زيارة غير متوقعة وبشكل مفاجئ لم يعلن عنها مسبقًا إلى الولايات المتحدة الأمريكية قام بها الأسبوع الماضى، الأمير محمد بن سلمان، ولى ولى العهد السعودية، ليصبح أول مسئول خليجى رفيع المستوى يصل إلى هناك، ويعقد جلسة مباحثات مهمة مع الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، داخل المكتب البيضاوي، محادثات أعقبتها وجبة غداء في غرفة الطعام بالبيت الأبيض تعبيرًا عن الحفاوة بالضيف الخليجى الشاب. في الوقت الذي وجد فيه نجل عاهل السعودية في أقصى الغرب، كان والده الملك سلمان حاضرًا بقوة في الجانب الشرقى من العالم متجولا داخل غابات نمور الاقتصاد الآسيوية “ماليزيا وإندونيسيا وبروناى واليابان والصين والمالديف”. جولة الملك سلمان الآسيوية، رغم أهميتها الاقتصادية للمملكة لما شملته من اتفاقيات اقتصادية معتبرة، فإن الأمير الشاب نجح في خطف أنظار وسائل الإعلام عن والده في سابقة هي الأولى من نوعها على وسائل الإعلام العربية والغربية التي اعتادت التركيز على زيارات ملوك السعودية الخارجية لما تحمله من تداعيات مهمة على الصعيدين الإقليمى والدولى.
شوكة جاستا
ورغم علامات الاستفهام التي لاحقت زيارة ولى ولى العهد إلى واشنطن، بسبب تغيب الأمير محمد بن نايف ولى العهد عن اللقاء الأول مع الرئيس الأمريكى الجديد، حملت تفسيرات الصحف وما تسرب حول الزيارة الإجابات بين السطور عن سر اختيار “بن سلمان” لعبور حاجز الذعر بين الرياض وواشنطن في ثوبها الجمهورى الجديد بعد رحيل إدارة باراك أوباما الديمقراطية التي تركت شوكة قانون “جاستا” في حلق حليفه الإستراتيجي في منطقة الشرق الأوسط. الأمير الشاب على ما يبدو أنه تم اختياره بعناية لرفع ستار الخلافات وإظهار وجه العلاقات الحقيقى القائم على المصالح المتبادلة سياسيًا واقتصاديًا، نظرًا لحديثه المنفتح وإصراره على إسقاط تهمة الوهابية ودعم الإرهاب التي لاحقت بلاد أجداده بصورة مقلقة خلال الفترة الأخيرة، وباتت وجبة دسمة لوسائل الإعلام الأمريكية والأوروبية بهدف التمهيد لقادم يبعث على القلق في المستقبل القريب.
كواليس اللقاء
صحيح أيضًا أن ما تسرب عن اللقاء لم يحقق المطلوب بالشكل الكافى لوسائل الإعلام، لكن رغم ندرة المعلومات حمل المتاح منها بين السطور القليلة جملا كبيرة متعلقة بتوافق الرؤى حول المد الإيرانى، والتنظيمات الإرهابية، والقضية الفلسطينية، والمفاجأة في الأمر الأزمة القائمة بين «القاهرة والرياض» التي فسرته عبارة بيان مستشار “بن سلمان” حول توافق الأمير السعودى والرئيس الأمريكى على خطورة جماعة الإخوان وتحميلها مسئولية إرهاب «تنظيم القاعدة» على يد أحد عناصرها السابقين –أسامة بن لادن- زعيم تنظيم القاعدة السابق ومهندس هجمات 11 سبتمبر، والتي اعتبرها الأمير أنها استغلت السعودية كقبلة للمسلمين بهدف تجنيد عناصر إرهابية. التناغم الواضح بين بيان ولى ولى العهد السعودى من جهة، وتصريحات المتحدث باسم البيت الأبيض شون سبيسر، حول اللقاء، دلل على وجود اتفاق سعودى أمريكى حول دفع الدماء المتصلبة في شرايين العلاقات، وأوضح ملامح قائمة طلبات أمريكية من الأمير الشاب بهدف حلحلة قضايا الشرق الأوسط التي باتت تمثل صداعًا في رأس الإدارة الجديدة.
الأزمة بين «القاهرة والرياض»
بشائر إجراء “ترامب” جراحة عاجلة للأزمة المصرية السعودية في غرفة العمليات الأمريكية، حملها بريد إلكترونى وصل إلى القاهرة من الرياض يفيد نية شركة “أرامكو” السعودية استئناف تصدير النفط مطلع أبريل المقبل، دون إجراء مفاوضات حول الأمر وبشكل مفاجئ طبقًا لما أكده مصدر دبلوماسى لـ”فيتو”، نافيًا ما جاء في بيان وزارة البترول المصرية حول وجود مفاوضات جرت بين الطرفين متعلقة بهذا الأمر. وبحسب المصدر، فإن استئناف تصدير النفط السعودى لمصر، خطوة أولى لسلسلة خطوات منتظرة تنهى الخلافات القائمة بين البلدين، تم اتخاذها بناءً على نصيحة أمريكية بهدف التنسيق فيما بينهما بعدة ملفات حيوية في ملفات المنطقة. الملفات الحيوية تلك يأتى على رأسها القضية الفلسطينية، التي ينوى ترامب رعاية مؤتمر إقليمى بشأنها لتحريك عملية السلام بمشاركة مصر والأردن والسعودية، يصعب التوافق عليه والتنسيق له في ظل حالة الفتور التي تسيطر على العلاقات بين القاهرة والرياض.
مواجهة إيران
وعلى صعيد ليس أقل أهمية من القضية الفلسطينية، مثل ضرورة التفاهم الإقليمى بين العواصم العربية المعتدلة لمواجهة التمدد الإيرانى، نقطة جوهرية لسعى الإدارة الأمريكية لتشكيل مثلث إقليمى يشمل “عمان والرياض والقاهرة”، لمحاصرة نفوذ إيران الذي استغل حالة الغيات العربى على مدى الأعوام الماضية وتوغلت بمشروعها الفارسى في اليمن والعراق ولبنان وسوريا والبحرين وامتدت به إلى بعض الغرب والشمال الأفريقى. وحسبما نشر لاحقًا عن مباحثات الأمير السعودى في واشنطن، فقد شغلت إيران حيزًا كبيرًا من لقاء محمد بن سلمان بصفته وزيرًا للدفاع مع نظيره الأمريكى جيمس ماتيوس في مقر البنتاجون، واتفاق الجانبين على ضرورة التصدى لأنشطة طهران المزعزعة لاستقرار منطقة الشرق الأوسط. والدور المصرى في هذا الصدد حاضر بقوة من وجهة النظر الأمريكية لما تتمتع به القاهرة من علاقات وطيدة مع دول عربية ترتع بها إيران، وتمتلك مصر بحسب المصدر من القوة ما يكفى لمطاردته حديثها مع هذه الأنظمة بلسان وطنى وقومى بعيدا عن المذهبية الطائفية وتأجيج الخلافات بين السنة والشيعة التي تورطت فيه السعودية وتحولت من صديق للجميع إلى عدو وضيف غير مرغوب فيه الأمر الذي يعوقها عن القيام بدور دبلوماسى هادئ في معركة المطاردة للنفوذ الإيرانى.
القضاء على داعش
الطرف الثانى المتفق على إبادته في مباحثات سلمان الصغير وترامب، تنظيم “داعش” الإرهابى، لما بات يشكله من تهديد على الأمن الإقليمى والدولى، وورقة ضاغطة في يد بعض الأنظمة مثل تركيا تبتز به الغرب والإدارة الأمريكية.. والجدية التي أثبتتها مصر في محاربة هذا التظيم السرطانى أجبرت القوى الغربية على العودة إلى القاهرة طواعية بعدما تجرعت مرار الخداع من قوى إقليمية أخرى تناور بالتصريحات ضد الإرهاب وتجرى مع التنظيمات الإرهابية الصفقات في الخفاء. وحسبما تسرب من تقارير سابقة، تهدف واشنطن إلى تفعيل دور التحالف العسكري الإسلامى، في استهداف بؤر تنظيم “داعش” المترامية بالعواصم العربية من المحيط إلى الخليج، ويبدو أن الشرخ الحادث في جدار العلاقات بين مصر والسعودية يعوق استغلال هذه الطاقة العسكرية العربية بشكل فعال وأكثر حيوية في محاربة الإرهاب خصوصًا مع تقاطع الطرق بين غايات القاهرة التي تنادى بصيانة أراضى الدول العربية التي تشهد نزاعات مع التنظيمات المسلحة مثل سوريا، ورفضها في الوقت ذاته تقسيم اليمن، وتميل لخلق حلول دبلوماسية لتخوفها من هيمنة ميليشيات الإخوان على الممر الملاحى لمضيق باب المندب، وفى وقت تطالب فيه السعودية برحيل النظام السورى دون حسابات للمستقبل، وتخوض حربًا على اليمن تمهد لانفصال جنوبه عن شماله وسقوط مناطقه الإستراتيجية في يد ميليشيات حزب الإصلاح، الذراع السياسية لجماعة الإخوان.
المستقبل المنظور
لقاء ولى ولى العهد السعودى والرئيس الأمريكى، على ما يبدو أنه رسم خطوطًا عريضة لخطط كبيرة متعلقة بمنطقة الشرق الأوسط وإعادة تشكيل التحالفات فيه، خصوصًا مع حمل بيان مستشار الأمير سالف الذكر الكثير من المفاجآت على رأسها الإدانة الصريحة لجماعة الإخوان واتهامه بتفريخ إرهاب القاعدة المتمثل في زعيمها أسامة بن لادن، وكشف المسئول السعودى للجانب الأمريكى تفاصيل مخطط إرهابى يستهدف واشنطن مثل أيضًا عربون صلح كبير بين الرياض العائدة بقوة إلى محورها العربى المعتدل –مصر والأردن- والتوافق على مطاردة نفوذ إيران المزعزع لمنطقة الشرق الأوسط أعاد إلى الأذهان التنسيق بين القاهرة والرياض بهذا الملف على مدى العقود السابقة، وحمل أيضًا دلائل على عودة محور الاعتدال العربى برعاية أمريكية.