منذ بدء الخليقة، عُرف المصرى بتدينه الفطرى الشديد، إلى حد التطرّف، ومن يرى التنظيمات والجماعات الإرهابية والمتشددة الملتحفة بالإسلام، اسما وشكلا فقط، يدرك أن المصرى وعبر العصور المختلفة، يرتكن للدين كركيزة كبيرة فى حياته، ولكن يأتى بتصرفات تتصادم مع قيم هذا التدين!!
 
وبالعودة بالذاكرة إلى بداية عصر الأسرات الفرعونية منذ أكثر من 5 آلاف و600 سنة، تكتشف مدى تطرف وجبروت الكهنة، وسيطرتهم ونفوذهم الكبير على كل المقدرات، واستمرت الحالة حتى مع ظهور الرسالات السماوية، سواء فى عهد سيدنا يوسف، وسيدنا موسى، وما تعرضا له من جبروت الكهنة، أو عند دخول المسيحية مصر، وتشدد كنيسة الإسكندرية، وأصبحت أكثر تطرفا من نظيرتها الغربية، بمراحل.
 
ومع دخول الإسلام، ظهرت طوائف وجماعات وتنظيمات متشددة ومتطرفة، أبرزها جماعة الإخوان الإرهابية التى ولدت من حمل سفاح عام 1928، وأظهرت تطرفا لم يسطره التاريخ فى أى عصر من عصوره المختلفة والممتدة بعمق تاريخ الانسانية، وآثاره السيئة والكارثية على الشعب المصرى ممتدة حتى كتابة هذه السطور.
 
ثم ولدت من رحم جماعة الإخوان الإرهابية كل التنظيمات والحركات المتطرفة، وعلى رأسها تنظيم القاعدة وداعش وجبهة النصرة، وغيرها من التنظيمات التى شوهت وجه الإسلام الرائع كدين التسامح والرحمة والوسطية والاعتدال، ونبذ العنف، وتكريم الانسان كبنيان الله فى أرضه.
 
وتجلى التدين المصرى الفطرى، خلال الأشهر الماضية، عندما تبنت الأجهزة الرقابية استراتيجية محاربة الفساد، وتطهير المؤسسات، حيث تكشفت قضايا كانت صادمة للشارع، من رشاوى واغتصاب أراضى الدولة وممتلكات الغير بالقوة والبلطجة، والمتورطون فيها شخصيات متعددة، من الوزير للخفير.
 
ولا ننسى القضية الشهيرة التى كان بطلها وزير، مازال محبوسا، حيث كانت الرشوة عبارة عن «16 تأشيرة حج» لزيارة الأراضى المقدسة، وتأدية فريضة تعد أحد أركان الإسلام الخمس.
 
واقعة الرشوة لتأدية فريضة الحج شارحة  وتتحدث عن نفسها بنفسها دون الحاجة إلى كبار المحللين والمفسرين، أننا نعانى من الانفصام الشديد فى الشخصية، للدرجة أن نرتكب خطايا وذنوبا كبيرة مثل تلقى الرشاوى، لنؤدى بها فريضة سماوية، وهى زيارة الأماكن المقدسة، دون الوضع فى الاعتبار إننا سنقف بين يدى الله، وتمسك أيدينا بشباك قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فماذا سنقول، أمام الله ورسوله، وما هى المبررات التى نحملها فى جعبتنا؟!
 
أيضا، نحن شعب متدين بالفطرة، ومع ذلك الإحصاءات الدولية بالأمم المتحدة، كشفت عن ارتفاع نسبة الطلاق فى مصر، بما دفعها لاحتلال المرتبة الأولى عالميا بمعدل فاق 170 ألف حالة فى 2015 على سبيل المثال، مع العلم أن الطلاق أبغض الحلال عند الله!!
 
هذه الإحصائية تكشف واقعا مريرا، ما بين انتشار التطرّف الدينى، وصعود التيارات والجماعات والتنظيمات إلى رأس السلطة فى العام الأسود 2012 وحتى 30 يونيو 2013 التى دشنت فيه مئات الفتاوى الغريبة والعجيبة قائمة فقط على تدشين التطرّف، واستباحة ما هو محرم، وتحريم ما هو مستباح دينيا، بجانب الفتاوى المتعلقة بالنصف الأسفل من جسد الإنسان، وهو ما نجم عنه الزيادة الكبيرة فى معدلات الرشاوى واغتصاب الممتلكات والرشاوى المقننة.
 
وفى ظل معاناة المصريين من غول الفساد وانتشار الرشوة، والمطالب اليومية بضرورة المواجهة، ما دفع الدولة بأجهزتها المعنية إلى إعلان الحرب، على الفساد، رغم مخاطر هذه الحرب، بعد تغول وتضخم واستقرار المفسدين، إلا أننا فوجئنا بحفلات البكائيات التى يقيمها جماعات المصالح والابتزاز السياسى، وأن الدولة متجبرة، ولا تراعى حالة البسطاء المغتصبين للأرض والممتلكات، وكأن الجميع أمام القانون ليس سواء؟!
 
القانون يطبق على ناس، وناس لأ، ففى الوقت الذى نطالب فيه بنزع ملكية الأغنياء، يرفض فيه جماعات المصالح والانتهاز السياسى وأدعياء الثورية، إعادة أراضى الدولة المغتصبة فى جزيرة الوراق، لا لشىء، سوى أن المغتصبين للأراضى فى الجزيرة ينتمون لجماعة الإخوان الإرهابية!!
 
وأكاد أجزم أن هذه الأراضى لو كان المستحوذ عليها أعضاء من الحزب الوطنى المنحل، أو من المواطنين الشرفاء، حتى ولو بالقانون، كانت جماعات المصالح والابتزاز السياسى وأدعياء الثورية المزيفة والمخربة، ودواسات تويتر وفيس بوك، أقاموا الدنيا ولم يقعدوها، وطالبوا الدولة بنزعها نزعا من هؤلاء المغتصبين الفاشيين والقبض عليهم وإيداعهم السجون دون هوادة!! 
 
أما وأن الأمر يتعلق باغتصاب جماعة الإخوان الإرهابية للأرض، وارتكابهم لكل الموبقات القانونية بالتعدى على الشرطة، وإدخال قنوات معادية للوطن لتبث الأحداث على الهواء مباشرة وعلى رأسها قناة الجزيرة، فالأمر هنا مختلف، فيهب حمدين صباحى من مقعده واقفا مدافعا عن المغتصبين الإخوان، ويهرع خالد على، مدافعا ومحاميا للمتطرفين وأرباب السوابق، وتجد أدعياء الثورية المتآمرين ينصبون حلقات وحفلات الندب والصراخ لاستثمار الحدث وتوظيفه سياسيا، ولا يهم إعادة ممتلكات الدولة أو مواجهة الفساد!!
 
المعايير مختلة، والمفاهيم مشوهة، وسياسة الكيل بعدة مكاييل هى المسيطرة والمستأثرة للمشهد العام، ونمط الحياة فى مصر، ومن قبل هذا وذاك سيطرة المصالح الشخصية على كل نهج أدعياء الثورية وحقوق الإنسان!
ولَك الله يا مصر...!!!