل: بل إنّ تسميتهما مأخوذة من العرف؛ وذلك لقول الله سبحانه وتعالى: (وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَها لَهُمْ)؛ أي طيّبها وحسَّنها لهم. مكانة يوم عرفة من الحج يُعتبر الوقوف بعرفة من أهمِّ أركان الحج التي نصَّ الفقهاء على اشتراط الإتيان بها لصحة الحج، بل إنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قد اعتبر الوقوف بعرفة هو الحج.
فقد ثبت عن عبد الرحمن بن يعمر أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (الحجُّ عرفةُ ، فمن أدرك ليلةَ عرفةَ قبل طلوعِ الفجرِ من ليلةِ جُمَعٍ فقد تمَّ حجُّه)، فمن أدرك من يوم عرفة ولو بضعه جاز حجه، ومن فاته وقفة عرفة ولو أتى بجميع مناسك الحج لم يُقبل منه ذلك ولا حتى بمقابل الهدي أو غيره.
أمّا وقت بداية يوم عرفة ففي ذلك رأيان؛ الأول: أنّه يبتدئ من زوال شمس يوم التاسع من ذي الحجة وينتهي بطُلوع فجر أول أيام عيد الأضحى الذي هو يوم النّحر، أمّا الرأي الثاني: فهو أنّ بداية يوم عرفة تكون عند طلوع فجر التاسع من ذي الحجة، وينتهي وقته بطُلوع فجر يوم النحر الذي هو يوم عيد الأضحى.