حيلة ذكية تآمرت بها الفنانة نيللي كريم مع شركة الإنتاج الوليدة «بيرث مارك» للترويج لفيلمها قبل عرضه، بطريقة غير تقليدية بل ومثيرة للجدل، حين تركت المتابعين عبر «السوشيال ميديا» في حيرة من أمرهم بعد إنشاء حساب على موقع «فيسبوك»، بعنوان «بشتري راجل»، وأعلنوا خلاله عن سيدة ترغب في الإنجاب وتبحث عن رجل يتمم لها الصفقة بمقابل مادي وفق شروطها الخاصة، وذلك تزامنا مع انتشار موجة «السينغل ماذر» في مصر وانقسام الآراء حولها باعتبارها احد أهم التابوهات الدينية والاجتماعية في البلدان العربية.
لم تكن الحيلة الدعائية هي السبب الوحيد في تفسير الإقبال الكثيف على دور العرض لمشاهدة الفيلم في سينما «سينسكيب» بالكويت حتى أسبوعه الأخير، بالإضافة لتكتم صناع العمل أي تفاصيل خاصة بالعمل وقت تصويره بعكس ما يشاع في الأوساط الفنية من تسريبات أو نميمة في بعض الأحيان.
رغم أن ثيمة الفيلم قد تبدو ومنذ الوهلة الأولى «محروقة» إلا أن ذكاء صناعه حال دون الوقوع في فخ التكرار والملل، فيبدأ أول المشاهد بحركة كاميرا «تيلت داون» لتهبط من العالم الافتراضي وتقتنص قصة من أرض الواقع بطلتها الحصان الأسود نيللي كريم «شمس» موظفة البنك الفاتنة المقبلة على مشارف الأربعين بكل ما يحمله العمر من نضوج وتمرد وكبرياء، والتي فضلت البقاء عزباء ناجحة وقوية على الانخراط في دوامة الزواج الفاشل والحياة الروتينية، وتظهر بصورة عدوانية وقاسية وكأنها تؤكد الصورة النمطية المنتشرة في المجتمع بأن الاكتفاء الذاتي للمرأة ونجاحها يفقدها أنوثتها، وكحال كثيرات غيرها، تقاوم رفض أسرتها المتمثلة في الأم الارستقراطية «ليلى عز العرب» إضرابها عن الزواج وخوفها من وسم المجتمع لها بلقب «عانس»، وخالها «لطفي لبيب» الذي يضطر لمجاراتها والاشتراك معها في بعض الأحيان، فلا تأبه لهم حتى يدق ناقوس الخطر مع أول فحص نسائي ينذر بالخوف من فوات أوانها وحرمانها من الأمومة.
السهل الممتنع
تلمع في ذهن «شمس» فكرة إنشاء صفحة على «الفيسبوك» تعقد من خلالها صفقة مع رجل يساعدها في اجراء «التلقيح الصناعي» بمقابل مادي بشرط اجتياز اختبارات اللياقة الطبية، يتقدم المئات لإبرام الصفقة، ويقع الاختيار على البطل الثاني محمد ممدوح، ممثل السهل الممتنع، وكان التحدي الأكثر جرأة في الفيلم باختيار بطل لا يصنف من فئة «جانات السينما» لكن ممدوح أكثرهم صدقا وإقناعا بموهبته السلسة، حيث قدم شخصية «بهجت» الطبيب البيطري صاحب الجسم الضخم والوجه الممتلئ الذي يعكس براءة طفولية وخطوطا رسمها الزمن، ليسطر ما حل به من عثرات وأزمات تمر قطعا على شخصية رجل مبعثر الأهداف والخطط متعثر ماديا ومهدد بسلب أملاكه ان لم يقم بالسداد، وهو النقيض تماما لشخصية «شمس».
اختلف بطلا الفيلم في كل شيء وجمعتهما «زينة الدنيا»، لقاءات متكررة أبرما خلالها الصفقة، كما بررتها نيللي كريم لصديقتها مذيعة الإذاعة دنيا ماهر (مأذون، طفل، مأذون) وهي وسيلة احتالت بها على تقاليد المجتمع المتحفظ لإتمام «زواج صوري» الغرض منه إجراء التلقيح الصناعي، يتجاوز العقبات الدينية والاجتماعية والأحكام المسبقة حوله باعتباره عيبا وحراما، يحقق لها رغبتها بالإنجاب ويرضي جميع الأطراف.
تتوالى أحداث «بشتري راجل» ذي الطابع الرومانسي الكوميدي، وتتسارع الوتيرة في السياق المتوقع بشكل دراماتيكي وتتباطأ الحدة في بعض المشاهد التي لا تخلو من الصدمات، لكنه انتهى بشكل محبب لدى الجمهور عندما انقلبت الأحداث لقصة حب طبيعية ورومانسية بسيطة لم ترهق أحدا، حين أحب البطلان بعضهما وأنجبا الأطفال على الطريقة التقليدية، وربما يكون النجاح الذي لاقاه الفيلم لم يقس بحجم إيراداته فقط، بل أيضا بمدى نجاحه النقدي والجماهيري.
الورقة الرابحة
لا نستطيع إغفال ذكاء المخرج محمد علي وقدرته على ضبط إيقاع الممثلين وإعادة اكتشافهم فجعل من الأبطال نجوما بحق على الشاشة فهو يعلم جيدا «من أين تؤكل الكتف»، وتوافقت رؤيته مع الكاتبة الشابة إيناس لطفي التي تتحسس خطاها بمبالغة شديدة لم تخل من العفوية والتلقائية، وأنتجته دينا حرب في أولى تجاربها السينمائية الموفقة، كما أن الأفلام الرومانسية الكوميدية هي المفضلة في السينما الأجنبية وكثيرا ما اجتهد صناع السينما المصرية في تقليدها لكن محاولاتهم نادرا ما كانت تلقى النجاح إما لاختيار قصة مستهلكة أو لسوء اختيار الممثلين أو إقحام الكوميديا المفتعلة، ولكل هذه الأسباب فإن تحية صناع فيلم «بشتري راجل» واجبة لتجاوزهم كل هذه العقبات، بل وأيضا طرح «تابوهات» كانت إلى وقت قريب محظورة لم يتجرأ أحد على مساسها، قدموها بحرفية متناهية حد البساطة، وهو ما يمكن اعتباره متسقا مع جميع ما تم ذكره سلفا «الورقة الرابحة».