| كتب.. رضا السناري
ربما شعر الوافدون المصريون بنوع من التفاؤل تجاه التوقعات بقيام «المركزي المصري» بتعويم الجنيه قريباً، وخفض قيمته إلى 12.5 مقابل الدولار، لكن خلاصة النصائح المصرفية في هذا الخصوص مفادها: «لا تستعجل بتحويل كل مدخراتك ومعادلتها بالجنيه، قبل التعويم، فمن غير الواضح حتى الآن ما إذا كان هذا الإجراء سيقود العملة المصرية إلى التثبيت أو السقوط». كما يقول مسؤول في إحدى شركات الصرافة الكويتية لـ«الراي».
ومنذ أن بدأت التكهنات بخصوص بدء تنفيذ تعويم الجنيه، انشغل المصريون بالتساؤل التالي: ماذا نفعل بمدخراتنا، هل نحولها قبل التعويم أم بعده؟
من الناحية النظرية، يستطيع المغترب أن يحقق هامشاً واسعاً يصل الى 50 في المئة في حال وصل سعر صرف الدولار بعد التعويم إلى ما بين 11.5 و12.5 جنيه، لكن هذا الخبر السار قد يعني شريحة ضيقة جداً، إذ إن البيانات الرسمية توضح أن 97.5 في المئة من المصريين في الخارج، وتحديداً العاملين في دول الخليج لا يعتمدون في تحويلاتهم على السوق الرسمي، لعدم قبولهم بسعر الصرف المحدد حاليا عند 8.7 جنيه للدولار، حيث تلجأ الغالبية إلى السوق السوداء سعياً للحصول على سعر صرف أفضل.
ورغم التوقعات بأن «المركزي» لن يبدأ تعويماً مفتوحاً للجنيه مقابل الدولار، وانه سيتم تطبيق سياسة التعويم المدار، إلا أنه لا يمكن التكهن باستقرار سعر صرف الجنيه مقابل الدولار بعد التنفيذ، إذ يشترط لنجاح هذه السياسات النقدية أن تشعر الأسواق بجملة من المتغيرات الداعمة لها، وليس أقلها حزمة قوانين وإصلاحات مالية ملحة.
نقدياً، سيؤدي قرار تعويم الجنيه إلى إضعاف العملة المصرية، وفي مقابل ذلك سترتفع القوى الشرائية للعديد من العملات، وفي مقدمتها الدولار، وبالتبعية سترتفع قوة العملات الخليجية وتحديداً الدينار الكويتي، حيث ستتراجع قيمة العملة المصرية بعد هذا التطبيق قياساً لقيم هذه العملات.
إذاً، على أرض الواقع يستطيع الوافد مع التعويم الاستفادة من أمرين:
1 - الحصول على قيمة أعلى لتحويلاته المستقبلية مقابل الجنيه، مقارنة بتلك التي يحصل عليها في الوقت الحالي، وإن كان البعض يخفف من وهج ذلك وسط التوقعات السلبية بارتفاع معدلات التضخم، وتحديداً التي يمكن ان تتأتى مع ضغوطات أسعار السلع المستوردة.
2 - الاستفادة من التعويم في حال كان لديه التزامات ثابتة في شكل أقساط تمويلية أو دفعات سداد لعقارات أو أراض استثمر فيها، حيث ستحقق خطوة التعويم لهؤلاء هامش ربحية كبيرا عند معادلة أموالهم بالجنيه، ومن ثم ستنخفض قيمة التزاماتهم المتبقية للسداد مع ارتفاع القوى الشرائية لعملة البلد الذي يعملون فيه.
وبالعودة إلى مسألة تحويل المصريين مدخراتهم ومعادلتها بالجنيه قبل تنفيذ التعويم أم بعده، يقول مصدر مصرفي: «من حيث المبدأ يتعين التوضيح أن تعويم سعر صرف الجنيه، هو أسلوب في إدارة السياسة النقدية، ويعني أن يترك البنك المركزي سعر صرف عملة ما ومعادلتها مع عملات أخرى، وهو أمر يتحدد وفقاً لقوى العرض والطلب في السوق النقدية».
ويضيف: «مع ذلك لا يمكن توقع مسار دقيق للعملة بعد تعويمها، خصوصا في حالة دولة كمصر، التي يعاني اقتصادها ضغوطاً نقدية واقتصادية هائلة»، لافتاً إلى أن «الخبراء يميلون في هذه المرحلة إلى الحذر، وتأجيل أي قرار يرتبط بمعادلة المدخرات بالجنيه قبل تنامي المؤشرات الإيجابية، التي تؤكد أن العملة المصرية ليست مرشحة لمزيد من الانخفاض مستقبلاً».
ولكن الأهم من وجهة نظر المصرفيين أن التعويم لن يضيف أي مكاسب إضافية لأصحاب المدخرات تدفعهم لانتظار هذه اللحظة بفارغ الصبر، فسعر صرف الدولار المتوقع بعد التخفيض المستهدف سيكون بين 11.5 و12.5، وفي حال افتراض وجود هامش محقق بالسوق الموازي بنحو 15 في المئة سيكون السعر المتداول عند 13 جنيها، وهو السعر نفسه المتداول حاليا في السوق السوداء.
ورغم الجهود التي يتوقع أن يقوم بها «المركزي» لجهة رفع أسعار الفائدة على شهادات الاستثمار فئة (3 سنوات) ما بين نقطتين و3 نقاط مئوية، ليقفز فوق مستوى 15 في المئة سنوياً، فإن فكرة تحويل مدخرات المغتربين إلى ودائع بالجنيه لا تستقيم مع فكرة الحذر من تعرض العملة لهزة إضافية، إذ يفضل المصرفيون ان يحتفظ المغتربون بعملة مدخراتهم.
بالطبع لا يعني هذا الكلام أن الآراء الغالبة لمستقبل التعويم غير إيجابية، ولكن الحاجة تبدو ملحة للتمهل في قراءة كيفية استقبال الأسواق العالمية لهذا الإجراء والاستجابة لمجموعة من المؤشرات مثل مقدار الفجوة بين العرض والطلب في سوق الصرف، ومستويات أسعار الصرف الفورية والآجلة، إضافة إلى التطورات في أسواق سعر الصرف الموازية.