نجحت القوات المسلحة فى فرض حصار قوى على الجماعات الإرهابية فى سيناء، وتجفيف منابع تمويلها وقطع خطوط إمدادها بالسلاح، الذى تدفق إليها بغزارة عبر الأنفاق مع قطاع غزة، وتمت هذه العمليات بالتنسيق مع التنظيمات الإرهابية الكبرى فى سوريا وليبيا، عبر مجموعة من الوسطاء خلال السنوات الماضية. الإحصائية الأخيرة التى أعلنتها قوات حرس الحدود عن حجم المضبوطات من السلاح والمخدرات تكشف بوضوح عن الحجم الضخم لاقتصاديات التنظيمات الإرهابية فى سيناء، إذ تمكن حرس الحدود من تدمير 67 نفقًا، والتحفظ على مضبوطات بـ2.7 مليار جنيه خلال عام واحد، كما تم ضبط 1738 قطعة سلاح مختلفة الأنواع، و380 كيلوجرامًا من المتفجرات بما يوازى 29 مليون جنيه و743 ألفًا، وضبط 118 طن بانجو جاف، و17 طنًا من الحشيش المخدر، بما يساوى 1.8 مليار جنيه. المضبوطات شملت أيضًا 32 مليون قرص مخدر، و413 كجم هيروين وكوكايين وأفيون 413 كجم، والقضاء على 175 فدان بانجو وخشخاش، كما تم توقيف 12192 شخصًا من جنسيات مختلفة بإجمالى 434 قضية موزعة بين تسلل وهجرة غير شرعية، كذا تم ضبط عملات مهربة بقيمة «14.765.441» مليون جنيه عملات مختلفة «جنيه مصرى - دولار أمريكى - جنيه إسترلينى - ريال سعودى - دينار ليبى - جنيه سودانى». بلغ إجمالى القيمة التقديرية لجميع المضبوطات ما يوازى 2.8 مليار جنيه تقريبًا، وهو رقم ضخم بالنسبة لتنظيمات محلية، وفى السطور التالية نحاول شرح مصادر تمويل الجماعات الإرهابية وفق الظروف السياسية الداخلية والإقليمية بالمنطقة، خاصة بعد إعصار الثورات العربية الذى ضرب المنطقة بأكملها منذ 2011 وما أثير من تبعاته حتى الآن.
قبل 2011.. أموال البانجو والحشيش
مثلت جغرافيا سيناء الوعرة والمدن والقرى الحدودية البعيدة بيئة مماثلة لجبال أفغانستان، مما جعل منها مقصدًا لجميع العناصر العائدة من تنظيم القاعدة بأفغانستان، الذى تلقى إمدادات مالية من قيادات التنظيم بالخارج لتكوين خلايا إرهابية كذراع للتنظيم الأم.
ومع الضربات المتلاحقة التى تلقاها التنظيم بأفغانستان، انقطعت مصادر التمويل عن العناصر العائدين. ما دفع تلك العناصر للاتجاه نحو زراعة البانجو والخشخاش والقنب الهندى، فى المناطق الجبلية وخصوصًا فى وسط وشمال سيناء، كذا تهريب السلاح، وتجارة البشر والأعضاء البشرية، من أجل توفير الأموال اللازمة لها، وتسهيل مرور اللاجئين الأفارقة لإسرائيل وفرض إتاوات عليهم.
مع حلول العام 2007 وسيطرة حركة حماس على الأوضاع فى غزة، راجت تجارة الأنفاق التى تعود إلى الثمانينيات، والتى كانت مقصورة على عدد محدود جدًا من الأنفاق تستخدم لأهداف سياسية لتمرير الأسلحة، والموارد اللوجيتسية، والتبرعات، ثم سرعان ما تحولت إلى تجارة ضخمة يتم من خلالها تهريب المواد الغذائية والبترولية والمواشى والسلع الاستراتيجية من مصر إلى القطاع، وفى المقابل يحصل الإرهابيون على السلاح والتدريب.
2011.. 1.5 مليار حجم أرباح الأنفاق سنويًا
عقب قيام ثورة 25 يناير استغلت التنظيمات الإرهابية حالة الانفلات الأمنى وانهيار جهاز الشرطة وهروب المئات من قيادات التنظيمات الدينية فى عمليات اقتحام السجون، وكذا انهيار النظام الليبى وانتشار الأسلحة المتطورة والنوعية فى ليبيا خاصة لدى العناصر السلفية الليبية، وحدث تعاون بين الجماعات السلفية الجهادية الفلسطينية والمصرية لنقل كميات كبيرة من الأسلحة إلى البلاد وقطاع غزة.
نشطت الجماعات الإرهابية فى الاعتماد على تهريب المخدرات والسلاح، مضيفة إلى مصادر تمويلها سرقة السيارات وتهريبها إلى غزة، حيث بلغ عدد السيارات التى تم تهريبها عبر الأنفاق خلال عام 2011 أكثر من 13 ألف سيارة، عبر ما يقرب من 450 نفقا رئيسا و750 نفقا فرعيا بإجمالى 1200 نفق، ثم ارتفع هذا الرقم إلى 1600 نفق بعد ثورة 25 يناير ووصل الدخل السنوى للتجارة عبر الأنفاق إلى مليار ونصف المليار دولار. كما اعتمدت الجماعات الإرهابية فى مرحلة لاحقة على سرقة الصرافات وعمليات السطو المسلح على المؤسسات المالية والبنوك، فتعددت حوادث السطو المسلح مثل هجوم ملثمين على صراف بمديرية جهاز التعمير جنوب سيناء عقب خروجه من البنك الأهلى وبحوزته رواتب الموظفين، وإيقاف مجهولين لصراف آخر بإدارة الأوقاف بمدينة رفح.
2012.. تجارة الأعضاء البشرية فى عهد مرسى
مع وصول جماعة الإخوان للحكم وقيام الرئيس الأسبق محمد مرسى بالإفراج بعفو رئاسى عن عدد من قيادات تلك الجماعات، وتسهيل عملية التواصل بين الجماعات الإرهابية فى سيناء ونظيرتها فى غزة وليبيا وسوريا، فإن انتعاشة تمت بدعم مادى من دول راعية للإرهاب مثل قطر وتركيا.
وانتشرت ببعض مدن سيناء أنفاق وغرف سفلية يستخدمها مهربو البشر كغرف احتجاز وتعذيب للمهاجرين الأفارقة، الذين يرغبون فى دخول إسرائيل عبر سيناء، طلبا للفدية، وحتى عند دفع الفدية فقد يتم بيع الرهائن لعصابات أخرى تطلب بدورها فدية جديدة، وإذا لم يتم الدفع تكون النتيجة التعذيب والموت أو استخدام الرهائن فى عمليات تجارة الأعضاء.
2013.. اختطاف المسيحيين وطلب الفدية
بعد الإطاحة بجماعة الإخوان فى 2013، وتضييق الخناق على تلك الجماعات التى كانت قيادات الإخوان سمحت لها بالتمدد فى سيناء والإفراج عن بعض أبرز قياداتهم، انتهج تنظيم بيت المقدس، خطة لإرهاب المسيحيين، وقام التنظيم بعدد من عمليات الاختطاف وطلب فدية كبيرة، وهو ما يؤكد احتياج تلك الجماعات للتمويل بعد تجفيف منابع التمويل وإغلاق الأنفاق، مما جعلهم يحاولون إيجاد مصادر إضافية للحصول على أموال من خلال ابتزاز أهل الضحايا. من بين حالات خطف المسيحيين بسيناء، اختطاف الشاب مينا مترى الذى يبلغ من العمر 23 عامًا وتمت مطالبة أسرته بفدية كبيرة، وهو أحد الضحايا الذين تمت إعادتهم لأهلهم على قيد الحياة، أيضًا واقعة خطف مجدى لمعى الذى تم اختطافه وطلب فدية من أسرته، وعلى الرغم من تسديد الفدية المطلوبة إلا أنه تم العثور عليه مذبوحا مفصول الرأس، وكانت سيارة يقودها ملثمون قاموا باختطاف لمعى الذى يبلغ من العمر 55 عامًا تحت تهديد السلاح واقتياده إلى جهة غير معلومة، قبل أن يتم العثور عليه مذبوحًا. كذلك صاحب مزرعة بجوار مطار العريش بمنطقة الطويل يدعى شنودة رياض موسى قامت أسرته بدفع فدية 600 ألف جنيه لإطلاق سراحه.
2014.. «داعش» يستولى على نفط ليبيا وسوريا
فى أكتوبر 2014 أعلنت الحكومة إقامة منطقة حدودية عازلة بطول الشريط الحدودى الفاصل بين الأراضى المصرية وقطاع غزة بعمق يزيد على 1500 متر، وبطول 14 كم لإفشال أى محاولة للتسلل عبر الحدود من قبل الجماعات الإرهابية، وتجفيف منابع التمويل المالى وهو ما انتهى بمبايعة تنظيم «أنصار بيت المقدس» لأبوبكر البغدادى أمير تنظيم داعش فى نوفمبر 2014، مما ضمن لتلك الجماعات إمدادًا ماليًا ضخمًا مرتبطًا باستيلاء تنظيم داعش على مناطق نفط بليبيا وسوريا، مكنت التنظيم من بيع أكثر من حوالى 70 ألف برميل نفط يوميًا.