"ومنين بيجى الشجن؟".. من صوت محمد الحلو، هذا الصوت الشجى الحساس النغوم، و"منين بيجى الرضا"؟.. من قناعته بتاريخه وفنه وعطاءه.. ومنين بيجى الحنين؟.. من سموه بمشاعر جمهوره إلى زمن الفرحة والحب.
محمد الحلو هو "المغرم صبابة" بإسكندرية وناسها وبحرها ورمالها، والهائم شوقا فى حب مصر: "ياسمرا ياللى الهوى رمانى.. وتهت فيكى وضاع زمانى.. يحدفنى بحرك لبر تانى.. يجيبنى شوقى أو تندهيلى..أهيم شوقا أعود شوقا إلى لماكى وسلسبيلى".. وأيضًا هو مرادف لـ"البراءة" فى زمن ضاعت فيه ملامح الأغنية العربية، لذا بدأ الفنان الكبير حديثه مترحمًا على زمن الغنوة الحلوة واللحن الشجى، حيث يقول تلخيصا لما وصل إليه الفن المصرى :"ليه يا زمان ما سبتناش أبرياء وواخدنا ليه فى طريق مامنوش رجوع.. أقسى همومنا يفجر السخرية وأصفى ضحكة تتوه فى بحر الدموع".
سألته كلامك يؤكد أننا لن نعود للريادة مرة أخرى؟.. رد :"عايزنا نرجع زى زمان قول للزمان ارجع يا زمان، الأغنية المصرية غير مستقرة عندما تسمعها تشعر أن بها كهرباء زيادة، وقد تكون تأثرت بالحالة الاقتصادية والاجتماعية والتحولات التى مرت بها البلد فى السنوات الأخيرة، لكنها تتحول من سىء إلى أسوء".
ويضيف محمد الحلو :"الزمن تغير، وكل جيل له فرسانه فى السمع، مثلا أيام الست أم كلثوم والأستاذ محمد عبد الوهاب والعندليب عبد الحليم حافظ، كان الجمهور يحفظ كل حرف فى الأغنية مع اللحن ويرددها بصوته بلذة ومتعة، وعندما تولينا نحن القيادة والريادة كان هناك فرسان أيضًا يستمعوا لنا ويطربوا لأغانينا، لكن الزمن الآن بتاع محمد حماقى وتامر حسنى و80% هربوا الى أغانى المهرجانات".
لم يخجل الفنان الكبير من الاعتراف أن جيل حماقى وتامر هو المسيطر على الساحة الآن وليس جيله، لكن يرى هناك فوارق بين الجيلين، إذ يقول: "الفرق بين جيلنا وجيلهم يكمن فى الأخلاق، وهذ هى النقطة الفاصلة، بيننا، التربية تفرق كتير، والاحترام والأدب سمات جيلنا كل منا يحترم الأخر، لكن الآن لا ثقافة ولا أدب حتى كلمات الأغنية كان لها شكل ورونق، الآن أصبحت خائفا على اللغة العربية أن تتدمر، من سوء الكلمات وأغلبها تافه وبذىء وبلا معنى".. ويضيف: "مفيش أغنية بتعلّم لهذا الجيل لأنه لا يوجد أساس، حتى المسلسلات للأسف أصبحت تسير على وتيرة واحدة وكلها شبه بعض عنف وخيانة وشتيمة، والسبب فى كل ذلك يعود للأخلاق والنت والفيس بوك يخرب بيت أمه بوظوا الناس، وللأسف بقينا ناخد منه الحاجات السيئة، ومش بنتعلم ولا بنستفيد من التنكولوجيا، بل نروج اكتر للشتائم والشائعات".
ويصف "العراف" أغانى المهرجانات بـ "قلة الأدب"، ويقول: "الأغانى بتاعت المهرجات قلة أدب ومؤامرة ضد مصر، لتشويه صورتها أمام العالم، وحتى يقال ان هذا الكلام الفارغ والعبث هو الفن المصرى، ويتم تصدير هذه الصورة القبيحة للعالم بسبب هؤلاء الذين لا يعرفون القراءة أو الكتابة".
ويؤكد الحلو أن جيله من المطربين هو آخر جيل صنع تاريخ فنى حقيقى، قائلا :"عندما استعرض تاريخى بشعر بسعادة كبيرة، أنا وجيلى على الحجار ومحمد منير استطعنا أن نبنى تاريخاً لن يتكرر أبدا، وأجزم أننا آخر ناس هيكون لها تاريخ، وبالذات على الحجار وأنا لأننا صنعنا أفضل تترات المسلسلات هذا التاريخ لن يصنعه أحد من ينسى تترات (الحلمية، زيزينيا، الوسية، ذئاب الجبل، الشهد والدموع، الليل وآخره، المال والبنون، الأيام)، وغيرها من أجمل تترات الدراما العربية، بالطبع لا".
ويستكمل الفنان حديثه :"لم تكن هناك أى نوع من النفسنة بيننا، وكل صناع المسلسلات الكبيرة عندما كانوا يتناقشون من أجل التتر يقولون إما الحلو أو الحجار واحد منهم غير كده لا، وأكررها لك احنا عندنا تاريخ مش هيتكرر تانى إنسى".. ويضيف :"جيلنا لم يتعرض للظلم احنا بنينا تاريخ بمعنى الكلمة، ولازلنا موجودين بأعمالنا فى الماضى والحاضر، ومؤخرا حصلت على جائزة أفضل تتر من مؤسسة الأهرام عن مسلسل "ليالى الحلمية" دون تعب أو عناء، عن طريق استفتاء الجمهور، والقائمين على المسابقة أقسموا لى أن هذا رأى الجمهور وليس به مجاملة، وهذا ما جعلنى أشعر أن هناك ناس نفسها الأغنية تبقى محترمة وترجع لمكانتها، لكن للأسف بيتفرض عليهم أغانى التكاتك والميكروباصات، والمفروض يكون هناك بوليس للسمع على غرار بوليس الآداب، يتم من خلاله معاقبة كل مسئول عن فساد الذوق العام و"تبويظ" ذوق شعب، خصوصا بعد ما انتشرت البلطجة والمطاوى والسنج وغاب الوعى الحقيقى للمواطن المصرى، وراحت الشهامة والرجولة والأخلاق وحل مكانهم الفتونة والبلطجة".
ويتحدث الحلو عن صديقيه المقربين على الحجار ومحمد منير قائلا: "على الحجار إنسان من الدرجة الأولى، ووطنى جدا، ومحمد منير كنز وله جمهوره الكبير الواسع ليس فى مصر فقط، بل له جمهوره واسع وكبير فى الخارج ودائما مشرفنا، كما أنه وطنى كبير جدا، وأستطيع الجزم أن منير والحجار أكتر اتنين بيحبوا مصر، ولهما مواقف مشرفة وواضحة وصريحة".
وعن مطربات الفيديو كليب يقول محمد الحلو: "هؤلاء يقف خلفهم أباطرة انتاج لديهم أموال كثيرة، لكن النوع ده بيطلع لهم كل يوم الصبح واحدة جديدة حلوة، ومش هيعيش منهم حد غير اللى عامل حاجة حلوة بس هى اللى هتعيش، ولدينا ناس تمتلك موهبة بس يجب عودة التلفزيون المصرى من جديد لاكتشاف المواهب الحقيقية".
ويسرد محمد الحلو ذكرياته مع موسيقار الأجيال قائلا: "الأستاذ عبد الوهاب كان يقول عنى "أحلى حاجة فى الحلو أنه يغنى أى حد بشكله هو، وليس بشكل المطرب نفسه، وكان يحب يستمع منى أغانيه مثل أغنية "لا مش أنا اللى ابكى"، وأغنية "يا مسافر وحدك"، ولدى شريط به كواليس تسجيل أغنية فى الليل لما خلى، وهذه الاغنية كان يحبها جدا، وتعز عليه، وعندما كنت أجلس معه لكى يحفظنى لحنها يقول لى "الله حلو حلو بتقولها أحسن من عبد الوهاب"، فكنت أتمنى أن "الأرض تنشق وتبلعنى" وببقى مرعوب، الأستاذ عبد الوهاب لم ولن يأت مثله أبدا هو الأستاذ والموسيقار والقدوة والرمز لكل الفنانين".
وعن أغانيه القديمة والحديثة يقول :"بحب كل الأغنيات لم أغن شىء إلا وأنا راض عنه، وبحب كل أعمالى القديمة والحديثة ومنها "أهيم شوقا، ويا حبيبى كان زمان" وأغنية "اه آه ده القلب حب وداب" وهذه الاغنية كانت نقطة تحول فى طريقة الغناء أواخر الثمانينات لكل الجيل، لأننا حبينا نغير من شكل الأداء عندما هرب منا عدد من الشباب ونجحت الغنوة وانتشرت انتشار مرعب".
ويفصح الحلو عن رأيه فى النجم هانى شاكر كنقيب موسيقيين قائلا: "هانى راجل محترم جدا، ومؤدب ومش بتاع غلط، والنقابة عايزة حد شديد، اللى ماسكين النقابة هم هم، لكن فى تغيير من ناحية مشروع العلاج والصحة والمعاشات ونتمنى أن تستمر هذه الخدمات".
ويرى الفنان محمد الحلو، أن القادم أفضل ويقول: "الأيام اللى جاية هتبقى حلوة بس نستحمل شوية، الرئيس السيسى بيشتغل بقلبه بس محتاج حكومة شديدة معاه تقف جنبه، والرئيس راجل محترم بيخاف ربنا وملتزم ومحترم، واستلم البلد خربانة ليس فى الاقتصاد فقط ولكن الناس أيضا".