يعد أحد أهم رواد الإصلاح والنهضة في مصر أوائل القرن العشرين، له العديد من الإسهامات في المجال العلمي والعملي، واستطاع أن يؤرخ لكثير من الأحداث التاريخية، وأن يقدم العديد من الدراسات التاريخية والأثرية المصرية التي عُدت بمثابة أعمال رائدة في هذا الشأن، كما ساهم في اكتشاف العديد من الآثار المصرية، منها عثوره على رأس تمثال الإسكندر الأكبر، وكان له باع كبير في العمل الاجتماعي الإصلاحي والعمل الخيري والتطوعي، الذي ساعد في النهوض بالوطن سواء على المستوى الاقتصادي أو الاجتماعي أو السياسي، حسب ما ورد في كتاب «أمراء الأسرة المالكة ودورهم في الحياة المصرية» (1929- 1952) للدكتورة أمل فهمي.
ولد الأمير عمر طوسون في مدينة الإسكندرية في 8 سبتمبر 1872، وهو الابن الثاني للأمير طوسون بن محمد سعيد بن محمد علي، ووالدته هي الأميرة فاطمة إسماعيل، إحدى بنات الخديوي إسماعيل، التي تزوجت عام 1871 من الأمير طوسون بن محمد سعيد باشا والي مصر.
توفي والداه وهو في الرابعة من عمره، فربته جدته لأبيه وأشرفت على تعليمه، وكانت دراسته الأولى في القصر مع باقي أبناء الأسرة المالكة من الأمراء.
نشأ عمر طوسون نشأة عصامية، برغم ما كان يحظى به وإخوانه من عناية القصر، إلا أن جدته لوالده آثرت أن تنشّئه هذه التنشئة؛ لتصقل شخصيته وتطبّعها على الجد والمثابرة، فاختارت له أساتذة مرموقين يعلّمونه ويؤدّبونه في قصر والده، فنشأ محبًّا للدرس مولعًا بالبحث والمثابرة، حريصًا على كل القيم والأخلاق النبيلة، ثم سافر إلى سويسرا للعلم والتحصيل، ودرس في كبرى جامعاتها، ثم خرج من سويسرا متوجهًا إلى عدد من البلدان في أوروبا كإنجلترا وفرنسا وغيرهما للدراسة والوقوف على أسرار تقدم هذه الأمم.
كان يجيد ست لغات؛ منها اللغات الحية في ذلك الوقت: كالإنجليزية والفرنسية والتركية، كما أجاد فن رفع المسح المعماري. ورث الأمير عمر طوسون ثروة طائلة عن أبيه، ورأس الجمعية الزراعية الملكية سنة 1932م، التي تخصصت في شئون الزراعة في مصر والعمل على تنمية الإنتاج الزراعي والحيواني، والتي أسسها السلطان حسين كامل، وكان له اهتمام خاص بالعناية بالخيل العربية الأصيلة.
دوره في الحياة السياسية
كان له دور بارز على الجانب السياسي في المحلي والدولي، حيث قدم الدعم للمقاومة الليبية العثمانية في مواجهة الغزو الإيطالي، ودعم جيوش الدولة العثمانية التي تتعرض للغزو في البلقان، كما فضح سياسة الاستعمار الهولندي في إندونيسيا.
اسهاماته على الجانب الأثري والثقافي
كان له ريادة على الجانب الأثري والثقافي، حيث استطاع أن يكتشف 52 ديرًا أثريًّا، وأن يعثر على رأس تمثال الإسكندر الأكبر بخليج العقبة، وينتشلها من الماء بمساعدة الصيادين والغواصين، كما اكتشف بقايا مدينة مغمورة بالماء على عمق خمسة أمتار بأبي قير سنة 1933م، إلى جانب تقديمه للعديد من الدراسات الرائدة في مجالي التاريخ والآثار.
كان للأمير جيش صغير جمعه من أهالي طرابلس والسودان يرافقونه في رحلاته في الأماكن، التي لم تكن معروفة، وهو يعتبر المصري الوحيد، الذي ألم بدقائق المعلومات عن تلك الأماكن، فقد كان محبًا للاستكشاف والتنقل.
على الجانب الاقتصادي والزراعي
تولى رئاسة الجمعية الزراعية الملكية التي كانت تُعْنَى بشئون الزراعة في مصر فنهض بها، وساعد في تطوير الإنتاج الزراعي، فقد تولى رئاسة الجمعية وكان رأس مالها 685 ألف جنيه، وبلغت بفضل جهوده 732 ألف جنيه، كما ازدهرت أعمالها الفنية ازدهارًا جعلها من المعاهد العلمية المرموقة، وكان معرضها في عام 1936 على نحو من الرقي والفخامة لم يعهده الشرق، كما كان له الفضل في إقامة مشروعات ساعدت على الإصلاح الفعلي في الريف المصري، ونهضة الفلاح المصري، كما تم دراسة كثير من المشروعات الهامة.
كان لديه اهتمام بتربية الحيوان والطيور والخيول العربية، فكان فطرة وهواية خاصة له، وكان من أشد الناس إيمانًا بضرورة تنمية تربية المواشي لما توفره للسكان من غذاء، وللأرض من خصوبة. وكان رئيسًا لقوميسيون الخيول الذي أنشأته الحكومة في سنة 1892م؛ لإنهاض تربية الخيل التي كانت في غاية الانحطاط، وكان له أثر في الجمعية، من خلال خبرته وتوجيه لقسم تربية الحيوانات.
دوره في العمل الخيري والإصلاحي
يعد الأمير عمر طوسون، من أكثر من ساهموا في أعمال خيرية في مصر الحديثة، حيث شملت صلاته الخيرية بعشرات الجمعيات القبطية والإسلامية، ففي عام 1940 تبرع بمبلغ 60 ألف جنيه للمزارعين التابعين لدائرته، كما تبرع بمرتب نصف شهر لموظفي دائرته في العام ذاته، ولفقراء تفتيش الخزان التابع لدائرته، كما تبرع بمبلغ 50 جنيهًا لفقراء مدينة الإسكندرية الوافدين على دسوق.
كانت جمعية الشبان المسلمين تحت رعاية الأمير عمر طوسون وكذلك جمعية المحافظة على القرآن بباكوس، والجمعية الخيرية الإسلامية، وجمعية فقراء الإسكندرية.
ولما كان لا يفرق في العمل الخيري بين مسلم ومسيحي فقد وضعت الجمعية الخيرية القبطية تحت رعايته، كما أولى اهتمامًا بالمستشفى البطرسي أيضًا، إذ تبرع بألف جنيه لتأسيس المستشفى، وعدد من السندات لمساعدة بنات المشغل بجانب تبرعاته السنوية لفقراء الجمعية.
وعلى الجانب الإصلاحي والديني، كان للأمير عمر طوسون دورًا كبيرًا في تحريم الخمر في مصر في عهد الملكية، وذلك في إطار اهتمام الأمراء بالإصلاح الاجتماعي، حيث أبدى اهتمامه بتحريم الخمر من خلال رعاية جمعية تسمى «جمعية منع المُسكرات»، التي كان يرأسها أحمد غلوش.
كما كان له دورًا كبيرًا في مواجهة دعوات التبشير في مصر، فقد أرسل إلى شيخ الأزهر محمد مصطفى المراغي رئيس جماعة الدفاع عن الإسلام، خطابًا يستنكر فيه أعمال المبشرين، واتهم سلطات الاحتلال بتأييد أعمالهم، وتم اعتماد 70 ألف جنيه من الحكومة كمساعدة لمشروع القرش الخيري في سبيل الدفاع عن الإسلام.
وتوفي الأمير عمر طوسون يوم الأربعاء 26 يناير 1944م عن عمر ناهز الـ72 عامًا. وكانت وصيته ألا تقام له جنازة، ونفذ له الملك فاروق وصيته، مقتصرًا على تشييع الجثمان الذي شارك فيه الوزراء والأمراء وكبار رجال الدولة.