أكد قداسة البابا تواضروس الثاني بابا الاسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية وسائر بلاد المهجر ان الكنيسة القبطية الأرثوذكسية «وطنية» منذ أسسها القديس مار مرقس الرسولي في منتصف القرن الاول الميلادي وحتى الآن وإلى المنتهى.
وأوضح قداسة البابا، ردا على وجهة النظر التي تري ان الكنيسة بدأت تعمل في السياسة، ولاسيما منذ ثورة 30 يونيو، أوضح ان الكنيسة لا تعمل بالسياسة، وان ما حدث في 30 يونيو هو ثورة شعب، والاقباط جزء من الشعب المصري ومن حقهم المشاركة وإبداء الرأي، جاء ذلك خلال مؤتمر صحافي أقيم أمس الأول في الشيراتون.
وشبه البابا مصر بالمعبد، وقال: أساس قوة واستقرار المعابد انها تقام على عدة أعمدة لا يمكن الاستغناء عن عمود منها، والا تعرضت للانهيار، وأعمدة مصر هي الجيش والشرطة والقضاء والازهر والكنيسة اضافة الى مؤسسات الدولة الاخرى.
وقال قداسة البابا: ان الاعمال الإرهابية لا تمثل أي دين «ولا تمثل الدين الاسلامي في سماحته على الرغم من ادعاءات منفذي العمليات الإرهابية بأنهم ينتمون الى الاسلام، ولن تؤثر الاعمال الإرهابية على الوحدة المصرية بل ستزيدهم قوة ومحبة».وزاد قداسة البابا: ان هؤلاء الإرهابيين- الذين نصلي من اجلهم- يعلنون انهم يتبعون الإسلام بفهمهم الخاطئ وهم يشوهون صورة الإسلام، لابد ان تكون هناك وقفة لهذا التشويه للاسلام، وهذا مسوؤلية المؤسسات الإسلامية لتصحيح هذه الصورة، فأثر هذه الأفعال يطول كل المجتمع وليس الاقباط فقط كما ينبغي ان تجتمع الدول وتضع حلولا جريئة لمواجهة هذا الإرهاب حتى لا يرتبط الإسلام بالإرهاب رغم ان الحقيقة والواقع اننا نتعايش معا في سلام بعيدا عن هؤلاء وفي الواقع المصري لا يمكن ان نفرق بين المسيحيين والمسلمين وتشهد على ذلك الحياة الاجتماعية في مصر.
وأشار قداسة البابا الى أن الحوادث التي تحدث في مصر لا يقصد بها الأقباط وإنما يقصد بها «قلب مصر» وضرب وحدتها، ولم توجه إلى أقباط مصر، وإنما استهدفت الجيش والشرطة والقضاء والمؤسسات والناس العادية في الشارع إلا انها لن تؤثر فيها وان كنا نتألم وننزعج.
ولفت الى ان التفكير في ضرب وحدة مصر غير صحيح لان الوحدة المصرية ليست وليدة اليوم، فالوحدة المصرية متجذرة منذ 14 قرنا وليست حديثة العهد، وهذه الوحدة وهذا التلاحم قوي جدا على ارض الواقع، ومثل هذه الحوادث الإرهابية لا تؤثر فيها.
وفيما يتعلق بما اذا كانت المؤسسات الأمنية تتحمل أي قصور، قال البابا: ان المؤسسات الأمنية تقوم بدورها كاملا ولا يوجد اي تقصير.
وعن محاولات تهجير المسيحين في الدول العربية وعدم قبول بعض الطبقات الشعبية للمسيحيين، أكد البابا أن الجماعات الإرهابية تستهدف تفريغ الشرق، وما يجري بالمنطقة والشرق الأوسط من أعمال إرهاب استثناء لن يستمر، والمسيحيون سيعودون لأماكنهم.
وأضاف: هذه المنطقة نشأت وعاشت عليها الأديان وأراد الله ان توجد في هذه المنطقة لتحقيق نوع من الثراء والغنى، لذلك لا يمكن ان نتخيل منطقة الشرق الأوسط بدون المسيحيين، فهذا فيه خطورة شديدة حتى على الوجود الإسلامي، ولابد ان نكون واعين لهذا الخطر، فالوجود الإسلامي يسند الوجود المسيحي والعكس، فالوجود المسيحي له جذور متأصلة في كل الدول العربية والمسيحية ليست وافدة في الشرق الأوسط حتى في جزيرة فيلكا وجدوا آثارا لكنائس قديمة، مضيفا ان ذلك ليس مسؤولية الكنيسة وانما مسؤولية الدول، فلابد ان تحوي كتابا مقدسا كما تحوي القرآن الكريم.
وعما اذا كان مسيحيو الشرق الأوسط يدفعون فاتورة التغيرات السياسية مثلما يحدث في العراق وسورية وغيرهما، وربطه بما يحدث في مصر من تهجير للأقباط، قال قداسة البابا: مصر بلد كبير ولها تاريخ عريق وحضارة راسخة، وان ما حدث في سيناء ليس تهجيرا وإنما انتقال من منطقة يوجد بها خطر الى منطقة أخرى آمنة لحين زوال هذا الخطر مثلما حدث اثناء الحرب العالمية الثانية مع سكان مدن قناة السويس، وهذا لا يقارن بما يحدث في العراق او سورية، لافتا الى ان مصر تحوي اكثر من 5 آلاف قرية وما يحدث في قرية واحدة لا يعتبر تعميما وإنما حالات فردية او استثنائية، مشيرا الى ان الاعلام في كثير من الأحيان يضخم الأمور.
وأكد ان النازحين من سيناء قدمت لهم الدولة كل الخدمات الصحية والتعليمية والسكنية لحين انتهاء هذه الازمة.
وفيما يتعلق بإعداد منهج المواطنة والاخلاق في مصر، قال البابا تواضروس: هناك منهج اهتمت به وزارة التربية والتعليم المصرية وهو خاص بالمواطنة والأخلاق ويضم فصولا تتعلق بالمسيحية وفصولا تتعلق بالإسلام ونفذ بالتعاون مع الأزهر، وقد شاركت في إعداد هذا المنهج وهو احدى الوسائل التي يمكن ان تواجه بها مصر الفكر المتطرف الذي تتأثر به حاليا، وارجو ان يأخذ مجاله على ارض الواقع من التطبيق.
وردا على سؤال حول ما اذا كانت هناك ضرورة لتجديد الخطاب الأخلاقي بالتنسيق ما بين الازهر والكنيسة اسوة بتجديد الخطاب الديني، قال البابا: ان الاخلاق لا تتجدد وانما يوجد اهتمام بالاخلاق والمبادئ الإنسانية، وهو ما يحاول الازهر ان يوجده، واكد ان التعليم الكنسي له دورة سنوية لذلك فان ما يقال في كنيسة الكويت يقال في كل الكنائس الموجودة في العالم، لذا يمكن القول: ان هناك نوعا من الثبات في الخطاب الديني المسيحي.
وتطرق الي بيت العائلة، فقال: هي مؤسسة نحاول من خلالها الوصول الى المناهج الوسطية التي نحمي بها الشباب من الأفكار المتطرفة ونحاول ان نشارك في بعض الموضوعات، وقد اجتمعنا مؤخرا بحضور فضيلة شيخ الأزهر وبعض المؤسسات لنحاول ان نرجع ما يسمى بالزمن الجميل في الأخلاق والمبادئ الانسانية والإعلام والثقافة.
الكويت تتميز بطيبة وسماحة شعبها
أمير زكي
أقام قداسة البابا تواضروس الثاني مساء أمس الأول حفل عشاء في فندق شيراتون على شرف عدد من كبار الشخصيات.
وقال قداسته في كلمة ارتجلها إنه سيذكر الكويت بكل حب حينما يعود إلى أرض مصر وأن قلبه وعقله يحملان الحب للكويت وأميرها وشعبها.
وأضاف أن الكويت تتميز بطيبة وسماحة شعبها واهتمامها الكبير بالشأن الثقافي، لافتا إلى الرعاية السامية لصاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد أمير الإنسانية للكنيسة ولجميع الطوائف والديانات التي تعيش على أرض الكويت الطيبة المحبة للسلام بلد الأمن والأمان.
وكان حفل العشاء استهل بكلمة لوزير الإعلام الأسبق محمد السنعوسي شدد فيها على إعجابه الشديد بأقباط مصر الذين يتعرضون لتفجير الكنائس ولكنهم يصلون إلى الله كي يسامح منفذيها.
لافتا إلى أن التطرف لا يتمثل في الأعمال الإرهابية فقط بل في الفكر ومشاعر الكراهية والثقافة التكفيرية والمناهج التي لا تنمي الابداع ولا تشجع على قبول الآخر.
فضيلة شيخ الأزهر
أكد قداسة البابا تواضروس الثاني ان فضيلة شيخ الازهر اتصل به بعد حادث كنيستي مار مرقس ومار جرجس بساعة واحدة وأعرب عن حزنه ومواساته الا ان الكنيسة لم تستقبل مهنئين او معزين بعد العيد واكتفت بزيارة المصابين.
نسيج مصر الواحد
قال البابا تواضروس الثاني إن الإنسان في الوضع الطبيعي ان يكون صحيحا وتأتي فترات من المرض وقد يمتد ولكن الأساس هو الصحة والاستثناء هو المرض وما نراه حاليا في مصر هو الاستثناء ولن يدوم والطبيعة المصرية تشهد بذلك بتاريخها الطويل وثبت ان مثل هذا العنف لن يستمر ولن تتقبلها الطبيعة المصرية بنسيجها الوطني مسيحيين ومسلمين لذلك ما يحدث حاليا هو صورة استثنائية ستزول قريبا ان شاء الله.
بابا السلام يزور مصر السلام
قال البابا تواضروس الثاني إن مصر تستعد لاستقبال قداسة البابا فرانسيس وقد قمت بزيارته بعد جلوسي بـ 3 شهور كما ان الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي زار الفاتيكان وقدم دعوة للبابا وبالتالي فالزيارة تلبية لهذه الدعوة، كما ان البابا فرانسيس اصدر مؤخرا رسالة عبر وسائل التواصل الاجتماعي فيها معان طيبة نحو مصر وأهلها، مشيرا الى ان البابا فرانسيس له مكانة رفيعة دوليا ويتكلم دائما عن السلام، وكما هو معروف فإن منطقة الشرق الأوسط فيها بعض الصراعات والإرهاب، وحرصه وتأكيده على زيارة مصر رغم ما حدث مؤخرا من أعمال إرهابية هو شهادة لمصر وشعبها.
مداعبة صحافي
حول سؤاله عما يحلم وهو في الكويت كان رد البابا تواضروس الثاني بمداعبة للصحافي: «أنا لم أنم بعد لكي أحلم»، وعن السماحة واحتمال الآخر قال: «لا يمكن إطفاء النار بالنار لكن الماء هو من يطفئ النار، وكل ما يحدث هو فترة مؤقتة وسيصبح كل شيء على ما يرام، فالمرأة تشعر بالألم في الولادة وبعدها يحتفل الجميع بالمولود وتفرح الأم».
الربيع العربي
أشار البابا تواضروس الثاني إلى أن تسمية الربيع العربي كانت تسمية كاذبة وكان الهدف ان تعم الفوضى المنطقة العربية ولكن الله انقذ مصر عام 2013، ولكنها طالت العراق وسورية واليمن وليبيا ولكن مصر هي التي تستطيع المساهمة في انقاذ هذه الدول وهذا يعطينا رجاء في المستقبل.