هدوء لا يعني الاستسلام، والصبر لمن يدرك هو دليل قوة لا ضعف، لكن إثيوبيا لا تدرك ذلك، تتعامل على أنها الدولة الأعظم في حوض النيل، ساعدها في ذلك بعض الدول التي تدور في فلكها، كما عزز لديها هذا الاعتقاد أنها تملك منابع نهر النيل.
تلك الرؤية التي استولت على رئيس وزراء إثيوبيا الراحل «زيمبابوي» يبدو أنها تلبست رئيس الوزراء الحالي «ديسالين» فأصبح لا يبالي بأي تصريحات، ولا يدرك أن للقاهرة أنيابا يمكن أن تكشر عنها في أي وقت إن لزم الأمر.
ويبدو أن ذلك الوقت قد حان، وإذا كان تصريحات وزير الخارجية التحذيرية لأديس أبابا قد ظهرت الأسبوع الماضي حين التقى سامح شكري مع نظيره الإثيوبي في أديس أبابا، فإن سوابقها تشير إلى أن يوليو 2017 يجب أن يكون حاسما في هذا الملف الشائك.
كواليس ما أدى إلى الإنذار المصري على لسان سامح شكري وهو يبلغ نظيره الإثيوبي أن القاهرة هي المتضرر الرئيسي من بناء السد وأن الالتزام بإعلان المبادئ بات ضرورة، حصلت "فيتو" عليها من مصدر داخل اللجنة الفنية لسد النهضة وخبير بالشأن الماضي.
«عنتيبي» كلمة السر في تغير موقف القاهرة أو بالأدق اطمئنانها إلى التصعيد لإجبار أديس أبابا على الالتزام بكافة بنود إعلان المبادئ، فيوضح المصدر أن زيارة الرئيس السيسي لأوغندا كانت الأنجح منذ الإعلان عن اتفاقية عنتيبي التي تنص على إعادة توزيع مياه نهر النيل بغض النظر عن أي حق تاريخي للقاهرة.
الاتفاقية، رفضها الرئيس السيسي كما رفضها من قبله الدكتور محمد عبدالعاطي، وزير الري، لكن بجانب هذا الرفض فإن مفاوضات عودة مصر لمبادرة حوض النيل كانت إيجابية، ولم يبق سوى وقت قصير، وسيتم الإعلان عن تلك العودة رسميًا.
الدكتور نادر نور الدين، خبير المياه الدولي، يرى أن فك قرار الرئيس الأسبق بتعليق مشاركة القاهرة في مبادرة حوض النيل سيعني الكثير لتلك الدول، فمصر بجانب منحها المالية فهي تملك الخبرات البشرية الكبيرة التي تمكنها من إنجاز الكثير من المشروعات في تلك الدولة.
المكانة الإقليمية لمصر تعطي للمبادرة زخمها، يكمل «نور الدين»، الذي أوضح أن هناك بعض الدول التي ربطت موقفها بموقف القاهرة مثل «إريتريا والكونغو الديمقراطية» وبالتالي فإن أي معادلة تستطيع مصر أن تجعلها مشلولة طالما كانت ضد مصالحها.
نعود للمصدر ذاته الذي كشف أن موقف القاهرة الإيجابي من اتفاقية «عنتيبي» كان مقابله الضغط على إثيوبيا للالتزام بإعلان المبادئ واستئناف المفاوضات لحين انتهاء الدراسات الفنية بعدها يتم الاتفاق على سنوات ملء الخزان، وهي شروط تم وضعها في إعلان المبادئ الذي تم توقيعه بين الرئيس السيسي ونظيريه السوداني والأثيوبي في الخرطوم 2015.
هذا الاتفاق يبدو أنه أصبح حبرا على ورق، بعد أن كشفت وسائل إعلام إثيوبية مقربة من الحكومة في أديس أبابا أنها تنتوى بدء ملء الخزان خلال الأسابيع المقبلة، وذلك بالتزامن مع بدء موسم الفيضان، إذ إن زيادة المياه في النهر في هذا التوقيت تمكن إثيوبيا من بدء تشغيل توربينات السد.
والمقصود ببدء التخزين ليس تخزين الـ 74 مليار متر مكعب حجم خزان سد النهضة ولكن تخزين جزئي لتشغيل توربينات السد، كما حدث خلال العام الماضي حين خزنت إثيوبيا جزءا من المياه للتشغيل التجريبي لتوربينات السد.
تلك الأخبار التي باتت إعلانا رسميا بأن إثيوبيا لن تهتم بأي اتفاقية أو إعلان تم التوقيع عليه، تزامن مع تصريحات لمسئولين أثيوبيين أن سنوات ملء الخزان ستكون 3 سنوات بدلًا من 7 سنوات وهي المدة التي تريدها القاهرة.
وبدأ هذا الخلاف منذ ما يقرب من شهرين حين أوضح مسئولون أثيوبيون أنهم يريدون ملء خزان السد في سنة واحدة وهو ما عدته القاهرة كارثة لا يمكن تقبلها، ورغم أن الخلاف كان سريًا إلا أن وسائل إعلام أوغندية كشفت الأمر ولم تنف القاهرة أو أديس أبابا هذا الخبر.
وتحاول القاهرة إطالة مدة ملء خزان السد لعدم التسبب في أي أضرار كبيرة على الحصة المائية المصرية والمقدرة بـ55 مليار متر مكعب سنويًا، إلا أن إعلان مسئولين أثيوبيين هذا رسميًا أدى إلى تصاعد وتيرة الغضب بين البلدين، ساعد في ذلك موقف السودان «السلبي» من هذا الملف أو ما اعتبره خبراء تأييدا ضمنيا لإثيوبيا.
أمام تلك الصورة لم يعد هناك مفر أمام القاهرة سوى الإعلان الرسمي لأول مرة أنها لن تسمح بأي ضرر يلحق بها في هذا الملف الذي يعد الأهم في الوقت الحالي، بجانب بيان رسمي من وزارة الخارجية يحمل لهجة تحذيرية من أن عدم الالتزام بإعلان المبادئ ستكون له العواقب الوخيمة على أديس أبابا.
الضوء الأخضر لهذا الهجوم دفع البرلمان أيضًا إلى تحذير إثيوبيا، من خلال لجنة الشئون الأفريقية بمجلس النواب، التي أوضحت، في بيان رسمي، أن ملف سد النهضة لا يقبل الهزل أو التسويف، مؤكدين أن القاهرة لن تقف مكتوفي الأيدي أمام أي ضرر قد يمسها.
مراقبون اعتبروا أن التحذير المصري ليس إلا بداية يمكن أن تعقبها العديد من الخطوات، خاصة في ظل علاقات مصر القوية مع دول عربية مثل السعودية والإمارات يمكن الضغط على إثيوبيا للالتزام بكافة البنود التي تم التوافق عليها، بجانب صلة القاهرة بدول أفريقية قد تلعب دورًا في المستقبل، مؤكدين أن ما يحدث تصحيح مسار لعامين من المفاوضات الفنية.