المجهولون دومًا ما يكتبون التاريخ، يسطرون بدماءهم فصلًا جديدًا من فصوله، ليخلد بطولات ينحني لها العالم إجلالا وتعظيمًا، فكما احتفي المؤرخون بقادة نصر أكتوبر العظيم، فمن حق المجهولين الذين لولاهم ما صنع التاريخ أن نروي حكايتهم.

"الفريق سعد الدين الشاذلي"

أحد أبطال وقادة حرب اكتوبر العظام، تجاهلته كتب التاريخ عمدًا، حتي بات أسمه وبطولاته طي النسيان، بدل من تكريمه وتخليد ذكراه عبر الأجيال المتعاقبه، إنه الفريق سعد الدين محمد الحسيني الشاذلي، الذي وصف بالرأس المدبر للهجوم المصري الناجح على خط الدفاع الإسرائيلي بارليف في حرب أكتوبر عام 1973.

شغل الشاذلي عدة مناصب منها: منصب رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية في الفترة ما بين 16 مايو 1971 وحتى 13 ديسمبر 1973، وقاد أول فرقة سلاح مظلات في مصر وشغل منصب أمين عام مساعد جامعة الدول العربية للشؤون العسكرية وسفير سابق لدى إنجلترا والبرتغال.

أظهر الفريق الشاذلي تميزًا نادرًا وقدرة كبيرة على القيادة والسيطرة والمناورة بقواته خلال نكسة 1967، عندما كان برتبة لواء ويقود مجموعة مقتطعة من وحدات وتشكيلات مختلفة، وفي 
16 مايو 1971، وبعد إطاحة الرئيس أنور السادات بأقطاب النظام الناصري، فيما سماه بثورة التصحيح عين الشاذلي رئيسا لأركان حرب القوات المسلحة المصرية.

شرع الشاذلي في وضع خطة هجومية وفق إمكانات القوات المسلحة، تقضي بإسترداد من 10 إلى 12 كم في عمق سيناء، إلا ان الفريق أول محمد أحمد صادق، وزير الحربية أنذاك، عارض الخطة بحجة أنها لا تحقق أي هدف سياسي أو عسكري، ثم توصل الشاذذلي لحل وسط وهو إعداد خطتين الأولى تهدف إلى احتلال المضائق أطلق عليها اسم العملية 41 والثانية تهدف إلى الاستيلاء على خط بارليف وأطلق عليها اسم عملية بدر، ولكن صادق لم يقتنع ايضًا.

في 26 أكتوبر 1972، أقال السادات الفريق أول محمد صادق من وزارة الحربية لإختلافه مع رؤيته لتحرير الأرض، واقتناعه برؤية الشاذلي وعين المشير أحمد إسماعيل علي وزيراً للحربية والقائد العام للقوات المسلحة.

وفي 12 ديسمبر 1973 أستدعى المشير أحمد إسماعيل الفريق الشاذلي ليبلغه بأن الرئيس أنور السادات قرر إنهاء خدمته كرئيس لهيئة أركان القوات المسلحة وذلك اعتباراً من 13 ديسمبر 1973، وأصدر قرارا آخر بتعيينه سفيراً بالدرجة الممتازة في وزارة الخارجية.

لكن الشاذلي رفض وفضل البقاء في منزله، فأرسل إليه السادات محمد حسنى مبارك، لإقناعه بالعرض، لكنه رد عليه قائلاً: قل للرئيس إذا كان هذا المنصب عقابا لي، فمن الأفضل أن أعاقب داخل بلدي، وإن كان مكافأة فمن حقي أن أرفضها.

بعدئذ نجح أنور السادات بنفسه في إقناعه بالسفر إلى لندن في يناير 1974 بأسوان بحجة أنه إنجاز صفقات الأسلحة السرية التى ستجلبها مصر من هناك بعد أن تغير المصدر السوفيتي، وبعد قيامة بالإتصال بالسفير الألماني في لندن اكتشف الشاذلي أنه لا توجد صفقات أسلحة.

"الرائد بخيت الطيار"


"الشهيد طيار الرائد السيد محمد بخيت".. أحد ابطال حرب أكتوبر، وإبن مدينة الإسماعيلية، سطر أعظم ملحمة بطولية في حرب الإٍستنزاف، حُكيَ عنه التاريخ في فيلم قتلة الأشباح باسم أحمد السيد بخيت.

أنضم الي صفوف القوات المسلحة بعد حصوله على بكالوريوس التربية الرياضية، عندما طلبت الكلية الجوية دفعة استثنائية من الطيارين وذلك لمواجهة الاحتياج المتزايد للقوات الجوية من الطيارين نتيجة سير عمليات القتال وحرب الاستنزاف، حيث تقدم لإختبارات الكلية الجوية.

التحق بالكلية الجوية عام 1968 ضمن الدفعة 25 طيارين وتفوق في دراسته وتخرج عام 1969 وكان ترتيبه الاول على الدفعة عند تخرجه، وتم اختياره للتدريب على الطائرة الروسية (سوخوى -7)، وهي المقاتلة القاذفة التي اشترك بها في حرب اكتوبر 1973.

ومع بدء حرب أكتوبر كان متوسط طلعاته اليومية ما بين الطلعتين و الثلاثة ، وفي يوم 14 اكتوبر تم تكليف السرب الخاص به بالتعامل مع قوة دبابات اسرائيلية كانت تتقدم على الطريق الشمالي وبعد ان تمت المهمة وأثناء العودة الى القاعدة رأى بعض الدبابات الاسرائيلية ما تزال تتحرك، وكانت الاوامر بالعودة لنفاذ الذخيرة والصواريخ من طائرته ولكنه أصر علي الإنطلاق بطائرته خارج السرب باتجاه تلك الدبابات واصطدم بها مدمراً ثلاث دبابات ونال شرف الشهادة عن عمر 28 عاماً، وكانت رتبته نقيب في ذلك الوقت وقد تم ترقيته الى رتبة رائد بعد نيله الشهادة.

"اللواء اركان حرب وجيه رياض"

أحد الابطال المجهولين في حرب اكتوبر، تخرج فى الكلية الحربية سنة 1957 وانضم لسلاح المدفعية وتدرج فى وحدات المدفعية حتى سنة 1963، ثم أصبح قائد الكتيبة 302 مدفعية في اللواء 117عام 1968 اصبح قائد الكتيبة 302 مدفعية فى اللواء 117 بالفرقة الثانية، ثم قائد مجموعة مدفعية اللواء 16 في حرب اكتوبر 73

بدأ فرقته الإستعداد للحرب في الفترة بين 1970 حتى 1973 علي كيفية الإستفادة من ثغرات العدو حتى نعبر قناة السويس، فى منطقة (بعلوه) بالقناطر الخيرية وفى الخطاطبة بجداول العبور الذى قام بها الفريق سعد الدين الشاذلى، رئيس أركان حرب القوات المسلحة.

ولم ينم الي علمه بقرار الحرب إلا قبلها بيومين، وجاء الأمر بالعبور يوم 6 أكتوبر الساعة 2 العاشر من رمضان، وكان حينها قائدا لمجموعة مدفعية اللواء 16 المسئولة عن الضرب غير المباشر على العدو والمباشر.

وعن بداية المعركة قال "رياض": بدأت القوات الجوية تضرب الأهداف فى حوالى 4 دقائق وأشارت لنا بنجاح الضربة، وبدأ التمهيد النيرانى الذى كان مدته 52 ثانية بقوة 2200 مدفع بمعدل 170 دانة فى الدقيقة الواحدة وهذا الضرب وضع العدو فى ربكة ولم يستطع حتى يرى ماذا يحدث. 
وشارك أيضًا في عمليات أخري لضرب عربات الأكل والمياه أو الذخيرة التى تأتى للعدو، وكان يرد العدو لشراسة الضربة بسلاح الطيران واستمرهكذا بالكتيبة لمدة ثلاث سنوات، ولم يتبق من الكتيبة الآن غير ثلاثة أفراد هو ورئيس عمليات الكتيبة وضابط الاستطلاع فالبعض استشهد فى الحرب والبعض الآخر توفى بعد الحرب.

وتابع رياض:"ورغم أنى مسيحى لكن مع كل عملية كنت أقف فى الضباط وأقول بصوت عالى "الله أكبر" لدرجة إن فى ليلة أشعلت النيران فى النقطتين وجاءت المخابرات الحربية وهنأتنى على العملية وصورتها وكانت عبارة عن «فلنكات» متحولة لجمرة نار وحديد ينصهر".


"الجندي محمد متولى"

أحد الجنود المجهولين في معركة أكتوبر المجيدة، قضى خدمته العسكرية، عقب تخرجه مباشرة، ثم ما لبث أن تطوع فى الجيش، أملًا في المشاركة في تحرير سيناء من الاحتلال الإسرائيلي.. إنه الجندي محمد متولي.

ومع إعلان الحرب كان يخدم بسلاح المدفعية، وأثناء صيانته لإحدى عربات المشاة المدرعة، تناثر مفك وارتطم بعينه، ونزفت كمية كبيرة من الدماء، وجري إسعافه في الميدان بسرعة، إلا أن مشيئة الله نفذت، وفقدت عينه للأبد، وعدت بعدها لفرقته مرةً أخرى، واستمر فى الميدان، حتى انتهت الحرب يقاتل بعين واحدة.