نظر العديد من المحللين السياسيين والعسكريين إلى التقارب المصري السعودي، باعتباره مبنيا على بعض التقديرات الاستراتيجية الخاطئة التي اكتشفتها السعودية نتيجة تجربتها العسكرية والسياسية مع القضايا الشائكة في منطقة الشرق الأوسط.
الحليف الباكستاني
من بين الأخطاء التي ربما تكون المملكة قد اكتشفتها هو التحالف السعودي الباكستاني الذي مر باختبارات لم يفلح في اجتيازها خلال السنوات الماضية.
خاب ظن السعودية في باكستان بعدما رفض البرلمان الباكستاني مشاركة القوات المسلحة في عملية عاصفة الحزم التي قادتها السعودية للقضاء على ميليشيات الحوثي والقوات الموالية للرئيس اليمني، علي عبدالله صالح، في اليمن، على الرغم من إعلان موقف مؤيد للعملية.
خيبة سعودية
وتأتي خيبة الأمل السعودية في باكستان، بعدما كان ينظر محللون عسكريون إلى العلاقة بين البلدين باعتبارها استراتيجية من الدرجة الأولى، وذهب بعض المحللين إلى اعتبار أن القنبلة النووية الباكستانية ما هي إلا قنبلة سعودية مخزنة في الأراضي الباكستانية، بل ذهب البعض إلى حصول السعودية على أسلحة نووية من باكستان، واستدلوا بذلك على صفقة الصواريخ التي اشترتها المملكة من الصين، والتي لها القدرة على حمل رؤوس نووية، خاصة في ظل الدعم السخي الذي قدمته السعودية للمشروع النووي الباكستاني منذ بدايته.
تنصل باكستاني
المثير في الأمر أن الدستور الباكستاني يتيح لرئيس الوزراء قرار الدخول في الحرب دون اللجوء إلى البرلمان، لكن نواز شريف لجأ إلى خطوة العرض على البرلمان للتنصل من تعهداته للسعودية بالدفاع عنها، وإعلانه في بادئ الأمر مشاركة الجيش الباكستاني في العملية.
وقال رئيس معهد الباب للدراسات الاستراتيجية في باكستان، جاسم تقي، في تصريحات سابقة لـ"دوت مصر" إن الرياض كانت تتوقع ردا مغايرا من إسلام أباد، لاسيما مع مساندة المملكة لها ولرئيس وزرائها، نواز شريف، في عدة أزمات إبان حكم الرئيس الباكستاني السابق، برويز مشرف، وأكد أن الرفض أثار استياء المملكة التي كانت ترى في هذه المشاركة نوعا من رد الجميل.
باكستان وإيران
الموقف الباكستاني، فسره بعض المحللين على أنه رغبة باكستانية في عدم خسارة الجارة إيران، فالبلدان لا توجد بينهما أي مشكلة حدودية، ويحرصان على احتواء أي ازمة حدودية بينهما، تتعلق بقضايا تهريب المخدرات أو الهجرة غير الشرعية.
وتعتبر باكستان سوقا مهمة بالنسبة للجانب الإيراني خاصة في مجال الغاز، وتعتبر الأراضي الباكستانية هي الممر الوحيد للغاز الإيراني إلى الهند، بالإضافة إلى أن باكستان تشترك مع طهران في أرضية مشتركة يمكن أن تمهد لإقامة علاقات اقتصادية بين البلدين مثل خط الغاز، خط سكة حديد يربط بين البلدين، وغيرها الكثير، وهو ما يجعل باكستان في حاجه إلى إيران.
حليف الأقوال
أما الخطأ الثاني الذي ساهم في التقارب المصري – السعودي، بعيدا عن الدعم الذي قدمته الرياض للقاهرة، فكان التعويل كثيرا على التحالف مع تركيا، وإعادة تطبيع العلاقات التي شهدت مرحلة من البرودة إبان فترة حكم الملك السعودي الراحل، عبدالله بن عبدالعزيز.
فمع إعلان بدء عملية عاصفة الحزم السعودية في اليمن، أعلنت تركيا تأييدها في العملية، لكنها لم تشارك في العملية، واكتفت بالإعلان فقط عن استعداداها للمساعدة بالدعم اللوجيستي فقط لا غير.
تركيا وإيران
وبالإضافة إلى عاصفة الحزم، ظهر الموقف التركي أيضا بعد أزمة إعدام رجل الدين الشيعي، باقر النمر، وقيام محتجين إيرانيين بحرق القنصلية والسفارة السعودية في إيران، وما ترتب عليه من قطع العلاقات الدبلوماسية، لكن الموقف التركي تمثل في قيام رئيس الوزراء، أحمد داوود أوغلو، بزيارة إلى إيران، تم خلالها الاتفاق على زيادة التعاون الاقتصادي ورفع حجم التبادل التجاري بين البلدين.
ويرى المحلل السياسي، فادي عيد، في تصريحات لـ"دوت مصر" أن تركيا لا يمكنها العيش بدون إيران في المنطقة نظرا للارتباط الاقتصادي الوثيق بين البلدين، خاصة في مجال مصادر الطاقة التي تحصل عليها تركيا من إيران، على الرغم من حالة التراشق الإعلامي بين البلدين في بعض الأوقات.
تركيا بدلا من السعودية
وفي أزمة أخرى، عندما قررت المملكة العربية السعودية، وقف المساعدات العسكرية المقررة للجيش اللبناني، قام السفير التركي لدى لبنان، كاغاتي ارسياز، بمقابلة نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع اللبناني سمير مقبل، صبيحة يوم القرار السعودي، وأطلعه على قرار الحكومة التركية تقديم معونات عسكرية بقيمة 1.1 مليون دولار.
استمالة مصر
وتعليقا على المواقف التركية والباكستانية ودورها في الميل السعودي نحو القاهرة، يقول مدير مركز الشرق للدراسات الإقليمية والإستراتيجية بالقاهرة ورئيس تحرير مجلة شرق نامه المتخصصة في الشئون الإيرانية والتركية، الدكتور مصطفى اللباد، في مقال نشرته صحيفة "السفير" اللبنانية: "تبدو استمالة مصر إلى الجانب السعودي أمراً ملحاً".
وأضاف أن هذه الاستمالة جاءت بعدما أثبتت التجربة القريبة أن الدول الإسلامية الوازنة مثل باكستان وتركيا غير مستعدتين للتحالف الحصري مع الرياض في مواجهة طهران، وأن أكثر ما تستطيعان تقديمه لا يتجاوز التصريحات الإعلامية حفاظاً على علاقاتهما الاقتصادية مع إيران، خصوصاً بعد رفع الحصار الاقتصادي عليها".