على بعد أمتار قليلة من منطقة تل العقارب الشهيرة بحي السيدة زينب، يقع «مذبح السيدة» أشهر مذابح مصر، والذي تعرفه بمجرد ترجلك في تلك الشوارع الضيقة المترامية في جوانبها العديد من المنازل، والتي يفوح من جدرانها رائحة الدم المتناثرة قطراته في كل مكان.هناك سيترامى إلى مسامعك أصوات الجزارين المتعالية، واستغاثات الماشية وكأنها تدرك أنها جاءت لتلقى قدرها المحتوم، وسيلفت انتباهك كثرة أعداد الأطفال العاملين في هذا المكان، والذين استباح العمل الشاق ولون الدم؛ براءتهم.عام في المذبح
أمام محل جزارة أخيه الأكبر تجده واقفًا خلف أكوام من اللحوم حاملًا في يده سكينًا، هي سلاحه لتلبية طلبات الزبائن.. «زكريا» طفل لم يجاوز ربيعه الـ 15 بعد، تكسو ملامحه علامات براءة الطفولة التي قُدر له أن يحرم منها بحثًا عن رزق يعين أسرته على متطلبات الحياة المتراكمة، وهو ما يجعلك تشعر بمجرد حديثك معه أنك تخاطب واحدًا من كبار الجزارين. «زكريا»، يؤكد لـ«فيتو»: «أنا عمري 15 عاما، وبقالي سنة واحدة من يوم ما اشتغلت جزار، وأخترت المهنة دي لأن أخواتى شغالين فيها وده خلاني أحبها؛ ومن وأنا صغير كنت بتمنى أكون جزارا». «زكريا»، يضيف: «أخويا الكبير هو السبب في عملي بمهنة الجزارة، وهو وافق على إنه يخليني أشتغل معاه بعد ما ألحيت عليه فترة طويلة، وفي بداية عملي كنت مش فاهم حاجة، ويوم ورا يوم بقيت أتعلم حاجات كتير، ودلوقتي اتعلمت كل حاجة في الجزارة وبقيت أعرف أعمل حاجات كتير زي الكرشة والمنبار، وإن شاء الله هكون جزار كبير»، مشيرًا إلى أنه يجيد كل المهام التي يتطلبها العمل في مهنة الجزارة باستثاء ذبح الماشية، قائلًا: «لحد دلوقتي مبعرفش أدبح؛ بس أنا بقدر أفرق بين أنواع اللحوم المختلفة من أول نظرة».طفولة منتهكة
الاهتمام بالدراسة ليس من أولوياته، هو فقط يفكر كيف يتعلم كل صغيرة وكبيرة في مهنة الجزارة، هذا هو حال «يوسف» صاحب الـ 12 عامًا، والذي تجده مرتديًا ثيابًا ممزقة تشبه طفولته المنتهكة من شقاء العمل في المذبح.«يوسف»، يروي لـ «فيتو»، يومياته داخل المذبح: «أنا عندى 12 سنة، ولسه في الصف السادس الابتدائي.. بشتغل جزار من صغري، وورثة المهنة عن أبويا، ودلوقتي بقيت أعرف كل حاجة في الجزارة، بس لسه ما بعرفش أدبح غير خرفان، وده خلاني أجهز للعيد عشان أروح أدبح للناس اللي هتضحي».المعلم الصغير
حاله لا يختلف كثيرًا عن سابقيه، فهو ما زال طفلًا بريئًا لم يتجاوز سنواته الـ 14، إنه «عبد الوهاب» المعروف بإتقانه لكل تفاصيل مهنة الجزارة، لذلك يطلق عليه الجميع هناك بـ «المعلم الصغير»، ولعل كلمات الإطراء التي تدغدغ أذانه الصغيرة لم تؤثر عليه وتجعله كغيره يلقي بأهمية التعليم خلف ظهره.«عبد الوهاب»، يؤكد لـ«فيتو»، أنه يعمل في مجزر السيدة زينب منذ 7 سنوات، قائلًا: «أنا بشتغل جزار وأنا عندي 7 سنين، وأول واحد علمني الشغل في المهنة دي كان خالي، ويعتبر هو السبب الأساسي في حبى للعمل والإصرار على الاستمرار فيه»، مشيرًا إلى أنه: «أنا دلوقتي بدرس في الصف الثاني الإعدادي، وشغلي ما بيأثر على دراستي، لأني بروح المجزر بعد ما أخلص المدرسة، وفي الأجازات بكون في المجزر اليوم كله». الطريقة الشرعية
«المعلم الصغير»، يتقن ببراعة ذبح كل أنواع الماشية، موضحًا:«اتعلمت الدبح بالطريقة الشرعية، وقبل ما أدبح بقول: بسم الله والله أكبر، وبكون حريص على إن الدبيحة تنام على جانبها اليمين ورأسها تكون متجهة للقبلة، وبعدها أبدأ عملية الدبح».وعن هل هناك اختلاف في طرق الذبح؟، وكيف يستعد لاستقبال عيد الأضحى المبارك، أكد «عبد الوهاب»: «طرق الدبح بتختلف من جزار للتاني، وممكن تلاقي واحد بيدبح بحلقة واحدة من الرقبة، وغيره بيدبح بأكتر من حلقة، أما عن استعدادات عيد الأضحى فأنا مجهز عدتي بالكامل ومستعد للعمل مع خالي كالعادة».