العلم واليقين والقبولُ والانقياد والصدق والإخلاص والمحبة
إن خير الكلمات وأعظمها وأنفعها وأجلّها كلمة التوحيد "لا إله إلا الله"، فهي العروة الوثقى وهي كلمة التقوى، وهي أعظم أركان الدين وأهم شعب الإيمان، وهي سبيل الفوز بالجنة والنجاة من النار، لأجلها خلق الله الخلق وأنزل الكتب وأرسل الرسل، وهي كلمة الشهادة ومفتاح دار السعادة، وهي أصل الدين وأساسه ورأس أمره {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلاّ هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلاّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} آل عمران 18. والنصوص الواردة في فضلها وأهميتها وعظم شأنها كثيرة جداً في الكتاب والسنة، وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وفضائل هذه الكلمة وحقائقها وموقعها من الدين فوق ما يصفه الواصفون ويعرفه العارفون وهي رأس الأمر كله". وكلمة "لا إله إلا الله" لا تُقبل من قائلها ولا ينتفع بها إلا إذا أدى حقها، وفرضها واستوفى شروطها الواردة في الكتاب والسنة، وهي شروط سبعة مهمة يجب على كل مسلم تعلمها والعمل بها، فليس المراد منها عد ألفاظها وحفظها فقط، فكم من عامّي اجتمعت فيه والتزمها ولو قيل له أُعددها لم يحسن ذلك، وكم من حافظ لألفاظها يجري فيها كالسهم وتراه يقع كثيراً فيما يناقضها، فالمطلوب إذاً العلم والعمل معاً لتكون من أهل "لا إله إلا الله" صدقا ومن أهل كلمة التوحيد حقاً، والتوفيق بيد الله وحده. وقال وهب بن منبه لمن سأله: أليس مفتاح الجنة "لا إله إلا الله"؟ قال: (بلى، ولكن ما من مفتاح إلا له أسنان، فإن أتيت بمفتاح له أسنان فُتح لك، وإلا لم يُفتح لك)، يشير بالأسنان إلى شروط "لا إله إلا الله" الواجب التزامها على كل مكلف، وشروط "لا إله إلا الله" سبعة وهي:
شروط لا إله إلا الله
1- العلم بمعناها: المراد منها نفياً وإثباتاً، وذلك بأن تنفي جميع أنواع العبادة عن كل من سوى الله وتثبت ذلك لله وحده، كما في قوله تعالى {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} أي نعبدك وحدك ولا نعبد غيرك، ونستعين بك ولا نستعين بغيرك، فلابد لقائل "لا إله إلا الله" من العلم بمعناها، قال تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلاّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} محمد 19.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ مَاتَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلاّ اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ).
2- اليقين المنافي للشك والريب: ومعناه أن يكون موقناً بهذه الكلمة يقيناً جازماً لا شك فيه ولا ريب كما قال تعالى في وصف المؤمنين: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} الحجرات 15. ومعنى {لَمْ يَرْتَابُوا} أي أيقنوا ولم يشُكُّوا. وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاّ اللهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ، لَا يَلْقَى اللهَ بِهِمَا عَبْدٌ غَيْرَ شَاكٍّ فِيهِمَا إِلاّ دَخَلَ الْجَنَّةَ).
3- الإخلاص المنافي للشرك والرياء: وذلك بتصفية العمل من جميع شوائب الشرك الظاهرة والخفية، وذلك بإخلاص النية في جميع العبادات لله وحده، قال تعالى: {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} الزمر 3، وقال {وَمَا أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} البينة 5، وفي الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ القِيَامَةِ، مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاّ اللَّهُ، خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ).
4- الصدق المنافي للكذب: وذلك بأن يقول هذه الكلمة صادقاً من قلبه يواطئ قلبه لسانه، وقال تعالى: {الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} العنكبوت 1-3. وفي الصحيحين عن معاذ بن جبل رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم (مَا مِنْ أَحَدٍ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، صِدْقًا مِنْ قَلْبِهِ، إِلاّ حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ).
5- المحبة المنافية للبغض والكره: وذلك بأن يحب قائلها الله ورسوله ودين الإسلام والمسلمين القائمين بأوامر الله الواقفين عند حدوده، وأن يبغض من خالف "لا إله إلا الله"، وأتى بما يناقضها من شرك أو كفر أو يناقض كمالها من بدع ومعاصي، عملاً بقوله صلى الله عليه وسلم (أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله). ومما يدل على اشتراط المحبة في الإيمان قوله تعالى : {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} البقرة 165.
 6- الانقياد المنافي للترك: فلابد لقائل "لا إله إلا الله" أن ينقاد لشرع الله ويذعن لحكمه ويسلم وجهه لله قال تعالى {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ} الزمر 54، وقال تعالى {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ} النساء 125 ومعنى {أَسْلِمُوا} و{أَسْلَمَ} في الآيتين أي: انقاد وأذعن.
7- القبول المنافي للرد: فلابد من قبول هذه الكلمة قبولاً حقاً بالقلب واللسان، وقد قصَّ الله في القرآن الكريم علينا أنباء من قد سبق ممن أنجاهم الله لقبولهم لـ"لا إله إلا الله"، وانتقامه وإهلاكه لمن ردها ولم يقبلها، قال تعالى: {ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ} يونس 103.  هذا، والله المرجو أن يوفقنا جميعاً لتحقيق كلمة التوحيد "لا إله إلا الله" قولاً وعملاً واعتقاداً، وهو الموفق وحده والهادي إلى سواء السبيل.