يُدهش مؤدي المواويل الشعبية في جنوبي مصر، «جميل ميخائيل»، سامعيه، بمدح رسول الإسلام محمد «صلعم»، إذ لم تقف ديانته المسيحية حائلا بينه وبين التغني بانشغاله بحب الرسول، أو أن يُطلق عليه لقب إسلامي وهو «الشيخ».
يعبر جميل «54 عاما» عن حبه لخاتم الأنبياء بمقطوعة شعبية بالعامية المصرية فيقول: «حب الرسول هو اللي «الذي» شغلني.. علشان «من أجل» الغالي أنا أسعي وأغني». وهو أمر عرف به جميل منذ انطلاقته في حفلات شعبية عام 1977.
والموال الشعبي لمدح النبي محمد يكون عبارة عن مقطوعات شعرية مسجوعة مغناة بالعامية، ويؤديها منشد مسلم في أغلب الأحيان.
* البدايات هواية ومزاج
في عمر 17 عاما كان يمارس عمله كسائق لجرار حرث زراعي في بلدته بمحافظة أسيوط «جنوبي مصر»، ووسط العمال يغنى بين وقت وآخر مقطوعات غنائية شعبية، وكذلك ليلا مع الأصحاب، فكان الغناء «مزاجا وهواية وبداية للفت الأنظار إليه».
التحول في حياة جميل جاء حين طلبه صديق ليغني في حفل زفافه بإحدى قرى المحافظة، فكانت البداية لاتخاذ المداح جميل هذا الطريق مصدرا للرزق والإنفاق على أسرته، رغم أنه يجهل القراءة والكتابة حتى الآن، كما يقول.
في هذا الفرح تقاضى جميل عن غنائه الشعبي جنيهين ونصف الجنيه وقتها، و25 قرشا كهدية من أحد الضيوف، «وهو مبلغ زهيد في ذلك الحين ولا يكاد الآن يساوي سدس دولار أمريكي»، ورغم أنه لم يدخر مالا كثيرا من مهنته المثيرة للدهشة أحيانا، إلا أنها أكسبته «حب ومعرفة الناس»، هكذا يضيف.
* مدح لا لوم عليه
مدح النبي محمد رسول الإسلام كان مطلبا يأتي كثيرا لفرقة جميل، التي بدأت بثلاثة أفراد، ثم صارت تضم 11 شخصا، بينهم مسلمون ومسيحيون، يستخدمون آلات موسيقية بسيطة، مثل المزمار.
وعندما يذهب مسلمون إلى حج بيت الله الحرام وزيارة قبر النبي محمد، يردد جميل من مواويله: «ودّيني «إذهب بي» يا دليل ودّيني، على النبي أنا أشوفه «أراه» بعيني، وأقوله سلامات «أهلا» يا حبيبي أنا خاطري «مرادي» أزورك، وأخش جوه «أدخل» المقام وأشوف «أرى» أنا نورك».
وكثيرا ما يردد أثناء غنائه هذه المقطوعة عبارة أخرى، وهي: «مدحت النبي ولا تلوم عليَّ».
ولا يجد جميل، كما يقول، أزمة في مدح النبي، فهو متمسك بديانته وبيته البسيط يمتلىء بصور لمعتقده ويمدح أيضا السيد المسيح والسيدة مريم، عليهما السلام، ويحيي احتفالات مسيحية بأغان منها: “يا عذراء يا أم المسيح» و«يا راهب الدير».
* حب محمد وعيسي واحد
«أنا أحب محمدا وعيسي، وأنا على مزاج الحاضرين في الاحتفال، فإذا أتي إلى مسيحي وطلب مني موالا عن سيدنا عيسى، أُلبي طلبه، والعكس، وأحيانا أمدح النبي محمد في أفراح المسيحيين، وأجد ترحابا كبيرا بعد اندهاش»، كما يقول جميل.
وعن علاقته بفناني الموال الشعبي في مصر، يقول إن «علاقته جيدة بكثيرين من مداحي الرسول ويستمع إلى كثيرين، منهم الشيخ ياسين التهامي، مستدركا: «لكنى لم أتغن بقصائد أي منهم أو أتبعهم في طريقة، فجميع ما أنشده هو ملكي وكثير منه ارتجال مني».
وفي هذا الصدد، يقول “يا مداحين في رسول الله، خذوني معكم، وكل محب من عند الله، أقعد معاكم وأزور حداكم «عندكم» رسول الله، إوعوا «إياكم» يا خلق تلوموا عليّ، ده «هذا» مدح النبي لايق عليا «يليق بي»، أزور النبي وأشوفه «أراه» بعيني، وأقوله أجيرني يا نبي».
وليس مدح عيسي أو النبي محمد هو النهج الوحيد للمنشد جميل، فهو كما يقول يتحدث عن حياة الناس والأصدقاء وأحوال الزمن أيضا في مواويله الشعبية.
ويتمنى «الشيخ» جميل، أو «مداح الرسول»، أن ينطلق من نطاق عمله الغنائي في عدد من المحافظات بمصر إلى بلاد أخرى، مثل فرنسا، وتركيا، والكويت، وقطر، والهند، مؤكدا أنه يستطيع أن يقدم صورة أفضل عن مصر وفنه في الخارج.
كما يتمنى جميل أن ينشد مواويله في مدينة القدس.
وصعيد مصر جنوبا، الذي انطلق منه جميل، يعرف عنه التواجد المسحيي البارز، ضمن تعداد كنسي للمسيحيين يقدرهم بنحو 15 مليونا بين 92 مليون نسمة هم سكان البلاد، وتجمع المسحيين والمسلمين علاقات جيدة في الأغلب.