تاريخ كبير يحمله النجم القدير يوسف شعبان على كتفيه، تاريخ يتجاوز نصف قرن من العطاء فى دنيا الفن والشهرة والنجومية، إذ عمل فى السينما والمسرح والتلفزيون مع جيل القمم الذى كان واحدا منهم، ووقف أمام فاتن حمامة، شادية، عبد الحليم حافظ، فريد شوقى، رشدى أباظة، عماد حمدى، نادية لطفى، سعاد حسنى، وأبدع فى تقديم تجارب مهمة مازالت فى ذاكرة الجمهور العربى.
ورغم هذا المشوار الطويل الذى بدأه يوسف شعبان بداية الستينات ومنحه عمره ووقته وأعصابه، فإنه اختار له نهاية قد لا تتشابه مع طموحه وحلمه، حيث قرر اعتزال الفن والتمثيل نهائيا وبلا رجعة، قرر الاعتزال بعد إنتاجات بلغ عددها 260 عملاً متنوعًا بين السينما والمسرح والتليفزيون والإذاعة، وهى محطات بارزة فى تاريخ الفنان الكبير صنعت نجوميته منها "زقاق المدق" و"معبودة الجماهير" و"بكيزة وزغلول" و"هدى ومعالى الوزير" و"ميرامار" و"نص ساعة جواز" و"للرجال فقط" و"الرصاصة لا تزال فى جيبى" و"حارة برجوان"، وفى الدراما قدم الفنان مسلسلات مهمة منها "الشهد والدموع" و"رأفت الهجان" و"المال والبنون" و"الوتد" و"أميرة فى عابدين" و"السيرة الهلالية" و"ضمير أبلة حكمت" و"عائلة الدوغرى" و"العائلة والناس"، و"مصر الجديدة" و"الحقيقة والسراب" و"ضحا وإبن عجلان" و"عنترة".
يوسف شعبان راض تماما عن تاريخه الفنى، ويفتخر بإشادات كثير من نقاد عصره بفنه وأدائه سواء فى السينما أو الدراما، وكذلك يتفاخر بما قاله عنه الأديب العالمى الكبير نجيب محفوظ عقب تقديمه فيلم "ميرامار" إذ وصفه الأديب قائلا :"يوسف شعبان استطاع أن يعكس لى شخصية سرحان البحيرى"، وكما رضى عن تاريخه راض أيضا عن قرار اعتزاله الفنى بعد هذه الرحلة الطويلة، حيث يقول لـ "اليوم السابع" إنه اعتزل الفن نهائيا بلا رجعة، بعد أن أصبحنا بلا ثقافة ولا أدب ولا أخلاق ولا حتى فن، وتساءل :"أين الفن"؟.. "أين وجه مصرنا الحضارى ودورها التنويرى والثقافى"؟.. ويجيب على أسئلته :"احنا معندناش فن ولا أخلاق، بعض الفنانين انقسموا نصفين أحدهم "يقلع هدومه" ليتقاضون الآف الدولارات والآخر يعملون فتوات"، ويعلق نادمًا :"هذا ما آل إليه الفن المصرى، بدل ما يعلموا الناس الأخلاق أصبحوا يعلموهم الفوضى والبوظان" يصمت ثم يقول :"نعانى من انفلات رهيب لا حضارة ولا ثقافة ولا فن، ولا يستطيع فنان حقيقى أن ينكر ما وصلنا له الآن من انحدار كبير".
ويرى يوسف شعبان، أنه لا يوجد حاليا فى الوسط الفنى أو العملية الإنتاجية من يضع البلد نصب عينيه، ويؤكد :"الفن قائد والمفترض أن يوجه الناس ناحية الأجمل والأفضل، لكن للأسف العملية الفنية تديرها ناس يقللون من دور البلد الثقافى والحضارى، ولا ينظرون سوى لمصالحهم الشخصية، التى تعمل ضد البلد وأيضا ضد توجيهات السيد رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي الذى طالبهم بإنتاج أعمال جيدة تهدف للتنوير أسوة بما كانت تلعبه السينما فى العهود الماضية، عندما كانت هى رائدة الصناعات فى مصر، وأداة التسويق الثقافى للبلد وتساهم فى تعزيز دور مصر وحضورها الإقليمى والعربى".
ويوّضح يوسف شعبان أن اعتزاله الفن، ليس "حركة" منه أقبل عليها، لكى تطلبه شركات الإنتاج للعمل فى الدراما أو السينما، أو لكى يحقق شهرة، قائلا :"أنا اعتزلت ربما المسئول عن الثقافة والفن يفيق من غفوته، وأنا لست ممن يبحثون عن دور فى مسلسل أو فيلم"، ويضيف :"بقالى 50 سنة فى الشغلانة ومارستها بكل أشكالها تمثيل سينما ومسرح ودراما، ووقفت أمام عمالقة فى كل المجالات، والفن بتاع اليومين دول لا يناسبنى ومش شبهى، ولا أجرى وراءه، وأرشيفى يغنينى عن اللهاث خلف الفوضى الفنية".
ويصف الفنان الكبير الفن هذه الأيام بقوله :"الفن بقى شبه صفحات الحوادث معندناش أدباء ولا كتاب يعملوا موضوعات زى الناس، أين ريادتنا السينمائية، للأسف ذهبت بلا عودة ومن المستحيل أن تعود إذا استمر الوضع على هذا الحال، بل سننهار أكثر"، مؤكدا أنه مرتاح الضمير بعد قرار الاعتزال قائلا :"مستريح الضمير والبال بعد قرار اعتزالى، ولن أعدل عن هذا القرار فقد اتخذته وأنا مستريح نفسيا"، ويضيف :"عشت أزهى مراحل العملية الفنية، عندما كانت البلاد العربية تتسابق لكى تأخذ أفلامنا، ومسلسلاتنا ليعرضوها على شاشتهم، لكن أين فننا الآن؟، يعلّق :"الفن للأسف لم الأشكال اللى بنشوفها دى أشكال ملهاش كبير، وميعرفوش معنى الفن وقيمته، الفنان لازم يرشد الناس للصح والطريق المضبوط لكن هؤلاء يهدمون البلد".
وأبدى يوسف شعبان حزنه على ما آل إليه المسرح أيضا، حيث يقول :"المهرجان القومى للمسرح أشبه بالمهرجانات التى كانت تقام فى شارع محمد على، الشغلانة اللى الناس قبلينا تعبوا فيها حتى أطلق عليها هوليود الشرق، بيهدموا فيها".
واختتم الفنان الكبير حديثه مع "اليوم السابع" قائلا :"انجازاتى ليست على مستوى الفن فقط، فعندما كنت نقيبا للممثلين ساهمت فى العديد من الإنجازات التى تستمر على المدى البعيد، منها إنشاء نادى نقابة المهن التمثيلية بالبحر الأعظم، ورفع أجر زملائى من الممثلين الكبار، لذلك راض عن نفسى وعن حياتى المهنية والفنية".