في رحاب كلية الآداب جامعة الكويت بالتعاون مع المكتب الثقافي بسفارة جمهورية مصر العربية في الكويت ندوة بعنوان "زكي نجيب محمود آرائه العقلانية والتنوير"، حضر الندوة الأستاذ محمد عادل المستشار بالسفارة المصرية بالكويت والأستاذ الدكتور نبيل بهجت المستشار الثقافي بالسفارة المصرية كما حضرتها الأستاذة الدكتورة سعاد عبد الوهاب عميدة الكلية والدكتور عبد الله الجسمي رئيس قسم الفلسفة ولفيف من الأساتذة من أقسام الكلية المختلفة والعديد من الطلاب والطالبات. وتم تكريم الأستاذة الدكتورة سعاد عبد الوهاب بمنحها درعا خاصا من السفارة المصرية بالكويت، وقد شكرت الدكتورة سعاد السفارة المصرية والسفير ياسر عاطف منوهة بالتعاون المثمر في المجالات الثقافية بين مصر والكويت الذي تمتد جذوره لسنوات بعيدة.
تحدث بعد ذلك الدكتور عبد الله الجسمي عن سنوات زكي نجيب محمود والدكتور فؤاد زكريا في جامعة الكويت، والمناخ الثقافي والفكري الذي كان يميز قسم الفلسفة في تلك الآونة والذي ما زال يمارس دوره التنويري حتى الآن.
قدم للندوة الدكتور مجدي صالح الأستاذ بقسم الفلسفة بالكلية حيث أشار إلى أهمية موضوع الندوة خاصة أن القضايا التي طرحها وعالجها الدكتور زكي ما زالت تشغلنا حتى اليوم.
تحدث في البداية الدكتور محمود سيد أحمد أستاذ الفلسفة الحديثة والمعاصرة بالكلية فأشار إلى قضية الهوية والإبداع عند زكي نجيب محمود وبين رؤية الفيلسوف الراحل الذي عمل لعدة سنوات في جامعة الكويت في نهاية ستينيات القرن العشرين، حيث تحدث عن ضرورة التصدي لمشكلة شيوع الخرافة في المجتمع وأن هذا الأمر لا يتحقق إلا بالأخذ بالمنهج العلمي واهتمام الأمة كمفهوم جماعي بعملية الإبداع، كما أوضح أن هذا المفهوم الجماعي عنده لا يتناقض مع الفردانية التي ينادي بها الفيلسوف الكبير. بين أيضا الدكتور محمود أن زكي نجيب لم يتخذ الوضعية المنطقية باعتبارها مذهباً فلسفيا وإنما باعتبارها منهجاً في طلب العلم بل ومنهجاً في الحياة.
تحدث بعد ذلك الدكتور محمد أحمد السيد أستاذ المنطق وفلسفة العلوم بالكلية وعميد كلية آداب المنيا السابق في مصر عن بعض المحطات في رحلة زكي نجيب محمود الفكرية، فتحدث عن البدايات الأولى له قبل سفره لدراسة الدكتوراه في جامعة لندن واهتمامه في تلك الفترة بقضية الترجمة، ثم تحدث عن اهتماماته بعد عودته من بريطانيا عقب حصوله على الدكتوراه وتبنيه لفكر المدرسة الوضعية المنطقية وذكر أن كتابات زكي نجيب لا تقل أهمية في هذا المقام عن كتابات رواد المدرسة الوضعية المنطقية أنفسهم من أمثال شاليك وكارناب وغيرهما. ويتضح الأمر حين  نطالع عناوين كتب الدكتور زكي، فمن كتابه المؤلف من جزئيين عن الوضعية المنطقية التي يشرح فيها مبادئ تلك المدرسة إلى كتابه "نحو فلسفة علمية، وقبلهما كتابه عن خرافة الميتافيزيقا التي ذكر لنا فيها بصراحة وصرامة قاطعة بأنه مؤمن بالعلم كافر بما عاداه من تلك الآراء الميتافيزيقية التي لا تجدي نفعا لأصحابها ولا للمجتمع، وقد شبه نفسه في ذلك الكتاب بالقطة التي أكلت بنيها فجعل الميتافيزيقا أول صيده، وكان يقصد بالميتافيزيقا كل القضايا التي لا يمكننا أن نختبر صدقها أو كذبها عبر المنطق أو الوسائل التجريبية. غير أن الدكتور محمد السيد أشار إلى أن الدكتور زكي لم يدرك أن تلك الطريدة المسماة بالميتافيزيقا كانت صيدا مراوغاً، فعلى حين ظن الدكتور زكي أنها وقعت في شراكه، لم يدرك أنها كعادتها مع كل الصيادين من قبله خرجت من الثقوب الكبيرة في تلك الشباك ساخرة مرددة قول أرسطو الذي ذكر أن من يريد أن يقضي عليها لا مناص أمامه من استخدام أسلحتها هي لا أسلحته هو، ومن ثم سيتحول إلى أن يكون الصياد والفريسة معا. المأخذ الثاني الذي أشار إليه الدكتور محمد السيد يتعلق بتوقفه شبه التام عند أفكار المدرسة الوضعية المنطقية، حيث لم يتابع أو يكتب عن التطورات الجذرية التي حدثت في مجال فلسفة العلم بعدها، ومن ثم ظل حتى آخر حياته المديدة في مطلع تسعينيات القرن العشرين لا يؤمن بغيرها. قدم الدكتور محمد السيد عرضا مفصلا لمبادئ الوضعية المنطقية وأهم الانتقادات التي وجهت لها وبين كيف أن دورها اضمحل كثيرا منذ بدية خمسينيات القرن العشرين. تحدث بعد ذلك عن الانقلاب الفكري الذي حدث عند الدكتور زكي بعد عودته من الكويت عام 1973 والذي تمثل في اهتمامه بقضية التراث ومحاولته الرائدة في العثور على حل لما أطلق عليه قضية الأصالة والمعاصرة.
بين الدكتور محمد السيد أن الدكتور زكي رأى أن غياب العلم يقود إلى كارثة فكرية ومجتمعية؛ والعلم كما يفهمه الدكتور زكي وفق تصور الوضعية المنطقية وحدة واحدة، ففي الطبيعة علم، وفي التاريخ علم وفي دراسة نصوص الأدب وتحقيقها علم، وفي السياسة علم وفي دراسة الحياة الاجتماعية علم، لأن العلم هو النظر إلى كل شيء بموضوعية وحياد وتجرد. والسؤال المحوري الذي طرحه الدكتور زكي كان يتعلق بكيف السبيل إلى خروج الأمة العربية والإسلامية من المأزق الحضاري؟ في المرحلة الفكرية الأولى وقف الدكتور زكي بدوجماطيقية جامدة عند إجابة تقول إنه لا أمل في حياة فكرية معاصرة إلا إذا بترنا التراث بترا، وعشنا مع من يعيشون عصرنا علما وحضارة ووجهة نظر إلى الإنسان والعالم. لكنه في المرحلة الثانية بدأ يلتفت إلى التراث ويبين أننا نستطيع أن نأخذ منه ما ينفعنا أو ما يتواءم مع المنهج العلمي ومع متطلبات العصر. في كتابه المعقول واللا معقول في تراثنا الفكري قام بدراسة التراث العربي فوجد أنه تراث مطبوع بطابع اللامعقول، تغلب عليه سمة الاجترار لا روح الابتكار ويتسم أيضا بالتقليد لا التجديد فهو تراث عجز عن رؤية الكون والتأمل في الطبيعة بحرية وروح مغامرة واكتفى بتوليد الكلام من الكلام في شكل حواشي وتعليقات يحتل الجانب الديني منها الحيز الأكبر، حيث غابت الدنيا بأسرارها ومجهولاتها ومباهجها عن أبصار أسلافنا، وانتقلت عدواهم إلينا، فواصلنا السبات وأسلمنا قيادنا لغيرنا يمارس البحث والتفكير والاكتشاف نيابة عنا. 
واستنادا إلى هذا المفهوم للفكر وللعصر ، أيقن الدكتور زكي نجيب محمود، أنه لامخرج للأمة العربية ولفكرها، من هذا المأزق الحضاري إلا من خلال مشروع فكري جديد يضع في حسبانه حقائق العصر، وعلى رأسها المنهج العلمي في البحث والتفكير، وأن علينا مواصلة هذا المشروع الفكري التنويري الذي بدأه الرواد منذ مطلع القرن العشرين والذي ما زال في حاجة إلى جهد كل المخلصين من أبناء الوطن والأمة.