في أعقاب قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حظر مواطني سبع دول إسلامية من السفر إلى بلاده، تدور تساؤلات، حول نواياه تجاه الدول العربية، وسياساته إزائها.
فما هي الدول الأكثر قدرة على الوصول إلى تحالف مع ترامب؟ في أعقاب سلسلة من القرارات التي وقعها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، استهدفت منع مواطنين من سبع دول ذات أغلبية مسلمة، وأثارت سخطًا كبيرًا داخل الولايات المتحدة وخارجها، ما تزال الدول العربية– التي يهمها هذا القرار أكثر من غيرها– لا تحرك ساكنًا، ولو باحتجاج شفهي.
فهل تصمت هذه الدول أملًا في أن يمدّ لها ترامب يد العون في وقت لاحق، أم أنها تطمع في شراكة معه؛ للخروج من أوقات عصيبة تعانيها، على الصعيدين السياسي والاقتصادي؟
«DW عربية» تلقي نظرة على خمسة شركاء محتملين لترامب في العالم العربي:
1- المملكة العربية السعودية
برز اسم السعودية منذ الحملة الانتخابية لترامب، لاسيما في ظل تناقض تصريحاته حول المملكة، والعائلة المالكة لها، ففي إحدى المناسبات، أكد ترامب أنه سيجبر السعودية ودول الخليج على دفع تكاليف الحرب على الإرهاب، في اتهام ضمني لتلك الدول بدعم الإرهاب. وفي مناسبة أخرى، خلال تجمع انتخابي له في ولاية ألاباما، قال ترامب عن السعوديين: «إنهم يشترون شققا مني، يدفعون أربعين أو خمسين مليون دولار، هل يفترض ألا أحبهم؟ أنا أحبهم جدًا».
لطالما كانت المملكة من أكثر الدول العربية قربًا للإدارات الأمريكية المتعاقبة، لكن هذه العلاقة يشوبها بعض التوتر، خاصة وأن مواطنين سعوديين مسئولون عن مقتل نحو ثلاثة آلاف أمريكي منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول عام 2001، وهو أمر يثير حفيظة الشعب الأمريكي، الذي يحمّل السعودية، وتبنيها للنهج الوهابي المتشدد، مسئولية نشر الفكر المتطرف، وتغذية أيديولوجيات الحركات الإرهابية، مثل "القاعدة" و"داعش".
يضاف إلى ذلك، أن الأمر الرئاسي الذي وقعه ترامب بحظر مواطني دول ذات أغلبية مسلمة من دخول الولايات المتحدة، لا يشمل السعودية أو مواطنيها، وهو ما يثير الاستغراب، بالنظر إلى أن سعوديين مسئولون عن هجمات إرهابية عدة، استهدفت مصالح وقواعد وأفرادًا أمريكيين حول العالم.
الأمر الذي يزيد الأمور غرابة أيضًا، ما نشرته صحيفة «نيويورك دايلي نيوز»، على موقعها الإلكتروني، إذ ذكرت في مقال، صدر السبت الماضي: إن ترامب قام بتسجيل ثماني شركات مختلفة، ومتعددة الأنشطة في السعودية، بُعيد إطلاق حملته الانتخابية في أغسطس/ آب عام 2015، وهي شركات تحمل ماركته المسجلة، ومرتبطة بسلسلة الفنادق والمنتجعات وملاعب الغولف التي يمتلكها، وأضيفت إليها أسماء مدن سعودية، كفندق «THC Jeddah» أو «DT Jeddah» للخدمات التقنية.
حتى لحظة إعداد هذا المقال، لم تصدر السعودية بيانًا رسميًا حول قرار ترامب هذا، ما أثار استغراب عدد من الصحف والمواقع الإخبارية على الإنترنت، وأشعل مواقع التواصل الاجتماعي بالنقد، والاستحسان أحيانا.
2- مصر
ما يزال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يحكم البلاد، في ظل ظروف عصيبة، فموجة الإرهاب في شبه جزيرة سيناء، بدأت بالانتقال إلى المركز، وتدهور الأوضاع الاقتصادية جراء تحرير سعر صرف الجنيه المصري، وإجراءات التقشف، ورفع الدعم عن المواد الغذائية الرئيسية، بدأ يترك بصماته على المناخ العام للشارع المصري، مثله مثل موجات الاعتقال التعسفي، التي طالت الآلاف من الناشطين والمعارضين وغيرهم، ممن أعربوا عن انتقاداتهم للسيسي وإجراءاته.
لذلك، تعوّل مصر على استمرار الدعم الأمريكي لها، من أجل ضمان قدرتها على التحكم في الأزمات الحالية، كما أن تثبيت أواصر التعاون والتحالف السياسي في المنطقة، من شأنه أن يعيد إلى مصر مكانتها، كلاعب رئيسي على الساحة الإقليمية، وهو الدور الذي كانت تلعبه قبل ثورة 25 يناير عام 2011.
وكان المتحدث باسم البيت الأبيض، شون سبايسر، قد أشار إلى أن: ترامب أكد للسيسي، خلال محادثة هاتفية، جرت بينهما الأسبوع الماضي، استمرار الدعم العسكري الأمريكي لمصر، بعد أن كان سلفه باراك أوباما قد علقها لفترة وجيزة، في أعقاب عزل الرئيس المصري الأسبق محمد مرسي، في يوليو عام 2013. وتبلغ قيمة هذه المساعدات العسكرية نحو 1.3 مليار دولار.
إلى ذلك، وكما هو الحال بالنسبة للسعودية، فإن صحيفة «نيويورك دايلي نيوز» تشير: إن ترامب قام بتأسيس شركة في مصر، لا نشاط لها على الأرض حتى الآن، وتنحصر مهمتها في الحفاظ على الماركات المسجلة لأعمال ترامب هناك. هذا ويشار إلى أن تقريرًا لوزارة الخارجية الأمريكية، قال: إن مواطنين مصريين تسببوا في مقتل 162 أمريكيًا، جراء هجمات إرهابية بين عامي 1975 و2015. ومع ذلك، لا توجد مصر ضمن الدول المشمولة بحظر السفر إلى الولايات المتحدة.
3- الإمارات العربية المتحدة
ربما تكون قائمة الأعمال والمشاريع التي يمتلكها الرئيس الأمريكي أوضح في الإمارات، لاسيما في إمارة دبي؛ حيث يمتلك مضمارين للغولف، وحيًّا بأكمله، يتألف من فيلات فاخرة، ما يزال قيد الإنشاء.
وبالرغم من أن الإمارات– مثلها مثل مصر والسعودية– ليست مشمولة بقرار حظر السفر إلى الولايات المتحدة، إلا أن تقرير وزارة الخارجية الأمريكية يشير إلى أن مواطنين إماراتيين مسئولون عن مقتل 314 أمريكيًا، بين عامي 1975 و2015.
لربما تكون علاقة ترامب التجارية والسياسية أكثر غموضًا في الإمارات، لاسيما في ظل الشراكة التي تربطه برجل الأعمال حسين سجواني، الملياردير الإماراتي، الذي يمتلك شركة «داماك» للتطوير العقاري، والتي تمتد من الجانب التجاري إلى الجانب الشخصي؛ إذ تربط عائلة ترامب وسجواني صداقات، لطالما امتدحها ترامب، حتى بعد توليه الرئاسة رسميًا.
هذه الشراكات والصداقات- علمًا بأن ترامب تربطه أيضًا علاقات صداقة وشراكة مع حاكم دبي، الأمير محمد بن راشد آل مكتوم- تضع الرئيس الأمريكي الحالي في وضع معقد؛ إذ يمنع الدستور الأمريكي حصول الرئيس على أي أموال أو أرباح من حكومات أجنبية بشكل مباشر أو غير مباشر. وفي ظل رفض ترامب للتنازل عن ملكية شركاته ومشاريعه بعد توليه الرئاسة، فإن هذا الأمر قد يمهد لدعوى قضائية ضد ترامب، قد تكلفه– في أسوأ الأحوال– المكتب البيضاوي.
لكن هذه العلاقات الوثيقة، وتقاطعات المال والسياسة– بالإضافة إلى السكوت الإماراتي عن قرارات ترامب– كلها جزء من السياسة الخارجية الإماراتية، التي تعتمد على استخدام الموارد المالية المهولة لهذه الدولة الخليجية في اللعبة السياسية، سواء على الصعيد الإقليمي أو الدولي.
4- المغرب
للمغرب– تاريخيا– مواقف مناصرة للحزب الجمهوري في الولايات المتحدة، بحكم العلاقات الحميمة التي تربط الحزب بالسلطة في المغرب. وباستثناء الانتخابات التي ربحها دونالد ترامب، والتي ساند فيها المغرب غريمته الديمقراطية هيلاري كلينتون، لم تحد الرباط عن هذا الخط، ولربما كان هذا الاستثناء مرده تصريحات ترامب أثناء حملته الانتخابية، والتي أشار فيها إلى المغرب كأحد البلدان التي ينبع منها الإرهاب.
لكن عددًا من المحللين السياسيين أكدوا أن هذا الموقف يجب أن يُقرأ في إطار الحملة الانتخابية لترامب، وأن وجوده كرئيس للولايات المتحدة، والتأكيدات الصادرة من إدارته، بضرورة التعاون مع عدد من دول المنطقة، بما فيها المغرب؛ لمحاربة الإرهاب والتطرف الديني، سيعيد إلى العلاقات «المغربية - الأمريكية» الدفء، الذي لم يكن سائدًا إلى حد كبير، أثناء فترة رئاسة أوباما.
وتبقى– لاستكمال أوجه هذه العلاقة– إشكالية قد يواجهها المغرب مع إدارة ترامب مستقبلًا، إذا ما أصرّ الأخير على تطبيق وعده لإسرائيل بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وهي بادرة لم يسبق لأي رئيس أمريكي أن طبقها على أرض الواقع، وإن كان عدد من الرؤساء قد وعدوا بذلك، مثل رونالد ريغان، وبيل كلينتون، وجورج بوش الابن.
فقد أكد العاهل المغربي الملك محمد السادس، الذي يرأس لجنة القدس، في رسالة للرئيس الفلسطيني محمود عباس: «إن المغرب لن يدخر جهدًا في الدفاع عن هذه المدينة المقدسة، ونصرة أهلها، وصيانة حقوقهم المشروعة، التي يكفلها لهم القانون الدولي، وقرارات الشرعية الدولية، وأحكام اتفاقية جنيف الرابعة». وذلك ردا على تعهدات ترامب.
لذلك، يبقى مفتاح ثبات العلاقات بين الرباط وواشنطن، في عهد ترامب، مدى إصراره على تنفيذ تعهداته، بنقل السفارة إلى القدس، بالإضافة إلى موقف الولايات المتحدة الرسمي من صراع الصحراء الغربية، وتصنيف جبهة البوليساريو.
5- الأردن
بادر العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، كأول زعيم عربي إلى زيارة البيت الأبيض، بعد أداء الرئيس ترامب اليمين الدستورية، وذلك بعد زيارة إلى العاصمة الروسية موسكو، التقى فيها نظيره الروسي فلاديمير بوتين.
زيارة الملك عبد الله الثاني، التي تضمنت أيضًا لقاءات مع نائب ترامب، مايك بنس، وعدد من مستشاريه، تعكس استمرارية الموقف الأردني، الذي يسعى إلى الحفاظ على علاقة ثابتة مع الولايات المتحدة، بغض النظر عن الإدارات المتعاقبة عليها، وتوجهاتها السياسية. وبحكم كون الأردن أيضا في موقع جيوسياسي حساس «بين سوريا والعراق ولبنان وإسرائيل والأراضي الفلسطينية» وانخراطه في التحالف الدولي، الذي تقوده واشنطن ضد تنظيم «داعش»، واستضافته لما يقرب من مليون لاجئ سوري، فإنه سيكون مستفيدًا كبيرًا من أي دعم تقدمه واشنطن له، في ظل ترامب، سواء كان هذا الدعم في صورة تقوية التحالفات السياسية، أو ضخ المزيد من المساعدات العسكرية.
ما يميز الأردن في علاقته مع إدارة ترامب، بحسب ما يرى المحلل السياسي الأردني فهد الخيطان، في مقال على موقع صحيفة «الغد» الإلكتروني: هو دخوله هذه العلاقة بسجل نظيف؛ خلافًا لعدد من الدول العربية الأخرى–سالفة الذكر– وهو ما يمنحه نوعًا من الأفضلية، في أي محادثات تجرى بين الطرفين. كما أن زيارة الملك عبد الله الثاني إلى روسيا– بحسب الخيطان– شكلت إعلانًا لنوايا الأردن، فيما يتعلق بالملف السوري، وهو استعداد المملكة للعب دور الوساطة في أي حل سياسي مقبل لهذه الأزمة.
لكن الأردن ما يزال قلقًا من ملف الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وموقف ترامب الموافق ضمنيًا أحيانًا، واللامبالي أحيانًا أخرى، إزاء توسيع رقعة المستوطنات اليهودية في القدس الشرقية والضفة الغربية، وهو ما يشكل خرقًا لاتفاقيات الأمم المتحدة، وقرار مجلس الأمن الأخير. شأن الأردن في ذلك شأن المغرب. ويبقى هذا الموقف مرهونًا بتنفيذ ترامب لتعهده، بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، الأمر الذي يبعث رسالة قوية لا لبس فيها إلى حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بالمضي قدمًا في مخططاتها، وتأجيل أي بوادر لحل سلمي إلى أجل غير مسمى.