منذ فجر التاريخ وحتى قيام الساعة، اقتضت سنة الله تعالى في الأمم والحضارات بصفة عامة أن تقوم ثم تسقط ثم تزدهر ثم تنتهي، ومن سنن الله تعالى أن كانت هناك قوانين تتصل مباشرة بضبط مسيرة الشعوب، فإذا التزمت الشعوب بهذه القوانين التي وضعها الله في كونه كانت في خير وسعادة، وإذا انحرفت عنها كان مصيرها السقوط.
وليست الأمة الإسلامية ببعيدة عن هذه القوانين، فمنذ نزول الرسالة على النبي محمد صلى الله عليه وسلم والأمة الإسلامية تأخذ بأسباب القيام فتقوم، ثم تنحرف عنها، فيحدث الضعف ثم السقوط.
وأسباب قيام الأمة الإسلامية كثيرة منها؛ الإيمان بالله، والأُخوة والوحدة، والعدل والعلم، وإعداد القوة والعدة.
فإذا أخذ المسلمون بهذه الأسباب فإنهم سرعان ما يقومون، ثم يحدث صعود هائل لهم، حتى تُفتح الدنيا على المسلمين، وهنا يصبر القليل على الدنيا وزينتها ويقع الكثيرون في الفتنة.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((والله ما الفقر أخشى عليكم، ولكنِّي أخشى أَنْ تُبْسَط عليكم الدُّنيا كما بُسِطَتْ على من كان قبلكم، فتَنَافَسُوها كما تَنَافَسُوها، وتهلككم كما أهلكتهم)) (رواه البخاري ومسلم)
وأمر الفتنة هذه هو الذي فهمه وواجهه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه سنة 17هـ/735م، وذلك حينما أمر بوقف فتوحات المسلمين في بلاد فارس الغنية، في عمل لم يتكرر عبر تاريخ المسلمين، إلا لدى قليل ممن هم على شاكلته، وذلك حين فتحت الدنيا على المسلمين وكثرت الغنائم في أيديهم.
فقد خاف عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن تتملك الدنيا من قلوب المسلمين، وخشي أن يفتنوا بالدنيا ويخسروا الآخرة فيخسروا دولتهم، وكان هَمُّه أن يُدخل شعبه الجنة، لا أن يُدخله بلاد فارس، إذا كان دخول فارس على حساب دخول الجنة .. وقال -رضي الله عنه- ساعتها: (وددتُ أن بيننا وبين فارس جبلا من نارٍ لا نصل إليهم منه ولا يصلون إلينا).
ولم يعد إلى مواصلة الفتوح الإسلامية إلا بعد أن هجمت جيوش الفرس على المسلمين، فأمر الجيش بالتصدى لهم خوفا على المسلمين من الهزيمة والضياع.