هل للسجن إيجابيات تعود على السجين؟!
سؤال يجيب عنه الفنان المصري أحمد عزمي الذي خرج من السجن قبل فترة قصيرة، بعدما قضى فترة عقوبة خلف القضبان، ذاهباً إلى أن محنة بقائه في غيابة الحبس كشفت له الأحبة والأعداء، إلى جانب دروس وعبر كثيرة.
«الراي» أدارت هذا الحوار مع أحمد عزمي، فأعرب عن سعادته التي لا توصف بخروجه من خلف القضبان، لكي يلتقي ثانيةً ابنَه «آدم» الذي يعتبره كل حياته، مزيحاً الغطاء عن تجربته الاستثنائية في السجن وتأثيرها في نشاطه الفني.
عزمي تطرق إلى الحديث عن آخر أفلامه «مش وش نعمة»، وسر انسحابه من فيلم «السويسري»، معرِّجاً على أسباب ابتعاده عن الدراما التلفزيونية، كما أدلى بآرائه في الحياة وتجربته الخاصة فيها والتحديات الصعبة التي واجهها، والسينما وتعافيها، وكيف يرى الفنان النجم محمد رمضان، وهل يعتبره تكراراً لصعود «الزعيم» عادل إمام... إلى جانب قضايا عدة تأتي تفاصيلها في ما يأتي:
• هل تُحدِّثُنا عن فترة عقوبتك في السجن، وكيف تعاملتَ مع المحنة؟
- لا أملك سوى أن أقول الحمد لله. فما حدث لي قضاء وقدر، ولكن أهم ما كسبته في هذه الأزمة أنها كشفت لي من هم أحبابي ومن هم أعدائي، وسعادتي لا توصف بخروجي لرؤية ابني «آدم» الذى يمثل لى كل حياتي، وأتمنى فتح صفحة جديدة فى حياتي.
• تجربة السجن هل زادت من شهرتك أم كانت سبباً في عزوف المنتجين عنك؟
- قضيت مدة حبس بلغت 6 أشهر، رأيت فيها الكثير، ومن دون دخول في أي تفاصيل عرفتُ العدو من الحبيب. وأنا حالياً أمُر في حالة من التفكير في الدروس التي يجب أن أستخلصها منها، بحيث أكون راضياً بها، وأحتفظ بإيجابياتها، وآخذ من سلبياتها العبَر كي أستفيد منها في حياتي المستقبلة.
• دائماً ما تلقى جرأة اختياراتك لأدوارك الفنية ردود أفعال قوية من النقاد والجمهور... كيف ترى ذلك؟
- حتى الآن، الحمد لله، لم أواجه نقداً سلبياً عن أدائي للأدوار أو الشخصيات التي قمتُ بها، ولكن القضية التي يتناولها الفيلم أو بعض المشاهد هي التي يختلف عليها الكثيرون سواء بالإيجاب أو السلب. وأنا أحاول دائماً تقديم شيء مختلف حتى أكون عند حسن ظن الجمهور.
• قدمتَ شخصيةَ المسجون في أكثر من فيلم، هل لهذا الأمر علاقة بمحنة دخولك السجن؟
- الاختيارات من حق المخرج، وأظن أنني كممثل أحاول تقديم ما أستطيع لإنجاز العمل على أفضل ما يكون... وعلى فكرة، الدراما بشكل عام تنحصر في 12 «تيمة» منذ قديم الأزل، وبالتالي فإن كل الأعمال الفنية ستدور في الإطار نفسه، ولكن الأساس هو المعالجة، وتقديم قصص جديدة من خلالها عليها عامل كبير. وفيلم «وش سجون» يُعتبر إحياءً لفيلم «كلمة شرف» للعملاقين أحمد مظهر وفريد شوقي، ولكن المعالجة فيه نُسجت بشكل مختلف عن الفيلم الأول، حتى أنه لا أحد يشعر بأي تقارب أو تشابه بين العملين.
• وكيف ترى التكرار للشخصية نفسها في «مش وش نعمة»، و«وش سجون»؟
- أنا أُقدم شخصية مسجون في فيلم «مش وش نعمة»، ولكن بشكل مختلف، وكذلك من منظور مختلف عن فيلم «وش سجون»، ويشارك في بطولته كل من راندا البحيري، لطفي لبيب، أحمد راتب، حسن حسني، إيناس شيحة، ومن إخراج عادل الأعصر، وإنتاج شركة فرعون.
• ما الجديد الذي يقدمه الفيلم؟ وماذاعن دورك؟
- فيلم «مش وش نعمة» تدور أحداثه حول صديقين من منطقة شعبية يعيشان ظروفاً صعبة، ونرى كيف يحاول كل منهما تحقيق أحلامه في الزواج والنهوض بحياته، وأُجسد أنا واحداً منهما يُدعى «سمكة»، وهو شاب مسجل خَطِراً وتطارده الشرطة، إلى أن يُلقى القبض عليه وبحوزته مخدرات، ويُسجَن 3 سنوات، وبعد خروجه من السجن يبدأ حياة جديدة بعد أن يعلم أن صديقه يرغب في الزواج من شقيقته التي تجسد دورها راندا البحيري، كما يعيش هو الآخر قصة حب مع فتاة تقوم بدورها إيناس شيحة. وهو فيلم للتوعية وتدعيم فكرة أن كل شخص من الممكن أن يختار طريقه بنفسه حتى إن أخطأ في حق نفسه والمجتمع.
• السجن والبلطجة والعشوائيات أصبحت سمة السينما المصرية، والبعض يراها طريقاً مختصراً لتحقيق الإيرادات على حساب المجتمع؟
- بالعكس، فالإيرادات هي المعيار والترمومتر الذي يقاس من خلاله نجاح الفيلم أو فشله، ولولا جودته وتقديمه بطريقة صحيحة، ونَيله إعجاب الجمهور لما حقق إيرادات. وإذا قرر الجمهور مقاطعة تلك النوعية من الأفلام فإنها ستختفي تدريجياً، وهو ما لم يحدث حتى الآن. كما أن السينما هي مرآة للواقع، وبالفعل نحن نعاني في المجتمع حالياً بسبب البلطجة وانتشار السرقات، نظراً إلى حالة الانفلات الأمني التي انتشرت منذ سنوات، وبالتالي فإن تقديم هذه الظاهرة في أفلام سينمائية لا يعتبر جريمة، بل هو يساعد على إبراز مشاكل المجتمع أملاً في بيان أسبابها وعلاجها، قبل أن تتفاقم الظاهرة وتخرج عن السيطرة... كما أن الأفلام السينمائية تبرز أيضاً الشخصيات غير السوية في المجتمع، ليس لتشجيعها، بل حتى يشاهد هذا الشخص المخالف أو المنحرف نفسه في المرآة، ويرى بعينيه مصيره الحتمي في النهاية، وهي فرصة جديدة حتى يراجع نفسه. وفي فيلم «وش سجون» تحقق ذلك، وكانت نهاية أبطاله مأساوية... فأنا انتحرت وباسم سمرة قُتل، وأحمد وفيق فقد عقله، وهي النهاية الطبيعية لمثل هؤلاء الأشخاص.
• لكن هذه الأفلام بانتشارها الزائد، أدت إلى تقمص بعض المراهقين شخصيات أبطالها، وهو ما حدث مع محمد رمضان؟
- محمد رمضان ممثل موهوب وذكي، وأنا شخصياً معجب بأعماله الفنية، وهو يختارها بعناية بعكس ما يتردد عنه، ولكنني أرفض النغمة التي تردد أن السينما مسؤولة عن انتشار تلك الشخصيات، وأن السينما أسهمت في زيادة سلبيات المجتمع، مع أن هذه السلبيات منتشرة بالفعل بيننا، ولكن المجتمع يتجاهلها تماماً ويرفض الاعتراف بها، بل إن هناك من لا يعلمون عنها شيئاً. كما أن «الزعيم» عادل إمام سبق أن قدم من قبل أدواراً شبيهة، ومنها على سبيل المثال أفلام «سلام يا صاحبي» و«المولد» و«المشبوه»، وغيرها. ولاقت هذه الأفلام استحسان الجمهور، بل إنها تُعتبر تراثاً في ذاكرة السينما المصرية والعربية ولا نزال نفتخر به إلى الآن.
• كيف واجهت صعوبة مشهد اغتصاب الطفلة في الفيلم؟
- بالفعل المشهد أرهقني نفسياً وذهنياً، لأن الاغتصاب في حد ذاته جريمة بشعة، فما بالك بأنها طفلة عمرها 8 سنوات، وبصراحة الفيلم بشكل عام تصويره كان مأساة، لأنه يتطرق إلى قضية عانيتُ بسببها شخصياً. فأخي الأصغر - رحمه الله - قُتل على يد مجرم، وهو ما شجعني على الموافقة على الفيلم، وظلت صورة شقيقي في ذهني طوال فترة تصويره، وهو شيء لم أذكره لأحد من قبل.
• انسحبتَ بشكل مفاجئ من فيلم «السويسري» منذ فترة، على الرغم من حاجتك إلى الحضور على الساحة الفنية، لتعويض فترة غيابك... فلماذا؟
- بصراحة، فيلم «السويسري» اعتبرتُه مجرد «سبوبة»، فهو من نوعية أفلام المقاولات التي وجدتُ أنها لن تضيف شيئاً إلى رصيدي، كما أنه لا يختلف عن فيلم «الألماني» في شيء، وهو ما دفع راندا البحيري إلى الانسحاب أيضاً. ومن وجهة نظري هو فيلم لا يتناسب مع السينما في الوقت الحالي.
• هل ترى أن السينما استعادت عافيتها من الأزمة التي مرّت بها منذ تداعيات ثورة يناير؟
- بالفعل، السينما المصرية تشهد تطوراً ملحوظاً ينبّئ بخروجها من عنق الزجاجة في المستقبل القريب، وهي طفرة فنية بكل المقاييس.
• ترددت أخبار عن اشتراكك في فيلم «نصف دستة حريم»، وتجسد فيه شخصية «قواد»... فماذا عنه؟
- ما يتردد غير صحيح، فأنا لم أوافق على الفيلم، ومع ذلك من غير المستبعد أن أؤدي مثل هذا الدور أو الشخصية في يوم من الأيام، خصوصاً أنه دور حساس وجديد بالنسبة إليّ، إذ لم أقدمه من قبل.
• ولكنك مقصِّر في حق الدراما التلفزيونية وبعيد عنها تماماً؟
- هذا بسبب انشغالي بأعمال سينمائية، كما أن الدراما التلفزيونية تحتاج إلى تركيز ومجهود أكبر بكثير من السينما، بالإضافة إلى أنني حتى الآن لم أجد السيناريو المناسب الذي أعود به إلى جمهور الدراما التلفزيونية.