منذ فترة الثلاثينات وحتى الأربعينات لم تشهد العادات الرمضانية في مصر اختلافًا كثيرًا، حتى جاء عام 1948، والذي شهد فيه الشهر الكريم ما عُرف باسم «الانقلاب الملكي» على العادات الرمضانية، بعدما تخلي الملك فاروق حاكم مصر، عن عاداته السابقة، التي ظل حريصًا عليها لمدة 12 عامًا، منذ جلوسه على العرش عام 1936.

«موائد للفقراء»
تمثلت أولى هذه الطقوس الجديدة، التي عرفت طريقها إلي القصر الملكي، هي حرص «فاروق» علي إقامة موائد لفقراء الشعب المصري علي نفقته الخاصة، بديلًا عن المائدة المعتادة لصفوة المجتمع الملكي، وكانت هذه الموائد يتم إقامتها في أنحاء المملكة المصرية كافة.

«دور العرض تعمل في نهار رمضان»
كما كان عام 1949 مختلفًا عن بقية الأعوام الرمضانية السابقة، حيث بلغ تعداد السكان آنذاك ما يقرب من 19 مليون نسمة، وكانت القاهرة تشهد حالة من الاضطرابات والسخط علي القصر الملكي؛ نتيجة الهزيمة في حرب فلسطين، وفشل مصر في مفاوضات الجلاء مع الإنجليز، وشعور المصريين بإنحياز القصر تجاه مملكة التاج البريطاني.

الا أن السينما المصرية بأمر من الملك فاروق، غردت خارج السرب، حيث شهدت دور السينما حدثا فريدًا لأول مرة، تمثل في عرض بعض الأفلام الحديثة في نهار رمضان، علي خلاف العادات القديمة، حيث كانت السينمات والمسارح تفتح أبوابها بعد مدفع الإفطار.

كما كانت الأفلام المعروضة وقتها هي فيلم «هدى» بطولة نور الهدي زكي، وكمال الشناوي، والفيلم الآخر هو «غزل البنات»، أحد أيقونات السينما المصرية خلال فترة الأربعينات، حيث حقق نجاحًا مدويا فور عرضه، لبطله نجيب الريحاني وليلي مراد.

ولكن من التغيرات المدهشة التي وقعت في هذه الفترة، هو أن دور العرض شهدت زحامًا رهيبًا أثناء عرض هذه الأفلام نهار رمضان بعد أمر الملك فاروق، فقد كانت السينما تشبه بوابة الهروب من إحباطات الواقع المصري.

«إفطار جماعي لمغتربي الأزهر»
ومن التغيرات التي شهدها عام 1950 في عهد «فاروق»، هو قيامه بتنظيم حفل إفطار جماعي للدارسين المغتربين الوافدين علي الأزهر الشريف، وقد ظل الملك حريصًا علي هذه العادة، حتي الإطاحة به من على كرسي الحكم.

«الانتقال إلى قصر رأس التين»
وخلال شهر رمضان أيضًا من نفس العام، أقبل الملك على عادة غير معتادة، حيث انتقل إلى قصر رأس التين بالإسكندرية، وكانت عروس البحر الأبيض المتوسط تتزين كما العروس في ليلة زفافها، ويتجمل قصر رأس التين إستعدادًا لإستقبال المريدين من أطياف الشعب الراغبين في الإستماع إلي القرآن والتواشيح بصوت كبار القراء.

وكان من أمثال المقرئين: «الشيخ مصطفي إسماعيل والشيخ عبد الفتاح الشعشاعي»، حيث كان الأول هو نجم هذه الفترة في عالم التلاوة دون أي منافس، وكان «إسماعيل» ضيفًا مطلوبًا في أنحاء المعمورة كافة، وكان يطوف البلاد شرقًا وغربًا لتلاوة القرآن في العديد من الأمسيات الرمضانية، وفي إحد المرات، رفض الملك سفر «إسماعيل» خارج الديار المصرية أو تنقله لإحياء الليالي الرمضانية، بإعتباره قارئه الأثير.

وشهدت فترة الأربعينات في شهور رمضان المتعاقبة، تحول الملك «فاروق» إلي رحالة يقطف من كل بستان رمضاني زهرة، حيث إعتاد قضاء الصلوات في يوم الجمعة اليتيمة " أخر جمعة من رمضان " بمسجد عمرو بن العاص، وكانت الجماهير تصطف على قارعة الطريق للترحيب بجلالته، قبل أن يعرج أثناء عودته علي مسجد السيدة زينب لأداء الصلوات.