الكلمات القوية التى قالها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب خلال القمة التى جمعته بالرئيس عبدالفتاح السيسى فى البيت الأبيض صباح يوم الاثنين الماضى بتوقيت أمريكا هى أقوى جرعة اكسجين خارجية تلقاها الرئيس المصرى دوليا منذ توليه منصبه فى يونية 2014.
والطريقة الحميمة التى تصرف بها ترامب قبل وخلال الاجتماع تعنى أنه حسم أمره بشأن مصر والسيسى منذ فترة، للدرجة التى دفعت العديد من المراقبين إلى المقارنة بين استقبال ترامب للسيسى، واستقباله الفاتر للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل فى نفس المكان قبل نحو ثلاثة أسابيع، ويومها استجدت ميركل من ترامب أن يصافحها لكنه تحول إلى كتلة من الجليد ولم يحرك ساكنا بطريقة شديدة الفجاجة.
أظن أن السيسى حصل على ما كان يريده من ترامب، وأقصد به الدعم السياسى الكامل، وربما المفتوح، وهو أهم كثيرا من كل انواع الدعم حتى لو كان المساعدات الأمريكية المقررة منذ توقيع اتفاق كامب ديفيد مع إسرائيل منذ عام 1979.
الحكومة المصرية حصلت على مليارات الدولارات فى السنوات الأخيرة كمساعدات ومنح من بلدان الخليج، ورغم أزمتها الاقتصادية الطاحنة، فإن ما كانت تحتاجه منذ سنوات ــ فى قرارة نفسها ــ هو «هذا المشهد» الذى رأيناه فى البيت الأبيض قبل يومين.
نعرف أن الرئيس السابق باراك أوباما قد أغلق باب البيت الأبيض تماما أمام الرئيس السيسى. ولم يلتقِ الاثنان إلا مرة واحدة، فى أواخر شهر سبتمبر 2014 على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة فى أحد فنادق نيويورك. المؤسسات والأجهزة الأمريكية المختلفة ضغطت على أوباما يومها ليعقد هذا اللقاء، حتى لا تخسر واشنطن القاهرة استراتيجيا، خصوصا فى ظل الغزل الروسى المكشوف، لكن تبين لاحقا أن هناك حاجزا نفسيا كبيرا بين الاثنين، خاصة أن الطرف المصرى قام بتذكير أوباما يومها بمواقفه غير الودية من ثورة المصريين ضد الإخوان 30 يونية 2013. وبدلا من أن يكون هذا اللقاء طيا لصفحة الماضى وبدء صفحة جديدة، فإنه انتهى نهاية درامية، وربما أدرك الطرفان يومها أنه اللقاء الأخير!!.
يوم الاثنين الماضى استمع السيسى إلى كلمات ترامب، وأظن أنها كانت كافية لينسى مواقف أوباما وإدارته.
تعتقد مصر أن الدعم الأمريكى الاخير ــ حتى لو كان معنويا فى الاساس ــ سيمنحها قوة دفع كبيرة فى الفترة المقبلة محليا وإقليميا ودوليا.
على المستوى المحلى سيتوقف رهان جماعة الإخوان على الحصان الأمريكى كى تعود مرة أخرى للمشهد السياسى، وهو رهان ظل قائما حتى تم إعلان فوز ترامب على هيلارى كلينتون فى أوائل نوفمبر الماضى، وبدلا من «صلواتهم فى ردهات المؤسسات الأمريكية» فى عهد أوباما صاروا يخشون أن يصنفهم ترامب جماعة إرهابية.
على المستوى الإقليمى، فقد تعرض المخطط التركى للهيمنة على المنطقة سواء تحت اللافتة الدينية المتمثلة فى الخلافة أو اللافتة القومية العثمانية للضربة الأخيرة، علما بأن الضربة الأولى كانت يوم 30 يونية 2013 حينما تم إسقاط جماعة الإخوان بالمظاهرات المليونية الجارفة فى شوارع القاهرة والمحافظات.
إقليميا أيضا فإن كل الدعوات والتمنيات بأن هناك تحركا خليجيا لفرض مرشح جديد يكون أقرب إليهم فى الانتخابات الرئاسية المقبلة، قد انتهت مع كلمات ترامب يوم الاثنين الماضى.
على المستوى الدولى ستصل رسالة إلى روسيا أنها ليست القوة العظمى الوحيدة التى تدعم القاهرة، وستصل رسالة اخرى لبريطانيا، لتحسم موقفها وتتوقف عن التردد والارتباك، فيما يتعلق بعلاقتها بالقاهرة.
دوليا أيضا فإن الدعم الرئاسى الأمريكى للسيسى يعنى أن القاهرة أسقطت آخر الأوراق المهمة فى ملف عزلها وحصارها الذى بدأ فى 30 يونية 2013 وانتهى رسميا صباح الاثنين الماضى.
فى كل الأحوال حصل عبدالفتاح السيسى على الدعم الذى كان ينتظره منذ أربع سنوات، فى ست دقائق فقط كما قالت «النيويورك تايمز» أمس، لكن السؤال الرئيسى هو: هل الدعم الأمريكى وحده يحسم الأمور؟!
الإجابة هى لا، فمع كل التقدير لأهمية الدعم الرئاسى الأمريكى إلا أن المعركة الأساسية هى كيف يمكن للرئيس السيسى وحكومته أن يحققا أهم إنجازين الأول: هو التغلب على الأزمة الاقتصادية الخانقة، والثانى هو تحقيق أكبر قدر من التوافق السياسى مع كل القوى السياسية المؤمنة بالقانون والدستور والدولة المدنية؟.