انفض المولد.. وجاءت الحقيقة.. السيدة زينب بنت علي هل زارت مصر  ولها ضريح
 

بعد النزاع علي إقامة مولد السيدة زينب لدواعي أمنية ، أعتقد أنه من الأمور الأولية التي تتبادر إلى الذهن هي ما حقيقة ضريح السيدة زينب وهل هو للسيدة زينب الكبرى بنت علي بن أبي طالب من زوجته السيدة فاطمة الزهراء وحفيدة رسول الله صلى الله عليه وسلم أم هي زينب أخرى ؟

  

في الحقيقة بعد الإطلاع على عدد من المصادر والتقارير لعلماء من الأزهر الشريف وبعض ممكن كتبوا عن هذا الموضوع اتضح لي أن معظم الكتابات الموثقة تؤيد فكرة أن ضريح السيدة زينب ليس له أي وجود في مصر ، وذلك بذكر عدد من الوثائق والرجوع لكتابات الرحالة والمؤرخين في التاريخ الإسلامي ، وإنه لشرف كبير للمصريين والمسلمين جميعاً أن تزور السيدة زينب حفيدة رسول الله صلى الله عليه وسلم بلدنا ، لكن اختلف العلماء في تحديد مكان ضريحها الحقيقي بل كلهم تقريباً لا يوجد لديهم دليل قاطع على وجودها في مصر خاصة ، والبعض القليل منهم يشير لوجود الضريح في دمشق ، وهو المرجح ، أما ما هو في المدينة فقد اتفقوا بشكل نسبي على احتمال وجودها في المدينة المنورة لكن لم يستطع الجميع تحديد مكانها فعلياً .


وقد وردت معلومات عن نسب زينب بنت علي بن أبي طالب (رضي الله عنهما) في مقالة لمحمد أحمد العباد بعنوان "بــيــن الـمــواقــف والـمــراقــد" : 

  فهي زينب بنت علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر القرشية حفيدة رسول الله صلى الله عليه وسلم من جهة ابنته فاطمة رضي الله عنها ، والمشهور أنها وُلدت بعد فترة وجيزة من وفاة زينب بنت النبي صلى الله عليه وسلم في أول سنة 8 هـ كما في السيرة النبوية لابن كثير (4/ 610 ط: المعرفة) فسميت زينب باسم خالتها رضي الله عنها ، ولزينب أخت من أبيها تحمل نفس اسمها وهي زينب الصغرى بنت علي بن أبي طالب تزوجها محمد بن عقيل بن أبي طالب.


 وفيما يتعلق بزواجها وأولادها : أخرج البغوي الكبير في الجعديات ( تغليق التعليق 4/400 ) عن عبد الرحمن بن مهران : ( أن عبد الله بن جعفر جمع بين زينب بنت علي وامرأة علي ليلى بنت مسعود التميمية ) ، وهذا فيه جواز الجمع بين المرأة وامرأة أبيها بعد طلاقه أو وفاته عنها .

وقد ولدت زينب لعبد الله كلاً من: (جعفر) الأكبر، و(عون) الأكبر، و(العباس) ولا عَقِب لهم ، و(علي) وفيه العَقِب وتزوج بـ(لبابة بنت عبد الله بن العباس رضي الله عنهم )(1) كما في سير أعلام النبلاء (3/ 333) ، وأم كلثوم التي تزوج ابنتها حمزة ابن الصحابي الجليل عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما بعد وفاة ابن عمها كما في نسب قريش للزبيري ص241.

وبالنسبة لضريح السيدة زينب وماقيل حول مكان تواجده : 

فقد ذكر سليمان بن صالح الخرشي (بموقع صيد الفوائد) ، في مقاله قبور ومشاهد مكذوبة "أن ما يسمى قبر السيدة زينب بنت علي  - رضي الله عنهما - المزعوم وجوده في مصر ، وهو من القبور التي يُعظمها دعاة الخرافة ، ويصرفون من خلالها وماينسجونه عنها بعضَ جهلة المسلمين عن توحيد ربهم إلى الوقوع في البدع والشركيات ، اتباعًا للهوى ، أو طلبًا للاسترزاق المحرم " ، وأكد على ذلك بنفي ما يعتقده الصوفي أحمد فهمي ، صاحب كتاب "العقيلة الطاهرة السيدة زينب " في كتابه ص 61 " كم من مكروب نفّس الله كربته بنفحتها ، وكم من مريض عميد توالت عليه الأوصاب ، وتواترت عليه الأسقام ، وترادفت عليه الأوجاع ، فتقمص بزيارتها ثوب العافية .. " 

واستنكر الخرشي ما قاله أحمد فهمي أيضاً عن " حرمها " ص 71  : " مازال هذا الحرم قبلة العارفين ، وأمن الخائفين ، بركاته مشاهدة مرئية ، ونفحاته عائدة على زائريه بلا مرية ... "  و يقول الخرشي عن هذا "مثل هذا الخداع وقعت أمة التوحيد فيما حُذرت عنه" .


وقال الخرشي أيضاً أن كتب الرحالة خلت مما يثبت دخول السيدة زينب أخت الحسن والحسين وابنة علي وفاطمة رضي الله عنهم جميعاً ، لكن هناك رحالة  يسمى الرحالة الكوهيني الذي دخل القاهرة في 14 محرم 369هـ في فترة حكم المعز العبيدي ( أثناء استيلاء الدولة العبيدية الرافضية على مصر ) ، حيث زار عدة مشاهد ، وقال: " دخلنا مشهد زينب بنت علي فوجدناه داخل دار كبيرة، وهو في طرفها البحري ليشرف على الخليج، فنـزلنا إليه بدرج، وعاينا الضريح، فوجدنا عليه دربوزا ، ومكتوب على باب الحجرة "هذا ما أمر به عبدالله ووليه أبو تميم أمير المؤمنين الإمام العزيز بالله صلوات الله عليه وعلى آبائه الطاهرين وأبنائه المكرمين بعمارة هذا المشهد على مقام السيدة الطاهرة بنت الزهراء البتول زينب بنت الإمام علي بن أبي طالب صلوات الله عليهما وعلى آبائها الطاهرين وأبنائها المكرمين " .


 

وأكد الخرشي أن العلماء أنكروا ما ورد على لسان الرحالة الكوهيني لسبب يبرزه لنا البحاثة السابقي في كتابه " مرقد العقيلة ، ص 58 " بقوله: "إن هذا المشهد ليس للسيدة زينب ؛ إذ لو كان لها مشهد بمصر بهذه الأبهة والفخامة التي يذكرها، فلماذا اختفى عن بقية الرحالين والمؤرخين ؟ ولماذا اختفى أمره على معاصر الكوهيني : المؤرخ الكبير الذي صرف همه في تحرير حوادث مصر خاصة، وهو ابن زولاق المتوفى 388هـ ، الذي كان حيا في مصر وقت زيارة الكوهيني، بينما ينكر دخول أي ولد لعلي لصلبه في مصر، ويقول إن أول من دخلها سكينة بن علي بن الحسين ؟ فالظاهر أن ما رآه الكوهيني هو مشهد زينب بنت يحيى المتوج بن الحسن الأنور ابن زيد بن حسن بن علي بن أبي طالب، وبه قال شيخ الأزهر الشيخ محمد بخيت المطيعي".

فقال الشيخ محمد بخيت المطيعي – مفتي مصر في عصره - : " جزم كلٌ من ابن الأثير في تاريخه 4/48والطبري 6/264ومابعدها – بأن السيدة زينب بنت علي رضي الله عنه وأخت الحسين رضي الله عنه قد عادت مع نساء الحسين أخيها ، ومع أخوات الحسين بعد مقتله إلى المدينة .. ولا عبرة بمن يشذ عنهما – أي الطبري وابن الأثير - .. وعليه : فلا مدفن لها في مصر ، ولا جامع ، ولا مشهد "  ( مجلة الفتح ) . 



ويؤيد الشيخ إبراهيم حسونة المؤرخ الأزهري بحث يشكك في ضريح السيدة بالقاهرة وهو للدكتور محمود المراكبي عنوانه "القول الصريح عن حقيقة الضريح" حيث تضمن هذا البحث أفكاراً  مثل: 


رحلة العودة من الشام إلى المدينة المنورة:

قال ابن الأثير:

أمر يزيد النعمان بن بشير أن يجهزهم بما يصلحهم ويسير معهم رجلا أمينا من أهل الشام ومعه خيل يسير بهم إلى المدينة فخرج بهم فكان يسايرهم ليلا فيكونون أمامه بحيث لا يفوتون طرفه فإذا نزلوا تنحى عنهم هو وأصحابه فكانوا حولهم كهيئة الحرس وكان يسألهم عن حاجتهم ويلطف بهم حتى دخلوا المدينة ...

فقالت فاطمة بنت علي لأختها زينب:

لقد أحسن هذا الرجل إلينا فهل لك أن نصله بشئ؟

فقالت: 

والله ما معنا ما نصله به إلا حلينا فأخرجتا سوارين ودملجين لهما فبعثتا بهما إليه واعتذرتا فرد الجميع..

وقال: لو كان الذي صنعت للدنيا لكان في هذا ما يرضيني 

ولكن والله ما فعلته إلا لله ولقرابتكم من رسول الله صلى الله عليه وسلم



وذكر الشيخ إبراهيم حسونة قول " الشيخ الصفار" الذي تحدث في هذا الموضوع في كتابه المطبوع والمسمى بـ ( المرأة العظيمة : قراءة في حياة السيدة زينب وجمع فيه أطراف الموضوع فأوعى لذلك سوف ننقل ما ذكره هناك حيث نراه موافقا للمختار ، وننقله مع شيء من الاختصار فقد كتب تحت عنوان :  " شيء من التحقيق "لقد بذل العديد من العلماء والباحثين جهودهم ، وخاضوا غمار البحث والتحقيق ، لمحاكمة الروايات والنقول التاريخية حول قبر السيدة زينب الكبرى .


والأراء التي ناقشها العلماء والباحثون تنحصر في ثلاثة احتمالات : 

1 ـ المدينة المنورة .

2 ـ مصر .

3 ـ دمشق .



أولاً ـ المدينة المنورة 


دافع العلامة السيد محسن الأمين العاملي عن هذا الرأي باعتبار أن المدينة هي موطن السيدة زينب وأن من الثابت عودتها الى المدينة بعد واقعة كربلاء ، فاستصحاباً نحكم بأن وفاتها وقبرها في المدينة المنورة مالم يثبت العكس ، وقال نصه : 

يجب ان يكون قبرها في المدينة المنورة فانه لم يثبت أنها بعد رجوعها للمدينة خرجت منها ، وان كان تاريخ وفاتها ومحل قبرها بالمدينة مجهولين ، ويجب أن يكون قبرها بالبقيع وكم من أهل البيت أمثالها من جهل محل قبره وتاريخ وفاته خصوصاً النساء .


وقال الشيخ إبراهيم حسونة أن البحاثة الشيخ محمد حسنين السابقي ناقش هذا القول بما يلي :

نحن لا ننكر أن يكون مدفنها الطاهر في البقيع في المدينة المنورة إذ هي وطنها الكريم وبها قبور اخوتها وشيوخ قومها وجدها وأمها ولكن بشرط أن يقوم عليه دليل قاطع أو نصٍ تاريخي .


لأن قبور البقيع ذكرها المؤرخون قديماً وحديثاً يذكرها ابن النجار في ( تاريخه ) ، والسمهودي في تاريخه الحافل ( وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى ) في باب مخصوص لذكر مزارات أهل البيت والصحابة ولا نجد فيها قبر العقيلة زينب لا في القبور المعمورة ولا المطموسة . ولكان لمرقدها ذكر ولو في القرون الأولى كما بقي لمن دونها في الرتبة من بني هاشم بل ولمن يمت إليهم بالولاء أيضاً .

على أن الذين ذهبوا إلى هذا القول إنما مستندهم الاستصحاب الأصولي وهو أنه ثبت أن العقيلة زينب دخلت المدينة بعد محنة أخيها ورجوعها من الشام وكانت بالمدينة في قيد الحياة ثم شككنا هل ماتت في الشام أم لا ؟ 


فالاستصحاب يقول : الأصل عدم موتها بالشام بل بالمدينة حتى يحصل لنا شيء يزيل هذا الشك ويثبت لنا باليقين أنها ماتت بالشام .

وهذا الدليل لا غبار عليه في نفسه ولكن لا يستدل بمثله في القضايا التاريخية ولو قلنا به فثبت ما أزال هذا الشك بما رواه ابن طولون الدمشقي من ذهابها إلى الشام وموتها بها وعليه أكثر الفقهاء المجتهدين الأصوليين .


ثانياً : بين القاهرة ودمشق

وإذا لم يكن هناك أثر نقلي يتحدّث عن قبر للسيدة زينب الكبرى في المدينة المنورة ولا يوجد مقام ظاهر ينسب لها هناك ، فإنّ الأمر ليس كذلك فيما يرتبط بمصر والشام ، حيث توجد روايات ونصوص تاريخية يستدلّ بها أنصار كلّ من الرأيين ، كما يتعالى في سماء القاهرة ودمشق مقامان شامخان ينسبان للسيدة زينب ، وتؤمّهما جماهير المؤمنين ويقصدهما الزائرون . 

لكنّ المطالعة الدقيقة والبحث الموضوعي في أدلّة الطرفين يرجّح كفّة الأطمئنان إلى أنّ مشهد الراوية في دمشق هو الأقرب إلى الصحّة والواقع . 

وذلك لتظافر الأدّلة في كتب المؤرخين والرحّالة والسّائحين منذ القرون السابقة وإلى الآن  ، ولضعف مستند القائلين بسفر السيدة زينب الكبرى إلى مصر وموتها فيها ، وللإحتمال الكبير في أن يكون المقام في مصر لزينب أخرى من أهل البيت . 


وقد أفرد بعض العلماء كتباً ورسائل لتحقيق هذا الموضوع ، ومن أبرزهم العلامة المرحوم الشيخ فرج العمران القطيفي ( 1321 هـ ) والذي ألّف رسالة تحت عنوان ( المرقد الزينبي ) سنة ( 1377 هـ ) وطبعها في النجف الأشرف ـ العراق ) وكانت نتيجة البحث التي انتهى إليها في رسالته هو ترجيح المقام الزينبي في دمشق ، وأنّه للسيدة زينب الكبرى . 

وهناك بحث آخر والأعمق هو للبحّاثة الباكستاني الشيخ محمد حسنين السّابقي ، ويقع في أكثر من (240 صفحة ) وقد طبع في بيروت سنة ( 1399 هـ 1979 م ) ، ونقتبس منه الفقرات التالية بشيء من التصرّف والاختصار إنّ رحلة السيدة العقيلة إلى مصر وإقامتها هناك وتليبتها لداعي حماها وحديث مدفنها بها قضية من أهمّ القضايا التي لا يفوت ذكرها كلّ مؤرخ يقظان  ، ولا أقلّ من أن يذكره والمؤرّخين الذين نشأوا في مصر بأجمعهم لم يشيروا إليه أدنى إشارة .

وتتجلى هذه الحقيقة بعدما نرى اهتمام المصريين بإحاطة الأخبار وضبط الحوادث المتعلقة ببلادهم .


فأول مدوّن لتاريخ مصر في الإسلام هو عبد الرحمن بن عبد الحكم المصري المتوفى ( 257 هـ ) له في تاريخ مصر كتاب حافل سماه « منهج السالك في أخبار مصر والقرى والممالك » ذكر فيه تراجم كثير من الصحابة ممن دخل مصر ، وتبعه أبو عمرو محمد بن يوسف الكندي المتوفى ( 354 هـ ) وله عدة تأليفات في تاريخ مصر .

ثم برع في تدوين أخبار مصر والإحاطة بحوادثها أبو محمد حسن بن إبراهيم بن ذولاق الليثي المصري المتوفى ( 387 هـ ) .

ثم تلاه في هذا الموضوع عز الملك محمد بن عبدالله بن أحمد الحراني المسبحي المتوفى سنة ( 420 هـ ) .

ثم المؤرخ المتتبع القاضي أبو عبدالله محمد بن سلامة القضاعي الشافعي المتوفى ( 453 هـ ) ولم يقصر همه على ضبط الحوادث التاريخية فقط بل ألف في المزارات المقصودة للزيارة والتبرك التي تشد إليها الرحال وله في هذا الموضوع كتاب ( اُنس الزائرين ) ترجم فيه للسيدة نفيسة وعين مدفنها وليس فيه لقبر زينب الكبرى عين ولا أثر .


وقال الشيخ إبراهيم حسونة " ثم أعطف إلى المقريزي والسيوطي والقلقشندي وغيرهم لم نجد أحداً من هؤلاء أنه ذكر دخول السيدة زينب الكبرى في مصر ومدفنها بها .

على أن هناك جماعة من مؤرخي مصر ممن أفرد تأليفه في تحقيق المزارات والقبور والمساجد كابن يونس والهتناني والقرشي صاحب ( المزارات المصرية ) وابن سعد النسابة صاحب ( مزارات الأشراف ) وابن عطايا والحموي الذي ذكر جملة من مزارات مصر ، وموفق الدين صاحب ( مرشد الزوّار ) ترى هؤلاء الأعلام يترجمون أصحاب القبور ويميزون بين المزارات الصحيحة والمزورة من العلويين وغيرهم في مصر ، ولم يذكر أحد من هؤلاء أن العقيلة زينب الكبرى بنت أمير المؤمنين مدفونة في مصر ، و كبار المؤرخين المطلعين على تاريخ مصر بدقة وتحقيق لم يصح لديهم دخول أي ولد لأمير المؤمنين لصلبه في مصر .


قال الحافظ أبو طاهر أحمد بن محمد السلفي المتوفى ( 576 هـ ) : 

ـ لم يمت له ـ أي لعلي ـ ولد لصلبه في مصر .

وقال الحافظ المؤرخ أبو محمد حسن بن إبراهيم بن زولاق الليثي المصري المتوفى ( 387 هـ ) : أول من دخل مصر من ولد علي سكينة بنت علي بن الحسين ، وبه قال السخاوي . 


وفي لفظ آخر "للسخاوي " عن المنقول عن السلف أنه لم يمت أحد من أولاد علي لصلبه في مصر ، فكيف من المعقول أن تدخل العقيلة زينب مصر وتقيم هناك زهاء السنة ثم تقبر على مرأى من المحاشد الجمة ومسمع ، ولا يعرف أمرها أحد من المؤرخين الذين عهدهم قريب بتلك الحادثة المهمة .


وكان الإمام الشافعي يتجاهر بالولاء لأهل البيت ، وقد ورد في سيرته أنه كان يزور السيدة نفيسة لكن لم يرد أنه زار السيدة زينب هناك.

كما دخل مصر جملة من الرحالين كابن جبير وابن بطوطة وابن شاهين وذكروا ما شاهدوا من القبور المعروفة المقصودة للزيارة في عهدهم ولكن لا تجد أحداً منهم يذكر قبر السيدة زينب الكبرى في مصر . . 


أ - نجد أن الرحالة ابن جبير:

وقد عدد في كتابه عن رحلته التي كانت في القرن السادس الهجري مشاهد الشريفات العلويات المدفونات بالقاهرة,لم يذكر بينهما ضريح السيدة زينب بنت السيدة فاطمة الزهراء والإمام علي بن أبي طالب, رغم أنه ذكر ضريحاً آخر للسيدة زينب بنت يحيى المتوج بن زيد.


ب- الرحالة محمد العبدري :  وقد جاء مصر في سنة 688هـ/1289م.حيث زار مزارات: الإمام الشافعي والسيدة نفيسة والجمجمة المنسوبة للحسين بن علي. ولكن مثل غيره من زوار مصر لم يذكر ضريح السيدة زينب بنت الإمام علي والسيدة فاطمة الزهراء.


رفض فكرة وجود الضريح في مصر :

- حدث في أواخر عصر دولة المماليك الجراكسة أن نشات مقولة شعبية بأن السيدة زينب بنت السيدة فاطمة الزهراء والإمام علي بن أبي طالب مدفونة بالقاهرة، وقد قام بنشر هذه المقولة طائفة الأدباتية والمداحين الذين يجوبون المقاهي والموالد للارتزاق, وهذه الطائفة كانت تقوم بتأليف المواويل التي تجذب الناس إليهم.


ولكن اختلفت الأقاويل في تحديد مكانها(مثلما فعلوا أيضاً في الأضرحة الوهمية للسيدة فاطمة النبوية) ، فكانت هناك مقولة بأن السيدة زينب مدفونة بقبر قرب قناطر السباع, ومقولة أخرى بأنها مدفونة بقبر في جبانة باب النصر  ، وقد أرجع هذه الأقاويل مؤرخ المزارات المسمى ابن الناسخ إلى الرؤيا أي الحلم, فقال في صفحة 304 من كتابه المخطوط: (مصباح الدياجي وغوث الراجي وكهف اللاجي):  (قبور الرؤيا من النساء مثل زينب الذي بقناطر السباع وزينب الذي بباب النصر وخديجة وعاتكة وصفية..).


أما أول نص مكتوب يعلن عن نسبة هذا الضريح إلى السيدة زينب بنت السيدة فاطمة الزهراء والإمام علي بن أبي طالب ، فقد ورد في حكاية سجلها الشيخ عبد الوهاب الشعراني (المتوفى سنة 973هـ/1565م) في بعض كتبه مثل كتاب المنن الكبرى, أي بعد حوالي تسعة قرون من وفاة السيدة زينب. 

- فقد حدث في سنة 935هـ/1528م أن حلم أحد الأشخاص وهو علي الخواص بأن السيدة زينب بنت السيدة فاطمة الزهراء والإمام علي بن أبي طالب مدفونة قرب قناطر السباع, فأخبر الناس بذلك وأصبح يداوم على زيارة هذا القبر البسيط وتنظيفه والعناية به ، وهكذا بدأ هذا الضريح في الازدهار ببطء بينما أخذ الضريح المنافس له والموجود بجبانة باب النصر في الاندثار بعد أن حسم علي الخواص المنافسة بينهما.

- بعد ذلك ابتدئ في تأليف مرويات حديثة لتتفق مع الوضع الجديد بغرض تدعيمه, وأرجعوا هذه المرويات والتي طبعت في كتيبات شعبية إلى عصور قديمة, بل حدث إدعاء بوجود مخطوط (لا وجود له) للعبيدلي, يشرح فيه رحلة السيدة زينب إلى هذه المنطقة ،يعلماً بأنه لم يذكر أحد من الباحثين رغم كثرتهم في مصر وخارجها أنه قرأ هذا المخطوط نفسه والتحقق منه, بمن فيهم المصدر الوحيد لهذا الكلام المزيف وهو حسن قاسم, وربما قد دس عليه, علماً بأن فهارس المكتبات العامة التي بها مخطوطات أصبحت معروفة ومتداولة ومتاحة تماماً لكافة الباحثين دون حاجة إلى الترحال كما كان يحدث سابقاً.

- منطقة حي السيدة زينب الحالي, بالإضافة إلى كونها جزءاً من نهر النيل إبان وفاة السيدة زينب فإنها كانت تتناثر حول شاطئها هنا الكنائس القبطية والتي كانت تعرف بكنائس الحمراء (مثل كنيسة الزهري الشهيرة) , رغم المعروف عن العرب المسلمين في العصور الأولى من الفتح الإسلامي أنهم التزموا بالسكنى في أحياء إسلامية خاصة بهم (الفسطاط –العسكر – القطائع – القاهرة الفاطمية). 

كما أنه من الثابت أن دار والي مصر آنذاك مسلم بن مخلد الأنصاري كانت في مدينة الفسطاط عاصمة مصر آنذاك, والتي تبعد كثيراً عن المكان الحالي لضريح السيدة زينب. (قال مؤلفو المخطوط المزعوم إن السيدة زينب دفنت في دار والي مصر المذكور).


- في القرن 19 لخص العلامة علي باشا مبارك هذا الموضوع, عند حديثه عن مسجد السيدة زينب في الجزء الخامس من الخطط التوفيقية, في قوله:

(ثم إني لم أر في كتب التواريخ أن السيدة زينب بنت علي رضي الله عنهما جاءت إلى مصر في الحياة أو بعد الممات)، والمقصود بعبارة بعد الممات هو نقل وفاتها.

والجدير بالذكر أن التاريخ قد سجل الكثير من مثل هذه الواقعة, حتى أنه لتكرارها نشات تسمية مصطلح, مشاهد الرؤيا (أي أضرحة الأحلام)

ومن المعلوم  أن عادة العامة والخاصة جرت أنهم ينسبون العلويين إلى رسول الله وأمير المؤمنين بلا واسطة، والظاهر أن المشهد الزينبي المعروف في القاهرة هو للسيدة زينب بنت يحيى المتوج بن الحسن الأنور بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب.

وفي مقال لمحمد أحمد العباد عن زينب بنت علي بن أبي طالب (رضي الله عنهما) بعنوان "بــيــن الـمــواقــف والـمــراقــد" ( ذكر أحمد زكي باشا أن هذا الضريح لم يكن له وجود ولا ذكر في عصور التاريخ الإسلامي إلى ما قبل فترة حكم محمد علي باشا بسنوات معدودة ، وقد نقل كلامه أحد الشيوخ الأزهريين وهو الشيخ سمير شاهين في كتابه "الوثنية في ثوبها الجديد" (ص81 ) ، ونقل عنه قوله : (( إن الذي يشهد به العارفون بالحق الصريح هو : أن السيدة زينب لم تشرف أرض مصر بوطء قدمها المباركة مطلقاً والحق الذي ليس بعده إلاالضلال أنها قضتحياتها بالحجاز إلى أن انتقلت إلى جوار ربها بالمدينة المنورة ، فكان دفنها بالبقيع، هذا هو الصواب وما عداه إفك وبهتان )) .


على أية حال وأينما كان الضريح فلا يجب أن يتخذه الناس كمكان للصلاة بل يجب الفصل بين الضريح والمسجد ومايفعله الناس بالتضرع لصاحب الضريح تقرباً إلى الله يعتبر عند علماء الدين شرك بالله  ، حيث أن علماء الأزهر ومنهم الدكتور محمود شلتوت( كتاب فتاوى كبار علماء الأزهر حول الأضرحة والقبور والموالد والنذور – ص 32-35) أكدوا على أن هذا شرك بالله فقد أقيمت لعبادة الله وحده  .

والجدير بالذكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد نهى عن اتخاذ القبورمساجد  فقال "إن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد ، إني أنهاكم عن ذلك "  ، قد أكد ربنا عز وجل على ذلك في قوله تعالى "إن المساجد لله فلاتدعو مع الله أحدا"(الجن – آية18) .