كالعادة بينهما، تصريح يخرج من هنا ليصدم بحائط هناك، ثم تخرج الردود من خلف هذا الحائط لتنال من صاحب التصريح الأول.
المشاكل التاريخية بين وزارة الثقافة ومشيخة الأزهر الشريف لا تنتهي، وكلما هدأت الأمور اشتعلت مجددا، فأثر تصريح وزير الثقافة، حلمي النمنم، بأن توغل التعليم الأزهري في مصر من أسباب وجود ظاهرة العنف ووجود قصور في النواحي الثقافية والتعليمية، وأنه أمر لا بد من إعادة النظر فيه، وإعادة النظر في المناهج الدينية التى تدرس في المعاهد الأزهرية.
الأزهر يرد
ولم تمضِ ساعات حتى خرج أمين مجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر، الدكتور محيي الدين عفيفي ليرد على وزير الثقافة، ويطالبه أن يعترف أن من أسباب انتشار العنف الديني في مصر هو تراجع بل غياب دور الثقافة في مناطق مهمة في مصر، كما أنه من حق كل مواطن أن يسأل عن دور وزارة الثقافة، ومظاهر نشاطها في ملف "العنف الديني".
واستكمل عفيفي "إن انزعاج وزير الثقافة من مساحة التعليم الأزهري انزعاج في غير محله؛ فكان الأحرى به أن يذكر أن الأزهر هو الذي حمى مصر من العنف وهو الذي يواجه تياراته والدليل على ذلك موقف الأزهريين الرافض للعنف والإرهاب على مر التاريخ، لافتًا إلى أن التعليم الأزهري وقف ويقف في مواجهة الفكر الأحادي الذي لا يعترف بالتعددية وتجلياتها العقدية والمذهبية والفكرية، لأن الأزهر الشريف بتعليمه الوسطي يواجه الفكر المتشدد والمدعوم بالتدفقات المالية التي تحاول الهيمنة على وسطية الأزهر؛ فلولا التعليم الأزهري لتلاشت روح الوسطية والاعتدال والتعايش السلمي واحترام الآخر".
وختم بيانه شديد اللهجة بقوله"يبدو أن الهجوم على الأزهر أصبح بمثابة شهادة براءة وإعلان بعدم تحمل المسئولية في مواجهة الإرهاب والعنف الذي بات يهدد سلامة الوطن"، متسائلا: لماذا لم يتحدث وزير الثقافة عن نصيب وزارته ومهامها في مواجهة العنف؟ وأين الثقافة في المناطق النائية؟ وما حظ المواطن في تلك المناطق من الثقافة؟؟".
ومن جانبه علق مستشار شيخ الأزهر، الدكتور محمد مهنا، قائلًا: "إنه يصنع فتنة طائفية ويمزق المجتمع وابتلينا بوزراء متتابعين يعيشون بيننا أغراب وأفكارهم مستوردة تربوا عليها، ويريدون أن يفرضوها على الأمة".
وقال في مداخلة هاتفية لبرنامج "إنفراد المذاع على فضائية "العاصمة": "أتعجب من هذا البلاء الذي نراه كل يوم من هؤلاء.. ولا أصدق أن يصدر هذا التصريح من وزير مسئول ينمي ثقافة بلاده".
ليست الأولى
الأزمة بين وزارة الثقافة والأزهر ليست الأولى، فهي سمة شبه دائمة بين الجانبين، ففي ديسمبر الماضي نشأت أزمة بسبب تصريح وزيرة الهجرة نبيلة مكرم أنه تواصلت مع وزير الثقافة من أجل وضع آليات لنشر الإسلام الوسطى فى أوساط المصريين بالخارج، من خلال الاستعانة بالفنانين والمثقفين، وليس الأئمة الأزهريين.
 الترتيب بين الهجرة والثقافة أشعل حفيظة الأزاهرة، فقام وكيل الأزهر، الدكتور عباس شومان، بالرد على هذا التنسيق من خلال رفضه إجراء مداخلة هاتفية مع وزيرة الهجرة، وكتابته على صفحته وقتها: "الكلام به الكثير من التجاوز فى حق علماء المسلمين وليس علماء الأزهر فقط، لا أظن أن الوزيرة تقبله على رجال الكنيسة، وعلى الوزيرة أن تعرف حدود اختصاص وزارتها ولا تتدخل فى أمر لايخصها".
جابر عصفور
وقبل الوزير النمنم، كانت المشادات الكلامية بين الأزهر ووزير الثقافة الأسبق، جابر عصفور، حيث كتب عصفور في 24 يونيو 2014 مقالا في الأهرام بعنوان "صراعات الخطابات الدينية فى مصر"، قال فيه إن عدد من أئمة الأزهر الشريف وشيوخه دعوا إلى فصل الدين عن الدولة فى مصر.
فقام وكيل الأزهر بنشر مقال في الأهرام  اعتبر فيه عصفور أحد المبشرين بالتنوير الغربي القائم على الفلسفة الوضعية التي أثمرت العلمانية والتي فصلت الدين عن الدولة وعن الحياة، وذكر فيه دعوة عصفور الدائمة إلى "مدنية الدولة" التي تساوي عنده علمانيتها، وذكر أن عصفور بات يستخدم مصطلح المدنية الآن نظراً لأن مصطلح العلمانية قد أصبح سييء السمعة على حد وصفه.
وفي مقال آخر وصف شومان ما جاء في كلام عصفور بأنه "كلام رخيص وأن كاتبه يسير في درب الغلو اللاديني ويضع الألغام على طريق الوسطية الإسلامية".
واستمرت الحروب الكلامية بالمقالات والتصريحات، حتى صرح شومان بقوله "كنت أعتزم إنهاء المعركة الكلامية التي بدأها وزير الثقافة، حين استهل عمله في الوزارة بالهجوم على الأزهر وشيوخه واتهامهم ظلما وزورا بما ليس فيهم، وكنت أنتظر من الوزير إما أن يراجع نفسه ويعود إلى رشده، وإما أن ينكر ما نسب إلى كتب وزارته. أما وقد عاد ليعقب على الرد تعقيباً فارغاً لا يقدم ولا يؤخر، فلا بأس من الاستمرار". 
أضاف شومان: " أنه على وزير الثقافة أن يعلم أن الزمان تغير، وأن علماء الأزهر متأدبين رغما عنه بأدب أسلافهم، وأن على الوزير أن يـتأدب وهو يتحدث عنهم بأدبهم".
فاروق حسني
وفي عام 2006 فجرت تصريحات وزير الثقافة الأسبق فاروق حسني حول حجاب المرأة ووصفه بأنه "دعوة إلى الرجعية والتأخر" أزمة جديدة بين الثقافة والأزهر، فانتقده علماء من الأزهر وطالبوه بعدم الحديث في شؤون الدين.
ووقتها رد عليه وكيل الأزهر السابق وعضو مجمع البحوث الإسلامية، الشيخ محمود عاشور، وقال "إن ارتداء الحجاب يتفق مع نصوص ثابتة في القرآن والسنة، وأضاف أن الوزير حسني لا ينبغي له أن يتحدث في علوم الدين، وقال إن الطريقة التي تحدث بها الوزير عن النساء فيها "إهانة للمرأة وحط من قدرها وكرامتها".
وقبلها في عام 2000 نشأت أزمة بسبب طباعة الثقافة لرواية "وليمة لأعشاب البحر" للكاتب السوري حيدر حيدر، وأصدر مجمع البحوث الإسلامية بيانا موقعًا باسم شيخ الأزهر ليدين الرواية ويعتبرها كافرة لأن بها فقرات تستهزئ بالذات الإلهية والرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم، كما أدان تولى وزارة الثقافة نشر هذه الرواية.
مرحلة السلام
شهدت العلاقة بين الجانبين مرحلة سلام في عام 2015 في عهد وزير الثقافة، عبدالواحد النبوي، وسبب السلام كونه أستاذ التاريخ بجامعة الأزهر، فكان هذا مصدر ارتياح بين مشايخ الأزهر، وتوقفت في عهده الصدامات بين الجانبين، إلا أن الصدامات أصبحت بين المثقفين والوزير الذي لقبوه بـالمرشد الأعلى لـ"وزارة الثقافة"، وانتهت بتركه للوزارة وتولي النمنم بعد عدة أشهر.