عشقت الفن منذ طفولتها وكانت تحلم بالنجومية منذ دخولها محراب الفن وظلت تحاول وتثابر وبموهبتها وصلت للنجومية ولا يختلف اثنان على أن الفنانة الراحلة مديحة كامل كانت تتمتع بموهبة مكتملة الأركان فى مجال التمثيل فملامح وجهها كانت أداة من أهم أدواتها فى التعبير ولم يمنحها المخرجون حقها لفترة طويلة جدا حتى جاءتها الفرصة فى فيلم " الصعود إلى الهاوية " فاقتنصتها وانفتحت لها أبواب النجومية وأدوار البطولة بعدما ظلت حبيسة الأدوار الثانية، واليوم هو ذكرى رحيل تلك الفنانة الرائعة.
 
الفنانة مديحة كامل اكتشفها الفنان سمير غانم وهو من رشحها لأول أدوارها فى السينما أمام فريد شوقى فى فيلم " 30 يوم فى السجن " الذى كان بداية معرفة المخرجين والمنتجين بها وربما لم تكن مديحة كامل أجمل فنانات جيلها أو أكثرهن شهرة، لكن الأمر المؤكد أنها فنانة ذات طابع خاص، وتميزها كان فى طبيعة شخصيتها و طريقة اختيارها لأدوارها.
 
قدمت الراحلة الكثير من الأدوار الثانوية والصغيرة فى العديد من الأفلام مثل: العقل والمال، مطاردة غرامية، هو والنساء، أما أشهر أدوارها فى تلك المرحلة فكان فى فيلم 30 يوم فى السجن إخراج نيازى مصطفى، وبطولة فريد شوقى، أبو بكر عزت، نوال أبو الفتوح وإذا كانت فترة الستينات شهدت بدايات مديحة كامل، فإنها استطاعت فى السبعينات إثبات موهبتها الفنية فى العديد من الأفلام التى جسدت فيها الدور الثانى، وكان من أهم تلك الأفلام، أختى، أغنية على الممر، حب وكبرياء، البنات والمرسيدس، السكرية، فى الصيف لازم نحب و أبناء الصمت لكن دور عمرها كما ذكرنا كان فى فيلم " الصعود إلى الهاوية " فقد كانت قبل هذا الفيلم بعيدة عن أدوار البطولة مثل نجمات جيلها، حتى جاءتها فرصة عمرها فى هذا الفيلم الذى أعطاها النجومية التى ظلت تحلم بها طوال حياتها.
 
ولهذا الفيلم قصة ذكرها الناقد كمال رمزي في إحدى كتاباته قائلا : رفضت نجمات الصف الأول في تلك الأيام سعاد حسنى، نجلاء فتحى، ميرفت أمين، شمس البارودى، نيللى، هذا الدور وذلك لأنهن اعتقدن ـ وربما معهن بعض الحق ـ أن هذا الدور لا يتلاءم مع شخصياتهن الفنية، وأن قيامهن بدور جاسوسة تخون وطنها سيؤثر بالسلب على جماهيريتهن، وبدا ترحيب كمال الشيخ بأن ترتقى ممثلة الأدوار الثانوية مديحة كامل إلى الدور الأول رهاناً غير مأمون العواقب، كما بدا قبول مديحة كامل لأداء هذه الشخصية مغامرة تحمل قدراً كبيراً من الخطورة، بعبارة أخرى بدت البطولة المطلقة الأولى لمديحة كامل كما لو أنها جاءت لها من باب المصادفة، ولكن بعد نجاحها الكبير فى هذا الفيلم، ومع توالى أدوارها ذات الطبيعة الخاصة التى تحمل شيئاً ما من شخصية "عبلة" يدرك المرء أن إسناد دور عبلة لها ليس مجرد مصادفة ذلك أنه ذهب لها كما ذهبت هى له، مضيفاً أنه قبل الصعود إلى الهاوية ظهرت مديحة كامل فى عشرات الأدوار الهامشية والثانوية، ارتدت المايوهات الساخنة وقمصان النوم الشفافة، ولكن لم تستطع أن تنافس نجمات الإغراء ناهد شريف، سهير زكى، شمس البارودى، وحاولت أن تكون رقيقة، عذبة، ولكن لم يكن لها أن تضاهى نجلاء فتحى، وميرفت أمين، وبذلت جهداً جاداً كى تثبت نفسها كممثلة متمكنة، لكن كان من الصعب أن تحقق طموحها فى حضور سعاد حسنى و نادية لطفى، لذلك كان لابد لكى تستمر وترتقى، أن تحصل على دور يختلف عن الأدوار السائدة فى أفلام السبعينيات، والتى تذهب تلقائياً لنجمات راسخات، ووجدت مديحة كامل بغيتها فى الصعود إلى الهاوية الذى فتح لها باب النجومية على مصراعيه.
 
لم تتوقف مديحة كامل عند النجاح الذى حققته فى الصعود إلى الهاوية، إذ انطلقت بعده لتقدم أفلاما عديدة ناجحة مع أهم المخرجين، لتثبت أنها تستحق أن تكون نجمة أولى، فقدمت الرغبة مع محمد خان، عذاب الحب مع على عبد الخالق، الجحيم مع محمد راضى، عيون لا تنام مع رأفت الميهى، ملف فى الآداب لعاطف الطيب، وأفلام أخرى كثيرة نالت نجاحاً نقدياً وجماهيرياً كبيراً.
 
وعلى الرغم من كونها نجمة سينمائية فى الأساس، إلا أنها قدمت العديد من الأعمال المسرحية والتليفزيونية التى حققت نجاحاً كبيراً، ففى المسرح قدمت هاللو شلبى، الجيل الضائع، حلو الكلام، يوم عاصف جدا والتى تعد من أهم مسرحياتها ، وفى التليفزيون قدمت العديد من المسلسلات مثل العنكبوت، الأفعى، الورطة، ينابيع النهر، وكان أخر أعمالها التليفزيونية مسلسل البشاير.
 
 
الفنانة نادية لطفى كان لها مع مديحة كامل موقف لم تنساه الفنانة الرقيقة قائلة في أحد حواراتها الصحفية : أنا إنسانة طيبة وحسنة النية، لكننى كثيراً ما أندم على هذه الطيبة، فقد صادفتنى متاعب لا حصر لها نتيجة طيبتى وحسن نيتى، وتعلمت ألا أكون بسبب هذه المتاعب بهذه الطيبة، وقد ساهمت نادية لطفى فى أن أتعلم هذا الدرس جيداً، ذات يوم كنا فى استديو الأهرام، ووجدتنى اتصرف بطيبة زائدة على الحد فى موقف لا يحتاج لأى حسن نية، فأخذتنى جانباً وصرخت فى وجهى قائلة، لابد أن تكونى إنسانة قوية، إنسانة تعرف كيف تدافع عن نفسها وحقوقها، إما هذا وإما تتركين الحياة العامة، وتذهبين لبيتك، ومن يومها أصبحت أحرص على أن أدافع عن حقوقى.
 
 
برغم نجومية مديحة كامل إلا أنها كانت دائمة التفكير في الاعتزال ثم تتراجع فى اللحظات الأخيرة، فأثناء تصوير فيلم ملف فى الآداب عام1985 أظهرت الرغبة فى اعتزال السينما، وقالت إنها تفكر جدياً فى الاعتزال والتفرغ لإنشاء مكتب ديكورات حتى لا تشارك فى الأعمال الهابطة، وفى العام التالى 1986 قالت إنها تستعد للاحتجاب عن الوسط الفنى فى المستقبل القريب، وربما تعمل فى الديكور أو صاحبة محل للورود.
وفى عام 1988 قررت أن تظهر فى صورة جديدة من حيث الملابس ونوعية الأدوار، ووضعت مجموعة من المحاذير فى الأعمال السينمائية، وقالت أن ارتداء الحجاب ربما يكون الخطوة التالية عندما تغير المهنة، أما عام 1992 فقررت تنفيذ قراراها بالاعتزال، فأثناء تصوير دورها فى فيلم بوابة إبليس أعلنت اعتزالها التمثيل نهائياً وارتداء الحجاب، بل ورفضت تصوير باقى مشاهدها بالفيلم، مما اضطر المخرج عادل الأعصر للاستعانة بدوبليرة لاستكمال مشاهدها.وقد رفضت مديحة كامل حينها التحدث فى أسباب هذا القرار، ورفضت إجراء أى حوارات صحفية أو تليفزيونية، إلا أنه عقب وفاتها بسنوات نشر في إحدى المجلات تفاصيل عن أسباب اعتزالها على لسانها فقالت : زهدت العمل والدنيا، كنت أتحاور مع نفسى وأنا فى غرفة الماكياج استعداداً لمشهد أقوم بتمثيله فى البلاتوه، وأقول لنفسى أنا بعمل إيه .. إلى متى، وبعدين كنت أشعر أننى غريبة عن الوسط الفنى، كنت أذهب يومياً للاستديو، وبالرغم من حب الناس لى، إلا أننى كنت أشعر بغربة شديدة، أحسست إنى أريد أن أترك المجال، هذا ليس إساءة للوسط الفنى، بالعكس أنا أحترم هذا الوسط جدا، لكن كل هذه أحاسيس خاصة بى، كنت أكسب بالآلاف ومش عارفة فلوسى بتضيع فى إيه، مش حاسة بطعم الأكل ولا عارفة راحتى فين، كنت تعبانة.
وتضيف: حاولت أن أعمل عملاً آخر، أن أقوم بعمل مشغل تريكو صغير ابدأ به حياتى الأخرى، طلعوا شائعات ولم يتركونى فى حالى، وقالوا مفيش شغل بيتعرض عليا، ومفيش مخرجين بيحبوا يسندوا لها بطولات رغم أننى كنت أمثل ثلاثة وأربعة أفلام فى السنة، وأثناء هذا الوقت مرضت أمى قبل اعتزالى بعام، وبدأت رحلة التأمل وإعادة الحسابات مع نفسى، أدركت أن المرض ليس له ميعاد، من هنا شعرت أن الحياة ليس لها أمان.
وبرغم اعتزالها الفن إلا انها لم تتبرأ من أعمالها ولم تقل إن الفن حرام بل أنها قالت إن الفن ليس وصمة عار، بالعكس ده رسالة سامية وعظيمة، الفنان قدوة للمجتمع لأنه يقدم نماذج شخصيات تفيد الجمهور، فأنا مثلا قدمت دور عبلة فى الصعود إلى الهاوية، وهو دور أعتز به، وأحب أن أشاهده دائما فى التليفزيون، وهو دور يوضح العقاب الذى يلقاه أى إنسان يخون وطنه، ثم أننى أرى أن من يحرم الفن هو الذى فعل الحرام فحرمه، فمن يقول إن الفن حرام يتكلم عن نفسه فقط، ولا يعمم الحرمانية على الفن كله".
 
وبعد الاعتزال عاشت مديحة كامل حياة أكثر هدوءاً وطمأنينة مع ابنتها وزوج ابنتها، وتقبلت إصابتها بمرض سرطان الثدى بصبر وإيمان، وظلت تعانى من آلامه في السنوات الأخيرة، ورغم آلام المرض كانت حريصة على أنشطتها الدينية والخيرية والاجتماعية، وكل هذا بعيداً عن الأضواء وبريق الإعلام والشهرة والنجومية، وكانت تدعو الله دائما فى صلاتها أن يكون رحيلها فى شهر رمضان، وأن تموت فى فراشها، وبالفعل استجاب الله لدعائها، وفي منزلها يوم 13 يناير 1997 الذى صادف الرابع من شهر رمضان توفيت مديحة كامل بعد أن صلت صلاة الفجر جماعة مع ابنتها وزوج ابنتها، ليكون رحيلها فى نفس يوم ميلادها.