لم تكن زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو لدول حوض نهر النيل بإفريقيا منذ عدة أيام ورغبة إثيوبيا بمنح إسرائيل مقعد كمراقب فى الاتحاد الافريقي، والإعلان عن قيام إسرائيل بإدارة كهرباء سد النهضة، الذي من شأنه سيؤثر علي حصة مصر من نهر النيل إلا صورة حقيقية من البعد الديني اليهودي، الذي تؤمن به العقيدة الإثيوبية والإسرائيلية فيما يتعلق بنهر النيل.
ويؤكد الباحث فرج قدري الفخراني، المتخصص في الدراسات العبرية واليهودية بجامعة قنا لـ "للأهرام الزراعي"، إنه بجانب وجود اليهود الفلاشا في إثيوبيا فإنه في القرن الـ 18 الميلادي، ظهرت كتب بكنائس الحبشة ذات طبيعة يهودية، ومنها سفر اليوبيل، سفر ادم وحواء، سفر وصايا أبناء يعقوب، اسفار خارجية، وهي كتب كانت تؤكد علي البعد الديني لنهر النيل الذي تراه العقيدة اليهودية المتأصلة في الإثيوبيين من ناحية والحدود الطبيعية للدولة اليهودية الاسرائيلية من ناحية أخرى.
وأضاف الفخراني،انه وفقا للرواية اليهودية، فإن نهر النيل من أنهار الجنة الأربعة في الأرض، وحدا طبيعيا لإسرائيل اليهودية التي أعطاها الرب لهم، كما أنه وفقا للرواية، تعتبراليمن سببا رئيسيا للعلاقات المتأصلة بين يهود إسرائيل ويهود الحبشة، بسبب احتلال اليمن للحبشة وقيامها بتعليم أهالي الحبشة اللغة الأمهرية، إحدي سلالات اللغات السامية المختلفة.
ويهود اليمن اقدم يهود العالم، ومن سلالة اليهود النقية التي تمتد السبي الثاني الذي وقع في عام 70 ميلادية، وهم سلالة نقية كيهود بلاد الحجاز شبه الجزيرة العربية والعراق، وهم يهود متمسكون مثل يهود الفلاشا في إثيوبيا.
وأضاف الفخراني، أن يهود اليمن القدامى، الذين صدروا الديانة للحبشة واللغة، كانوا مختلفين عن اليهود الحاليين، فهم يهود يقبلون الآخر ويؤمنون بالتعددية الدينية، لافتا أنه وفقا للرواية اليهودية تمتد العلاقات بين يهود إسرائيل ويهود إثيوبيا لعصر سيدنا سليمان، بسبب يهود اليمن الذين صدروا الديانة اليهودية للحبشة، وهي علاقة تمتد منذ القرن السادس قبل الميلاد.. "في ذلك اليوم عقد مع إبراهيم ميثاقا قائلا لنسلك اعطي هذه الأرض من نهر مصر الي النهر الكبير نهر الفرات".. هذا ما تؤكده التوراة التي كانت تنظر لنهر النيل بأنه عطية الرب لإبراهيم ونسله إسحاق ويعقوب والاسباط الاثني عشر دون ذرية إسماعيل جد العرب.
ويوضح الفخراني، اليهودية ونظرتها لنهر النيل بأنه عطية الرب لإبراهيم وذريته من نسله إسحاق ويعقوب والأسباط فقط دون إسماعيل، هي التي أججت الصراع بين العرق الحبشي والعربي، اللذان يعتبران من نسل سيدنا إسماعيل في الفكر اليهودي، وهو الذي نقل العداء والكراهية المتفشية.
ويؤكد الفخراني صاحب الدراسات العبرية، إنه رغم المبادرات الطيبة التي قدمها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي للجانب الإثيوبي وقيامه بزيارة البرلمان الإثيوبي إلا أنهم يصممون علي إعلاء لغة الاقصاء وعدم الحوار، لافتا أن الجانب الإثيوبي يؤمن بلغة الصراع بسبب أن المصريين في عقليتهم كانوا سببا للكراهية بين اليهود القدامي والفراعنة، وفي ذات الوقت هم من نسل سيدنا إسماعيل الذي لم يعطه الرب نهر النيل كعطية.
الصراع علي نهر النيل بين مصر والأحباش امتد لسنوات طويلة، فهم هددوا بردم نهر النيل وعدم وصوله لمصر قبل أن يتولي محمد علي باشا حكم مصر، مما اضطره للقيام بفتح السودان لتأمين المنابع ضد تهديدات الجانب الأثيوبي بمنع نهر النيل عن مصر.
ويؤكد الفخراني أن اليمن التي صدرت الديانة اليهودية للحبشة، كانت حاضرة أيضا في الصراع الذي ظهر حتي في الكتب الشعبية، وظهر جليا في العصر الملوكي.
ففي سيرة سيف ابن يزن الشعبية التي كتبت في مصر في العصر المملوكي منذ 600 سنة، وهو يمني عربي، بدأ الصراع، حيث كان سيف بن زي يزن يحكم مصر آنذاك، كما كتبته السيرة الشعبية، وبدأ صراع بينه وبين ملك الحبشة من أجل كتاب النيل، وهو كتاب سحري من يمتلكه يتحكم في نهر النيل ويتصرف في مقاديره ومنابعه ويتحكم في عنفوانه الهادر.
ويؤكد الباحث فرج قدري الفخراني، استاذ الدراسات العبرية بجامعة قنا، وصاحب دراسة تصنيف السيرة الشعبية – سيرة بن زي يزن – رقم 1، أن السيرة الشعبية المصرية استطاعت تمثيل الصراع علي نهر النيل في السيطرة علي الكتاب السحري، حيث استطاع سيف ابن يزن وعدد من ابنائه الذين هم مصر وبولاق والجيزة الانتصار علي الحبشة بعد دخولهم في حروب من أجل السيطرة علي كتاب النيل.