العالم مليء بالشخصيات، ملايين البشر مرّوا بالأرض على مدى ملايين السنين؛ ولكنّ عدداً قليلاً منهم هو مَن ترك بصمة ما يخلّد بها ذكره عبر التاريخ، قد تكون بصمة إيجابية، وقد تكون سلبية، ولكنها في النهاية مؤثّرة..

لذا هنا سنقوم بإلقاء الضوء على هذه القلّة مِن البشر، سنتجوّل في رحلات دورية معهم وفي حياتهم لنعرفهم أكثر عن قرب.. لعلّنا نستفيد من تجارب وحيوات هؤلاء البشر.
 

                                                        ********************

عمرو موسى هو اسم بالتأكيد تعرفه، منذ أن كان وزيراً للخارجية المصرية حتى أصبح أمين عام لجامعة الدول العربية، تتفق معه أو تختلف لا بأس؛ ولكن لا يمكن بكل تأكيد أن تنكر أن له كاريزما واضحة، وشعبية كبيرة؛ خاصة لدى المواطن البسيط، حتى أطلق عليه في الأوساط الشعبية "دبلوماسي الشعب".

اليوم نتوغّل أكثر في عالم "عمرو موسى" لنتعرّف عليه عن قرب، وندخل في عالم الدبلوماسية المعقد.

عمرو موسى الإنسان أوّلاً
في يوم 6 أكتوبر وُلد عمرو محمود أبو زيد موسى عام 1936 بالقاهرة، وإن كانت عائلته تنتمي إلى محافظتي القليوبية والغربية.

وعمرو موسى حاصل على ليسانس حقوق من جامعة القاهرة دفعة 1957، والتحق بالعمل بالسلك الدبلوماسي بوزارة الخارجية المصرية عام 1958.

متزوّج من "ليلى عبد المنعم" بدوي خريجة هندسة الإسكندرية، وهي من عائلة شهيرة.. عمها الفيلسوف الشهير الدكتور "عبد الرحمن بدوي"، شقيق الدكتور "ثروت بدوي" أستاذ القانون الدستوري المعروف.

في عام 1968 كان زواج عمرو موسى، وتم إقامة الحفل في فندق هيلتون النيل.

لديه ولد وبنت، ابنته "هانيا" تزوّجت من "أحمد أشرف مروان"، ثم انفصلت عنه بعد زواج دام 15 عاماً.

بيحب الكفتة بالأرز والويكة.. ويرفض التفريط في أرضه
لو أردنا التعمّق في داخل عمرو موسى الإنسان لا الدبلوماسي؛ فسنجد أنه تبعاً لما قاله أ. "عادل حمودة" -الصحفي المعروف- يُحب أكلات بعينها لا يُغيّرها؛ مثل: "كفتة الأرز" و"البامية الويكة" و"شوربة الفراخ".. وقد أضاف إليها بعد دخوله الجامعة العربية الفتة (الثريد)؛ فهي الوجبة القومية التي تجمع شعوب الأمة العربية من المحيط إلى الخليج.

كما أنه اشتهر دائماً بالمحافظة على الأراضي الزراعية التي ورثها عن عائلته.. ويشعر بأن التفريط فيها عار.. وهي عدة أفدنة محدودة المساحة تركتها له والدته.

والده كان أستاذاً بالجامعة وكذلك عضواً في البرلمان، حصل على الدكتوراه في جامعة ليون الفرنسية..

ويقول عنه أ."شهاب نصار" -الباحث بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية- في كتابه "عمرو موسى - الملفات السرية": "هو حساس للغاية في الأمور المتعلّقة برأي جيرانه في شخصيته وسلوك أولاده وأسرته.. فهو "محافظ" بدرجة وزير، والجيران قد يأتون للمنزل لتناول فنجان قهوة مع الزوجة الودودة وأحياناً يذهبون سوياً لممارسة الرياضة والثرثرة ومقابلة الأصدقاء.. الجميع يُؤكّد حرصه على العلاقات الاجتماعية مع جيران المنزل والحي".

ويضيف أن "موسى" يستيقظ مبكراً في الثامنة وأحياناً قبل ذلك، ويصفه الجميع بالبساطة في التعامل مع الجيران والحرص على إلقاء التحية والمصافحة؛ حيث يُلقّبه الصغار بـ"أونكل عمرو".

من الإنسان إلى الدبلوماسي
تدرّج عمرو موسى في الوظائف؛ فلو عُدنا بالزمن لنلقي نظرة على خطوته الأولى نحو الدبلوماسية سنجدها في نوفمبر 1958، عندما عمل في إدارة البحوث المسئولة في ذلك الوقت عن إجراء دراسات وكتابة التقارير عن السياسة الدولية ومواقف الدول المختلفة من قضية مصر وقضايا العرب.

انتقل بعد ذلك للعمل في الخارج؛ فعمل كدبلوماسي في سفارات مصر في عدة دول كسويسرا والهند.

وفي عام 1990 انتقل إلى نيويورك، ليشغل منصب مندوب مصر الدائم في الأمم المتحدة، استمر في المنصب لعام واحد وتركه ليشغل منصب وزير الخارجية عام 1991.

عشرة أعوام وعمرو موسى في منصبه هذا، وهي الفترة التي حصل فيها على هذه الشعبية الخالصة..

وفي منتصف مايو 2001 انتقل عمرو موسى من الخارجية إلى الجامعة العربية ليكون الأمين العام السادس لها، ويستمر طوال العشر سنوات السابقة حتى اليوم.

 عمرو موسى "المُقلق" صاحب صوتٍ عالٍ
عندما تقرأ أي حوار أو تعليق لمسئول إسرائيلي عن عمرو موسى، دائماً ستجد هذا التعليق سلبياً؛ فمنذ بداية تولّيه الخارجية، بدأت اعتراضات الجانب الإسرائيلي بأن وزير الخارجية الجديد لا يتمتع بالمرونة الكافية.

وفي عام 1995 حدث الصدام الأكثر شهرة حينها، في المؤتمر الاقتصادي للتنمية في الشرق الأوسط، الذي دعا إليه كل من روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، وحضره عمرو موسى مترئساً وفد مصر، وشيمون بيريز على رأس الوفد الإسرائيلي، وهنا اندفع "بيريز" في كلمة قال فيها: "إن مصر كانت تقود الشرق الأوسط في الأربعين سنة الماضية، وأنتم ترون الآن ما انتهت إليه الأحوال في هذه المنطقة، وإذا أخذت إسرائيل الفرصة ولو لعشر سنوات فقط فسوف تلمسون بأنفسكم -وفي حياتكم- مدى الفارق بين الإدارة المصرية والإدارة الإسرائيلية للمنطقة".

وكان من المتّبع دبلوماسيًا في المعتاد أن يلتزم رئيس الوفد المصري بالردّ الدبلوماسي، وبنصّ خطابه المكتوب؛ ولكن عمرو موسى تجاهل الخطاب المكتوب تماماً وردّ ردوداً عنيفة، وصفها الحاضرون بأنها خرجت عن الدبلوماسية والموقع الرسمي، لتدخل في نطاق ما يطلق عليه "الدبلوماسية الشعبية"؛ ليتسبب في إحراج شيمون بيريز وإفساد الجلسة.

العديد من المواقف التي دارت على هذه الشاكلة؛ حتى أن جريدة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية وصفته مؤخراً بأنه عقبة في طريق السلام.

وقامت الصحيفة بعمل تقرير كامل عن "موسى" عدّدت به ما اعتبرته مواقف معرقلة للسلام مع إسرائيل على مرّ تاريخه؛ فقالت: "إنه على مدى 18 عاماً، عمل موسى من خلال المناصب التي تولاها على تسميم الأجواء العربية ضد إسرائيل منذ أن كان وزيراً للخارجية المصرية لمدة عشر سنوات، ثم منصبه في الأمانة العامة للجامعة العربية".

واستمرت الصحيفة في نقد "موسى" قائلة: "خلال مفاوضات أوسلو في التسعينيات من القرن الماضي؛ عرقل جهود إسرائيل الهادفة لتوسيع العلاقات مع العالم العربي؛ وذلك من خلال إقناع الدول الإسلامية برفض التوقيع على اتفاقية حظر انتشار أسلحة الدمار الشامل ما لم توقّع إسرائيل عليها، ثم بعد بدء الانتفاضة الثانية، أدلى "موسى" بتصريحات ساهمت في تأجيج نيران العنف بدلاً من محاولة إخمادها".

وأنهت الصحيفة تقريرها بالقول: "إنه باختصار؛ فلقد ظلّ موسى خلال السنوات الماضية مصدراً ثابتاً للسلبية في المنطقة".

والحقيقة أن مثل هذه الشهادات تُثير حول الرجل الكثير من الإعجاب؛ فلقد تعوّد الشارع المصري والعربي -على حد سواء- التعامل مع التصريحات الإسرائيلية تبعًا لبيت شعر "المتنبي" القائل:

                             وإذا أتَتْكَ مَذَمّتي من نَاقِصٍ          فَهيَ الشّهادَةُ لي بأنّي كامِلُ

 ولذلك فإن ذمّ وانتقاد أي مسئول من قِبل الإسرائليين يحوّله إلى بطل شعبي في عيون المواطنين والعكس صحيح؛ بل يعتقد البعض أن الشعبية الطاغية لـ"موسى" لم تبدأ في التبلور إلا مع الحملة التي شنّها في عامي 1994 و1995 على البرنامج النووي الصهيوني، وهجومه على الدول العربية التي هرولت إلى التطبيع مع الكيان الصهيوني بحدة، في مواقف أرضت المواطن وأشعرته أن "موسى" رجلها الذي يتكلّم بلسانها لا بلسان الدبلوماسية داخل الحكومة.

لم يسلم من الإخوة أحياناً
تعرّض عمرو موسى إلى حملة انتقادات وصل حدها إلى تخطي الهجوم على الآراء إلى الهجوم على شخصه، من قِبل بعض المسئولين وأجهزة الإعلام في الكويت؛ كان ذلك بعد البيان الذي أصدره في مؤتمر وزراء الخارجية العرب ليعارض أي تعاون مع العدوان الأمريكي على العراق.

وفي بيانه اتهم بعض الدول العربية بأنها تريد الحرب ضد العراق، وبعد بيانه هذا انطلق السيل من عقاله؛ فقد قال الشيخ صباح الأحمد -نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية الكويتي: "إن الأمين العام للجامعة مجرّد موظف لا أكثر ولا أقل، وسيتعرّض للمحاسبة بعد انتهاء الحرب".

بل وكتب بعض الكتّاب الكويتيين: "إن الكويت ودول الخليج هي التي تدفع راتبه والسيجار الفاخر الذي يُدخنه".

كل هذه المواقف زادت من شعبية الرجل أكثر فأكثر..

المصريون لهم أهمية في الخارج
لو سألت أي مصري مغترب عن مشكلته لأخبرك أن أحد أهم المشاكل، أن السفارات المصرية ومن خلفها الخارجية لا يهتمون بهم، وأن حقوق المصري ضائعة تماماً في الخارج ولا أحد يقف خلفه ليعضضه.

لم يكن هذا هو الحال في وجود عمرو موسى؛ فلقد تدخّل على سبيل المثال في (خناقة) بين مصريين وكويتين في الخيطان، وطالب المصريين بالتوجّه للسفارة، قائلاً: "إنه يفعل أي شيء ليحمي المصريين من البهدلة"، وكانت هذه سياسة وزارة الخارجية الدائمة في عصره.

"أولبرايت": جاد للغاية والاستقبال في إسرائيل ألطف كثيراً
كان خبر انتقال عمرو موسى من الخارجية إلى الجامعة العربية، ذا تأثير سلبي على المواطنين؛ فلقد تناثرت الشائعات بأنه نُقل بناء على طلبات أمريكية، للتخلص من الرجل الجاد صعب المراس في الخارجية.. والذي وصفته وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة "مادلين أولبرايت" بأنه: "جِديّ للغاية، وغير مجامل، وأن الاستقبال في إسرائيل ألطف كثيراً".

منذ انتقال "موسى" إلى الجامعة العريبة، يشعر الجميع أن قدراته قد تمّ وأدها في ظل اتفاق العرب على ألا يتفقوا، وظل كثيرون يرددون أنه لم يأتِ بعده وزير خارجية يرضى عنه الشعب كما كان.

هل يترشّح للرئاسة؟
مؤخرًا قام عمرو موسى بعدة تصريحات، لم ترفض تماماً فكرة ترشّحه لرئاسة الجمهورية؛ مما دفع أملاً في نفوس كثيرين يرون في عمرو موسى الرجل المناسب لهذا المنصب في الفترة القادمة، وجاءت زيارة محمد البرادعي الأخيرة له، لتزيد من التقوّلات في هذه المنطقة.

كانت هذه رحلة سريعة لعالم الإنسان والدبلوماسي عمرو موسى، قد تنتهي الآن؛ ولكنها بالتأكيد ليست رحلتنا الأخيرة بإذن الله.