عم «عبد السلام» مصاب في المعركة: «قولوا للناس اللي بتتخانق على نسب الجزيرتين في ناس ماتت عليهم»
«أميرة» فقدت شقيقها وخطيبها في يوم واحد فأصيبت بشلل.. ووالدها: أنا عجوز قاعد ببنته المشلولة سنين دفاعا عن أرض الوطن
«أميرة»: «دمي ماتحرقش يوم الخبر المشؤوم قد مابيتحرق كل ما بسمعهم يتكلموا عن تيران.. دمنا وترابنا رخصوا أوي!»
«آمال» تروي قصة عمها الشهيد حسني: دافعين تمن أرضنا من دمنا ودموعنا وأرفض التنازل عنها.. #تيران_وصنافير_مصرية
« يا شعب ياللى دفع تمن الشوارع دم.. احفظ أسامى اللى ماتوا فى الشوارع صم».. هكذا يربط المصريون دوما بين الأرض والدم، يعرفون أنهم يدفعون وسيدفعون كل يوم ثمن الأرض دما.
في 23 مايو 1967، دوت إذاعة القاهرة بإعلان الرئيس الراحل جمال عبد الناصر إغلاق مضيق تيران المؤدي إلى خليج العقبة أمام الملاحة الإسرائيلية، وفي يوم 5 يونيو من العام نفسه اندلعت حرب 67، واستشهد وأصيب المئات من أبناء الوطن في غزة وسيناء وتيران وصنافير، ومن بينهم الأصدقاء الثلاثة الشهيدين «حسني ومحمد» والمصاب «عبد السلام».
ولا يزال أقارب الشهداء يحفظون أسمائهم وأماكن استشهادهم.. واليوم يشعر أولياء دم الشهداء بغصة تكوي قلوبهم مع إعلان الحكومة اتفاقية ترسيم الحدود مع السعودية مع ما تضمنته من تسليم جزيرتي تيران وصنافير للمملكة، فهل تقدر حكومة المهندس شريف إسماعيل، على مواجهة «عبد السلام» أحد المصابين في معركة الدفاع عن المضيق، و«أميرة» التي فقدت اثنين من أغلى الناس عندها شقيقها وخطيبها، لتصاب بشلل نصفي يلازمها حتى اليوم، و«آمال» التي فقدت عمها؟!
«حسني ومحمد».. صديقان استشهدا في يوم واحد
«دمي ماتحرقش يوم الخبر المشؤوم قد مابيتحرق كل ما بسمعهم يتكلموا عن تيران، دمنا وترابنا رخصوا أوي!».. تقولها «أميرة محمود عطية»، وهي تغالب دموعها.
تتذكر «أميرة» أسوأ لحظة في حياتها، قائلة لـ«البداية»: الخبر جالي من والدي، قال لي بالنص: «حسني ومحمد استشهدوا يا أميرة».. واستمر الصمت دقائق، ليعقبه إصابتي بشلل نصفي.
والد أميرة يقصّ حكايته وحكاية ابنته قائلا: «أميرة اتخطبت وهي عندها 18 سنة، حسني كان صديق أخوها محمد الروح بالروح، كانوا أكبر منها بسنتين.. فضلت سنة مخطوبة، لحد ماجلنا الخبر، كان يوم إثنين ..أنا فاكر، وفي يوم واحد فقدت أهم اتنين في حياتها».
ويواصل: «بنت عندها 19 سنة اتشلت، وأمها توفت بعد الواقعة.. وأنا عجوز قاعد ببنته المشلولة من سنين، ليه؟ دفاعا عن أرض الوطن!»
ولـ«حسني».. قصة دراماتيكية
في سنة 1971، تسلمت أسرة الجندي حسني السيد داوود، أوراق استشهاد ابنها المفقود منذ عام 1967، فطبقا لقوانين الجيش يعتبر المفقود شهيدا بعد 4 سنين من فقدانه، ومع هذا عاش أشقاء حسني على أمل أن يكون حيا، وأقاموا عزاء صوريا لأبنهم، إلا أن العزاء الصوري انقلب بشكل دراماتيكي.
تحكي «أمال محمود» ابنة شقيق الشهيد تفاصيل ما حدث قائلة: «بابا قالي أنه قال لعمي حسن في العزاء تصور حسني يدخل دلوقت ويعرف إن ده عزاه هيعمل إيه، قاله ولا حاجة هيقلب العزا رقص، أنت مش عارفه يعني الدنيا كلها عنده ضحكة ونكتة أهي دي حتبقى أكبر نكتة في حياته».
دقيقة ومرّ «عبد السلام» صديق عمي الشهيد حسني، لقى عمي وبابا قاعدين في أول العزاء، دخل وسأل عمي: «مين اللي مات يا حسن؟ قاله أبدا ده مجرد عزا صوري عشان بعتوا لنا أوراق إنهم اعتبروا حسني شهيد بعد مرور 4 سنين، فرد عبد السلام وقاله: البقية في حياتكم، عمي ما فهمش قاله لأ ده عزاء صوري بقولك، قاله البقية في حياتكم يا حسن حسني مات يومها الساعة 9 الصبح وسامحني إني ماقدرتش أكون حامل الخبر وقتها».
تتوقف «أمال» قليلا، قبل أن تضيف لـ«البداية»: «عقد العائلة انفرط أول ما عمي الصغير دخل الجيش، كان والدي في السجن لأنه محامي اشتراكي، وعمي الآخر يواصل دراسته، الحرب قامت وهو في الجيش..شاب عنده 21 سنة، لم يفقه أمرا في السياسة أو الحروب، لكن حارب عشان يدافع عن أرضه، ولما استشهد، جدتي توفيت حزنا عليه، وجدي أصيب بالشلل، ووالدي اتقبض عليه تاني ودخل السجن السياسي، وعمّي حسن تولى تربيتي ورفض الزواج».
وكتبت «أمال» في تدوينة على صفحتها على فيس بوك تقول: «مات عمي وقرة عين أهلي متقطع حتت في خان يونس يوم 5يونيو و عمره21سنة و10شهور و16 يوم.. حرب 67 قامت عشان عبد الناصر قفل مضيق تيران في وش الصهاينة، عمي دفع دمه الغالي مهر لأرضنا الغالية، كل دمعة حسرة من عين جدي وابويا وعمي تمن غالي قوي.. إحنا دافعين تمن أرضنا من دمنا ودموعنا ..دافعين مهرك غالي يامصر، ودمنا مش للبيع».
واختتم تدوينة رفض بيع الأرض قائلة: «أنا آمال محمود عطية السيد، من أولياء دم الشهيد حسني عطية السيد أرفض التنازل عن أرضي وأرض جدودي وأرض أبويا وأعمامي وولادي.. #تيران_وصنافير_مصرية»
«عبد السلام».. الشاهد على المعركة: رجعت مشلول
«أنا اللي رجعت فيهم، بس رجعت مشلول، وإيه الفرق؟»، بهذه الكلمات بدأ الجندي عبد السلام صديق الشهيد «حسني»، حديثه معنا، قبل أن يضيف: «رجعت البيت.. بس ولا فيه شغلانة عارف اشتغلها، والمعاش مفيش حيوان يعرف يعيش بيه، والأهل ..أمي ماتت بعد ما رجعت بسنتين، وزوجي تركتني، فين الحياه هنا!»
ويضيف عبد السلام: «حياتنا ضاعت على شوية تراب مصري، متنا وهنموت عليهم، وانهاردة الناس بتتخانق على نسب الجزيرتين وأهميتهم لينا، قولوا ليهم في ناس ماتت عليهم».