من الصحابة الكرام من بلغ من العمر عتيًا ومع ذلك تمتعوا بصحة جيدة لما أفنوه من أعمارهم وجهدهم في طاعة الله عز وجل واتباع نبيه صلى الله عليه وآله وسلم.
ومن هؤلاء صحابي جليل كان خادمًا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم منذ نعومة أظافره، فقد أتت به أمه رضي الله عنها إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو في عمر العاشرة ليخدمه ويتربى على يديه، وقال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: "هذا أنس غلامٌ يخدمك"، فقَبِله.
إنه الصحابي الجليل أنس بن مالك رضي الله عنه الذي تشرف بخدمه النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال عن ذلك: "خدمت النبي عشر سنين فما قال لي أفٍّ قَطُّ، وما قال لشيء صنعته لِمَ صنعته، ولا لشيء تركته لِمَ تركته، وكان رسول الله من أحسن الناس خُلُقًا، ولا مسست خزًّا قطُّ ولا حريرًا ولا شيئًا كان ألين من كفِّ رسول الله ، ولا شممت مسكًا قطُّ ولا عطرًا كان أطيب من عرق رسول الله ".
وبلغ من العمر مائة وثلاث سنين، مع ذلك كان حريصًا على استطلاع هلال شهر رمضان مع القوم، وروى ابن خلكان في تاريخه قصة حدثت عند استطلاع هلال شهر رمضان وكان أنس بن مالك حينها قد قارب المائة من عمره، فيحكي ويقول: "تراءى هلالَ شهرِ رمضان جماعةٌ فيهم أنسُ بن مالك -رضي الله عنه-، وقد قارب المائة، فقال أنسٌ: قد رأيتُه، هو ذاك، وجعل يشير إليه، فلا يَرونه، ونظر إياسٌ إلى أنس، فإذا شعرةٌ مِن حاجبه قد انْثَنتْ، فمسَحها إياسٌ، وسوَّاها بحاجبه، ثم قال له: يا أبا حمزة، أَرِنا موضع الهلال، فجعل سيُّدنا أنسٌ ينظر ويقول: ما أراه!.
وذلك لكبر سن مالك ابن أنس حينها فظن أن الشعرة البيضاء التي انسدلت من حاجبه أمام عينيه هي هلال رمضان، فنبهه أحد الحضور لذلك فانتبه.
والصحابي الجليل أنس بن مالك هو آخر من مات من الصحابة وتوفي يوم الجمعة في سنة ثلاث وتسعين بعد الهجرة، وقد أوصى قبل وفاته صديقه ثابت البناني وقال له: "هذه شعرة من شعر رسول الله فضعها تحت لساني عند وفاتي". قال: فوضعتها تحت لسانه، فدُفن وهي تحت لسانه.