مصر علي حافة فوضي رهيبة لن ترحم أحدا, وسيدفع ثمنها غاليا الثوار قبل الخانعين, والأخيار قبل الإشرار. هذا هو لسان حال الغالبية العظمي من المواطنين
الذين أوشكت فرحتهم بالثورة العظيمة أن تنقلب الي حالة من الإحباط ومشاعر الذعر والخوف علي الأبناء والممتلكات الخاصة والعامة.
آلاف الأدلة والشواهد الآن تشير الي أياد خفية تعمل في دأب وإصرار علي إفساد الثورة وتحويلها الي فوضي عارمة تعطل العمل والانتاج وتدفع بالوطن كله الي هاوية الاحتجاج والعصيان.. وتمنح البلطجية واللصوص أقصي الحرية في السلب والنهب والقتل دون رادع أو خوف.
واللافت ـ كما قال عشرات المواطنين لـ شباب التحرير ـ إن أياد خفية تعمل جاهدة علي تجريد الشعب من كل وسائل الحماية من البلطجية واللصوص, بالتركيز علي اهانة ضباط الشرطة والتحريض علي الاعتداء عليهم لمنعهم من العودة للعمل, كما تورط ضباط شرطة فاسدون في تأجيج العداء بين الشعب والشرطة, حتي لا تصل الأمور في مصر الي حالة استقرار ننطلق منها الي محاسبة الذين ارتكبوا جرائم تعذيب أو أطلقوا الرصاص الحي علي المتظاهرين.
وقد شهد ميدان التحرير يوم الجمعة الماضي, أغرب واقعة تعامل مع ضابط شرطة ظهر فجأة وسط المحتفلين بالنصر في الميدان, رافعا بيده علم مصر, وكانت الصدفة وحدها وراء وجود شباب التحرير من اللحظة الأولي لتسجيل هذه الواقعة وتوثيقها في صور متتابعة. في البداية استقبل المحتفلون الضابط بترحاب شديد وحملوه علي الاعناق وهتفوا معه ارفع رأسك فوق.. أنت مصري والشعب والشرطة إيد واحدة, وبعد دقائق من هذا المشهد الذي يعكس وعيا رائعا, انقلب الأمر تماما وكاد يتحول الي كارثة.
النقيب محمد الشماع بطل هذه الواقعة وصف ماحدث له في ميدان التحرير, يوم الجمعة الماضي بقوله: كنت في طريقي الي مديرية الأمن عندما التقيت بعدد من الشبان متجهين الي الميدان, أحد هؤلاء الشبان اندفع نحوي وصافحني وشكرني علي نزولي الي العمل, ووقف الشباب يتحدثون معي عن أهمية عودة الشرطة الي العمل, وفجأة طلبوا مني أن أتوجه معهم الي الميدان للاحتفال بالنصر, فلم أتردد في تلبية الدعوة, وسارعت الي شراء علم مصر, واتجهت معهم الي الميدان, وعندما وصلنا وأصبحنا في قلب الجماهير, فوجئت بهم يحملونني وهم يهتفون الشعب والشرطة إيد واحدة.. وكان المشهد رائعا وانسانيا الي حد كبير, ولكن بعد لحظات فوجئت بمجموعة كبيرة من المحتشدين في الميدان تقتحم هذه المسيرة وهي تشير نحوي وتهتف: انزل.. انزل.
ويضيف النقيب الشماع: اصابني الذهول, وأصاب أيضا المتظاهرين الذين كانوا يحملونني, وفوجئت بهؤلاء المعترضين علي وجودي يشقون الصفوف قادمين نحوي, وفهمت منهم أنهم يريدون خروجي من الميدان.
ويوضح الشماع أنه بذل جهدا كبيرا للتحدث الي هؤلاء الشبان, لإفهامهم أن ضباط الشرطة ليسوا أعداء هذا الوطن, ولكنهم قبل كل شيء وبعده أبناء مصر, واخوة وأشقاء وأقارب لكل الثائرين, وأن الغالبية العظمي من الضباط لم تتورط في قتل أو إصابة أي متظاهر, وأن هناك آلاف الضباط رفضوا تنفيذ الأوامر بإطلاق الرصاص, وأن الضباط الذين ارتكبوا هذه الجريمة يخضعون الآن للتحقيق.. ولن يفلت أحد منهم من المحاكمة.
ويضيف الشماع: رفض هؤلاء الشبان الاستماع الي صوت العقل, وأصدروا حكما نهائيا بأنني أمثل جهازا خائنا وعدوا للشعب, وكاد الأمر يتطور الي مشاجرة بين المؤيدين لوجودي, والمعترضين عليه, فآثرت السلامة وحاولت الخروج من الميدان, ولكنهم لاحقوني وحاولوا الاعتداء علي, ولكن عددا كبيرا من المتظاهرين تدخلوا لحمايتي, وخلال ذلك سقط كثيرون تحت الأقدام, وانتهي الأمر بوصولنا جميعا الي شارع بستان قريش, حيث أدخلني المؤيدون لوجودي الي أحد المحلات وأغلقوا الباب, وانتظرت حتي جاءت سيارة وحملتني بعيدا عن المتظاهرين.
ويقول الشماع: هل مجرد كوني ضابط شرطة يجروني من الوطنية؟.. وهل كل ضباط الشرطة كانوا أعداء للشعب, ومن يملك حق تجريدي أنا أو أي ضابط شرطة آخر من الوطنية؟ إنني مصري, تربيت علي حب مصر, ووالدي شارك في حرب أكتوبر مثل غالبية أباء الضباط, وليس معقولا أن نقف الآن مجردين من كرامتنا أمام أحد ليحاكمنا ويتهمنا بعدم الوطنية.
وينتقل الشماع الي قضية خطيرة هي الانفلات الأمني الذي يهددنا جميعا الآن بفوضي شاملة تدمر كل شيء وتحولنا جميعا الي مجرمين وضحايا, وتقود البلد كله الي مصير مخيف.
ويضيف: أي إنسان لديه ذرة من الاحساس بالمسئولية, ولديه ذرة من التقدير لاحتياج الجميع للأمن والأمن.. لا يرضيه أبدا هذه المعاملة غير المسئولة كضباط الشرطة وخصوصا ان الغالبية من الضباط في أشد الاحتياج الي مناخ خال من المحسوبية والفساد والظلم, يمكنهم من القيام بدور عظيم في خدمة الوطن والمواطنين.
ويختم النقيب محمد الشماع حديثه بقوله: هناك ضباط شرطة كثيرين لم تتلوث أياديهم بدماء المواطنين.. وهناك ضباط شرطة حريصون علي تحقيق كل أهداف الثورة, ولكني أؤكد أن كل مكتسبات الثورة أصبحت الآن علي وشك الضياع بسبب الانفلات الأمني وغياب الشرطة عن الشوارع.
وهذا الغياب يعود في معظمه الي خوف الكثير من الضباط الشرفاء من التعرض للاهانة في الشوارع والميادين.. ورغم ذلك الفرصة مازالت متاحة أمامنا للحفاظ علي الثورة, وإعادة الأمن الي الشوارع والبيوت.
انتهي كلام الضابط محمد الشماع.. ولكن العقلية التي تحكم بعض الشبان المتحدثين باسم الثورة, مازالت تثير الرعب في قلوبنا جميعا, وتدفعنا الي الاحساس الضاغط بأن مصر في حظر.. وأن مصر أصبحت قاب قوس واحد من فوضي شاملة, وأن أخطر شيء يهددنا جميعا الآن هو الاعتداءات غير المسئولة علي ضباط الشرطة, وتنصيب البعض لنفسه قاضيا يحكم علي هذا بأنه عدو, وعلي ذاك بأنه خائن.. مستبقا بذلك تحقيقات لجنة تقصي الحقائق وتحقيقات النيابة العامة في قضية استخدام الرصاص الحي مع المتظاهرين.. وهي تحقيقات لن يسمح أحد بأن يفلت منها مجرم واحد ممن تلوثت أيديهم بدماء الشهداء الأبرار أو بدماء المصابين الذين كانوا في الصف الأمامي لحشود الثائرين.