في مشهد إقليمي متضارب، وحلفاء يتساقطون، وآخرون يظهرون من جديد، نجد أن الجمهورية الألمانية واحدة من الدول الأوروبية ذات الموقف الواضح والصريح من مصر، فمنذ ثورة 30 يونيو، وتمثل برلين الجانب الداعم للقاهرة الذي لم يتغير إلى الآن، عبر مواقف عدة أثبتت حرصها على دوام العلاقات بينهما.
إنجيلا ميركل تزور القاهرة للمرة الثالثة
في الثاني والثالث من مارس المقبل، تستقبل القاهرة زيارة جديدة من الجانب الألماني، تقوم بها المستشارة الألمانية "إنجيلا ميركل"، مصطحبة معها وفدًا اقتصاديًا كبيرًا، يُجرى مباحثات سياسية مع الرئيس عبدالفتاح السيسي، والبابا تواضروس الثاني، بطريرك الكرازة المرقسية، وشيخ الأزهر، أحمد الطيب، بشأن العلاقات السياسية والاقتصادية بين ألمانيا ومصر.
زيارة "ميركل" لم تكن الأولى إلى مصر، فقد سبق وقامت بزيارتين متعاقبتين عامي 2007 و2009، لكنها تعد الزيارة الأولى لها منذ تولي الرئيس "السيسي" حكم البلاد، الذي قام بزيارة خاصة إلى ألمانيا خلال منتصف عام 2015 قبل الماضي، والتقى وقتها المستشارة الألمانية للمرة الأولى.
العلاقات الألمانية- المصرية
قبل سرد تقديرات الخبراء عن هدف الزيارة، وأبرز الملفات التي سيتم الحديث عنها، نلقى الضوء على العلاقات المصرية- الألمانية التي بدأت عام 1957، وتعيش حاليًا أزهى مراحل التفاهم والتعاون، لاسيما على مستوى الصفقات العسكرية والسياسية التي يعقدها الطرفان كل فترة أمام العالم.
كانت برلين من أوائل الدول الداعمة لثورة 25 يناير، وشاركت ألمانيا في المؤتمر الاقتصادي الذي عقد بمدينة شرم الشيخ بوفد رفيع المستوى، كما شارك عدد من ممثلي الشركات الألمانية الكبرى بالمؤتمر الاقتصادي، إذ تعد مصر من أكبر الدول التي تحظى بمساعدات إنمائية من ألمانيا.
وأخيرًا أيضًا كان للجمهورية الألمانية دور إيجابي في دعم مصر، عبر توقيع عقود اقتصادية وتسليحية مهمة لم توقع مثلها مع مصر منذ بدء العلاقات الدبلوماسية مع برلين، الذي دفع حجم التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري بينهما يصل إلى 5 مليارات يورو مطلع العام الحالي، وفقًا لآخر تقديرات جمعية الصداقة الألمانية المصرية.
ملف السياحة الألمانية
يأمل كثيرون أن تضخ تلك الزيارة المبشرة الدماء في شرايين السياحة الألمانية إلى مصر، التي توقفت تحديدًا تجاه مدينة شرم الشيخ منذ عام 2014، إثر تفجير شاحنة للسياح في طابا، لتقوم 7 دول بتحذير رعاياها من السفر للقاهرة، كانت ألمانيا من بينها.
أخيرًا تجمعت مؤشرات عدة، تؤكد قرب عودة السياحة الألمانية بشكل كامل، لاسيما أن حظرها أدى إلى تراجع السياحة الألمانية إلى مصر بنسبة 50% خلال إبريل الماضي، وفقًا للسفارة الألمانية، إلا أن القاهرة أعلنت على لسان السفير بدر عبدالعاطي، مساعد وزير الخارجية آنذاك، أن شرم الشيخ لا تزال تستقبل أفواج السياح الألمان في أكتوبر الماضي.
استقبال اللاجئين
كذلك كان التعويل الأكبر على هذه الزيارة، هو بحث ملف أزمة اللاجئين حول العالم، لاسيما أن ألمانيا كانت أول من اقترحت فكرة استقبال مصر للاجئين، بعدما وضعت الكثير من دول أوروبا وأمريكا شروطًا تعسفية في استقبالهم، بحجة الخوف من العمليات الإرهابية والضغوط الاقتصادية.
زاد الحديث عن ذلك الأمر في أواخر عام 2016، على لسان كبير متحدثي المستشارة الألمانية "كريستوف هيوسجن"، الذي اقترح أن المهاجرين الذين يحاولون عبور البحر المتوسط إلى أوروبا يمكن أن يتم إرسالهم إلى مصر، بموجب خطة مثيرة للجدل يتم مناقشتها من مسئولي ألمانيا.
وشمل الاقتراح أن تحصل الحكومة المصرية على مساعدات مالية وتعزيز التعاون الأمني واتفاقيات تجارية من ألمانيا، مقابل نقل قوارب اللاجئين من المياه الدولية إلى مصر بدلًا من أوروبا، لأن نقلهم إلى ليبيا يعد منافيًا للقانون الدولي، مثلما فعلت برلين مع تركيا.
اتفاقية مماثلة مع مصر
تحدث السفير أحمد حسن، مساعد وزير الخارجية الأسبق، بشكل عام عن الزيارة، مؤكدًا أنها توثيق للعلاقات الثنائية بين البلدين، إذ تنظر برلين إلى القاهرة باعتبارها أهم دولة في الشرق الأوسط، على رغم الظروف الصعبة التي تمر بها، كذلك تعتبر ألمانيا من أهم دول الاتحاد الأوروبي.
وأشار إلى أن ألمانيا تسهم بقوة في إنشاء ثلاث محطات كهربائية في مصر، تنتج أضعاف ما تنتجه محطة الضبعة من الكهرباء، لاسيما أن برلين رائدة في مجال الطاقة المتجددة، واستقبلت مصر أخيرًا وفدًا ألمانيًا استثماريًا لبحث مشروعات الطاقة والكهرباء تحديدًا، كي تمتلك مصر أكبر محطة طاقة كهربائية في إفريقيا.
وأوضح أن الزيارة تهدف إلى فتح مجالات أخرى، وتثبيت التقدم الذي حدث على مستوى العلاقات أخيرًا، وبحث أزمة الهجرة غير الشرعية، ومكافحة الإرهاب الفكري، كذلك التطرق لأزمات المنطقة في سوريا واليمن وليبيا والقضية الفلسطينية، في ظل التغييرات الاستراتيجية التي تشهدها أمريكا.
أما عن ملف اللاجئين، فلم يستبعد السفير رغبة ألمانيا في عقد اتفاق مع مصر مثلما فعلت مع تركيا، باستقبال اللاجئين وبناء معسكرات لهم وتوطينهم مقابل 3.2 مليار يورو سنويًا، لاسيما أن تدفق اللاجئين انتقل من بحر البلطيق شرق أفريقيا إلى شمالها، حيث مصر وليبيا والجزائر.
مرحلة مهمة مع ألمانيا
ولم يختلف معه الدكتور مختار غباشي، نائب رئيس المركز العربى للدراسات الاستراتيجية والسياسية، إذ أكد أن الزيارة دليل على خصوصية العلاقة بين البلدين، مشيرًا إلى أن أزمة اللاجئين ستكون أولى ملفات المباحثات، فترغب ألمانيا للبحث عن دور لمصر في أزمة اللاجئين.
ويوضح أن مصر لن تكون بديلًا كاملًا عن برلين في استقبال اللاجئين، ولكنها ستسهم بشكل أو بآخر في حل الأزمة، لأنها تمر بمرحلة مهمة مع دولة مثل ألمانيا، في ظل منطقة تعاني من استقطابات دولية وإقليمية، لا بد أن يكون لمصر فيها دور قوي وواضح.