مالت الشمس عن كبد السماء، ولاح قرصها من بعيد يعلن المغيب، كاد الليل يبسط سواده، لكن القدر المحتوم كان يتربص به فى قاعة الانتظار باكتشاف الأهالى أمراً بشعاً عندما أخرجوا جوالاً مُلقى فى مصرف مائى بشبرا الخيمة، بداخله جثة امرأة عجوز، يثقله عدد كبير من الأحجار، ويحمل معه قصة مملوءة الألغاز.

فى وصفها، وعندما تقترب منها، تراها كأنها من الهزال رسم مخطط لامرأة، يختبئ وراءها آلام السنين وتعبر عما يجيش بداخلها، تلك العجوز كانت ذات جسد نحيل هزيل، ووجه حفرته التجاعيد، ثوبها كأنها جسم قطع وركمت أعضاؤها بعضها على بعض، وسجيت بثوب، ورمى رأسها من فوقها فمال على خدها، بعد أن تهشمت فروته، أما بشرتها شديدة الزرقة، ووجهها ملطخ بالبقع السوداء والزرقاء من أثر الكدمات، وبجلد يديها آثار تآكل من مياه المصرف.

فهى جريمة قتل بشعة، مسرحها منزل عتيق، يقبع فى إحدي المناطق الشعبية، الشروخ تضرب أركانه وجدرانه من الداخل كليًا، وبطلتها سيدة عجوز، عمرها يتحسس خطواته الأولى فى عقدها الثامن لم يبق من عائلتها سواها، تعيش بمفردها بين أربعة حوائط، ولم يكن هناك شىء يقطع سكون منزلها سوى صدى أنينها كان عويلها كوطأة، وكل الأشياء حولها تبدو ساكنة كأنها جثمان ذاك الشقاء الذى تعيش فيه.

نهاية العجوز، يثير حولها الأسرار، لسيدة تبحث عمّن يؤنسها فيتوالى فى الرأس العديد من التساؤلات سيل عارم من الأفكار والأسئلة التى تحلّق بى فى سماء الخيال، وتجىء مرقّصة على حبل الاحتمالات تتأرجح حولها الأسباب التى وصلت بهذه الشمطاء إلى تلك النهاية المأساوية.

العجوز رأت أن المصير التقليدى لحياة ما بعد الستين، ما هو إلا حياة فارغة بلا إثارة، بلا أحلام، فقررت أن تولد من جديد، أن تسخر من الزمان وتعبث بمداراته فى نفس اللحظة التى يدعوها هو فيها لتسكن الهامش، لكى تنعم بهدوء مشرف وتنتظر النهاية بضمير راض.

ورفضت الحياة على الهامش لتقبل التحدى، إلى أن تقابل الحب وليس الحب العادى الذى يجعل الحياة فى مرحلتها العمرية ممكنة، ولكن الحب الذى قابلته بطلتنا حب من نوع آخر يتدفق نوراً وناراً وجنوناً مراهقاً ينعش ذكريات الصبا ويجدد خلق الوجود ويطليه بألوان البهجة أنها ممارسة الرذيلة مقابل الأموال.

حيث أوقعت العجوز عامل النظافة، ذلك الشاب الذى يصغرها بأكثر من خمسين عاماً، والذى كان يتردد عليها يومياً بطبيعة مهنته، فبالرغم من تحفظها وإدراكها، إلا أنها كانت ترى أن بتورطها فى علاقة كهذه إنما تتلاعب بالمنطق وبالزمان، وأن حلاوة الشباب التى مست قلبها وأرعشت جسدها لا تترك مكانا لعقل يحسب ويفكر.

اجتاحت جسدها العجوز شهوة متأخرة ومراهقة الشيخوخة ورغبة محرمة، فدفعتها إلى استمالة الزبال لممارسة الجنس معها، فقد طمعت فى فحولته وعنفوانه وقوته ونسجت بخيالها قصص وحكايات النوم فى العسل مع «عامل النظافة» أغرته بالأموال تارة لفقرة الشديد، وعزفت على أوتار مراهقته الوليدة تارة أخرى إلى أن نجحت فى اصطحابه ومواقعته فى شقتها عدة مرات حتى صار لقاء الاثنين عادة شبه يومية.

وتقبل المغامرة وتنصاع لهوى اللحظة الذى يحلو معه مذاق كل شىء، حتى الزيف، ويتجدد اللقاء يستغرقهما الجنس المفرط، جسدها الذى لا يشبع يؤكد لها كل يوم أن نهايتها لن تأتى على بالها قط.

استمر اللقاء حتى وصلت الأحداث واللقاءات إلى ذروتها، ويفصح الزمان عن وجهه الحقيقى فى مشهد قصتنا الأخير، عن قوانينه القاسية التى لا تتبدل، ليقتاد أبطالها إلى مصيرهم المحتوم.

فى يوم ارتكاب الواقعة، حانت اللحظة المنتظرة الزبال يصل فى موعده المعتاد، مسرح الأحداث ساكناً، ليجتمع الاثنان سوياً ينهلان من رحيق وبحور الرغبة، ولكن تأتى الرياح غالبا بما لا تشتهى السفن، فإذا بـ«عطيات» ترفض ممارسة الرذيلة معه بحجة أنها قضت وقتاً كافياً معه، وأنها لا تريد أن تراه مجدداً.

فأسقط كلاهما الأقنعة التى ارتادها طوعاً لإخفاء النوايا، فهى حاولت إيقاعه لكى تشبع رغبتها، وهو كان يستغلها مقابل أن يحصل منها على كثيرا من الأموال، حدثت مشادة بينهما ومشاجرة، وفى رأس الزبال أنه لا خطوط حمراء تمنعه من إتيان أى فعل يبدل تلك الحالة المادية المتعثرة التى يعيش فيها، ودفعه طمعه فى المزيد من المال، سلطا أنظاره على «العجوزة الشمطاء» فعقد العزم على إزهاق روحها ليستولى على أموالها، وانهال بقطعة من الحجر على رأسها، لتلقى حتفها على الفور غارقة فى دمائها، بعد أن أقر المتهم أن هى تلك النهاية التى تستحقها بسبب حماقتها، فبعد أن تأكد من مقتلها صار يبحث عن المال يميناً ويساراً فلم يجد معها إلا خمسة وسبعين جنيهاً، استولى عليها.

بعد أن أطلق العنان لتفكيره ليتخلص من الجثة وضعها فى جوال ووضع بداخله كمية من الحجارة لإثقال وزنه وألقاه بمصرف القطاوى، ويتم العثور على جثة العجوز ويلقى القبض على الزبال وتكون نهاية الاثنين والسؤال من الجانى، ومن المجنى عليه، ومن القاتل، ومن المقتول بعد وضع عامل القمامة فى السجن ينتظر مصيره المحتوم