«ببا» قدمت 11 شهيدًا.. وكلمة السر ضبش

لم تفرق رصاصات الغدر التى أطلقها رجال الشرطة فى 28 يناير «جمعة الغضب» بين من نزل الشارع مطالبا بسقوط مبارك ونظامه ومن خرج لعمله سعيا وراء رزقه.

مركز ببا بمحافظة بنى سويف قدم نحو 11 شهيدا ومئات المصابين خلال الثورة. مينا اسطفانوس نصر الله، 23 عاما، نجار، خرج من منزله بشارع الكنيسة، عقب صلاة الجمعة 28 يناير ليشترى بعض أدوات النجارة، لكنه لم يصل إلى محل الحدايد والبويات الذى يتعامل معه، وأصيب برصاصة أمام مركز إسعاف ببا أودت بحياته.

رامى سيد حمزة، 31 عاما، استشهد بعد تلقيه رصاصة اخترقت جسده أمام مجلس مدينة ببا. أما أحمد حسن محمد هريدى، 23 عاما، فقد استشهد أمام مدرسة الفنية بنات ببا بعد تلقيه رصاصتين إحداهما فى القدم والثانية فى البطن. واستشهد أحمد سعد مصطفى، 21 عاما، وشهرته عصفور، بعد تلقيه رصاصتين فى الكتف والقلب عندما كان يحاول جمع الشهداء والمصابين أمام بنك التنمية الزراعية، وهو ما تكرر مع أشرف فريد عبدالسميع 24 عاما الذى استشهد وهو يحاول نقل المصابين من أمام محطة البنزين، وثبت إصابته برصاصتين إحداهما فى القدم والأخرى فى البطن، فيما تلقى حاتم سعيد حسين محمد، 32 عاما، رصاصة فى القلب استشهد على إثرها أمام محطة البنزين المجاورة لمركز شباب ببا حيث مقر عمله.

أشرف سالم على، 44 عاما، مدرس ابتدائى، استشهد بعد تلقيه رصاصة فى الرقبة عندما كان يشاهد المظاهرات يوم جمعة الغضب أمام معدية ببا.

واستشهد عماد محمد على وشهرته عماد الحداد، 32 عاما، بعد تلقيه رصاصة فى الرقبة أمام بنك التنمية الزراعية وهو يحاول إنقاذ ابن عمه مصطفى سيد على، 24 عاما، الذى أطلق عليه رصاصتين فى البطن أمام البنك أودت بحياته على الفور.

واستشهد محمد صالح حسين حسن، 48 عاما، من قرية بنى مؤمنة، فى القاهرة أثناء مظاهرات الغضب بعد تلقيه عدة رصاصات وتوفى صباح 10 فبراير.

أهالى الشهداء حملوا رئيس مباحث المركز محمد ضبش، المسئولية الكاملة عن قتل أبنائهم وتوعدوه بالملاحقة حتى ينال عقابه، واتهموا أعضاء ونواب الحزب الوطنى عن الدائرة ومجموعة من تجار الآثار ومعاونيهم من البلطجية ومسجلى الخطر بحماية ضبش ورجاله وتهريبهم خارج المدينة.

وشنت أسر الشهداء فى بيان صدر منذ أيام هجوما حادا على محافظ بنى سويف الذى أنكر وجود قتلى أو اعتداءات من جانب ضباط الشرطة على المتظاهرين، وتوعدوا كل من كان له دور فى التعامل مع المتظاهرين بعنف.

من جانبه قال النائب السابق عن الدائرة سعد عبود إن أعضاء مجلس الشعب عن الحزب الوطنى قاموا بتهريب ضابط المباحث من مركز شرطة ببا خوفا عليه من غضب أهالى ببا، مؤكدا أن أغلب المتظاهرين استشهدوا أمام محطة البنزين أو بنك التنمية الزراعية، وهو ما ينفى ادعاءات محمد ضبش ضابط المباحث التى قال فيها إنه كان يحاول حماية مركز شرطة ببا.

وطالب عبود النائب العام بالتدخل الفورى واستعجال التحقيقات وإرسال طاقم نيابة ليعاون نيابة ببا التى بدأت تحقيقها فى الواقعة.

وكان المستشار حمدى فاروق المحامى العام لنيابات بنى سويف قد أصدر قرارا بمنع ضبش ومعاونيه الرائد حازم حماد والنقيب محمد هشام من السفر، على خلفية اتهامهم بقتل المتظاهرين.

يذكر أن المحامى العام قد قرر إرسال 10 مصابين إلى الطب الشرعى لتوقيع الكشف عليهم وبيان ما بهم من إصابات واستعجال تقرير الصفة التشريحية للشباب الذين لقوا مصرعهم بعد استخراج جثثهم من القبور وتوقيع الكشف الطبى عليهم.

فيما قرر اللواء محمود وجدى وزير الداخلية نقل المقدم محمد ضبش رئيس مباحث مركز ببا السابق إلى مديرية امن الفيوم للعمل هناك.



أربعة شهداء يرفعون اسم «بنى سويف» فى السماء


أربعة شباب، احتفلت بهم بنى سويف صاعدين فى موكب الشهداء إلى السماء. أحمد وجابر وحمادة وعماد. كانت رصاصات الداخلية تذكرة عبورهم إلى الفردوس، وإن اختلفت مواعيد الصعود.

خلال تشييع جنازة الشهيد أحمد أنور سالم، 24 عاما، بعزبة التحرير بمدينة بنى سويف أطلقت والدته الزغاريد وهى تمسك فى نعش ابنها هاتفة: «ابنى شهيد يا عالم.. ابنى شهيد يا عالم».

الأم تقول إن ابنها خرج فى مظاهرة مع الشباب بميدان الزراعيين عصر السبت 29 يناير، فقامت الشرطة بإطلاق الرصاص الحى عليهم أصيب ابنها بـ5 طلقات، استقرت إحداها فى رأسه ونقل إلى مستشفى الزهراء، لكنه رفض إدخاله، فنقل إلى مستشفى بنى سويف العام ثم إلى مستشفى المعادى العسكرى وتم حجزه بالإنعاش حتى توفى الثلاثاء 15 فبراير.

تضيف الأم: ذهبنا إلى المحافظ لاستخراج تصريح الدفن فرفض مقابلتا فتوجهنا إلى نيابة بنى سويف وصرحت لنا بالدفن، «يوم استشهاد أحمد كان فى حالة ارتباك ووصل الأمر إلى حد أنه ارتدى حذاء شقيقه الأصغر وعندما خرج قال لى ادعيلى دعوة حلوة وخرج ولم يعد».

وأضافت أن المحافظ خرج على شاشات التليفزيون المصرى ونفى عدم سقوط شهداء فى أحداث الثورة وقال إن الأمور هادئة بالمحافظة، وهو ما أشعل النيران بداخلنا، مؤكدة أنها لم تترك دم ابنها وسيأتى اليوم التى تأخذ فيه بثأر ابنها «مع كل صلاة كنت بادعى إن ربنا ينصر شباب التحرير على الظالم القاتل اللى خد منى ابنى».

أما والدة الشهيد جابر احمد عبدالباقى الشهير بأيمن 26 عاما، يعمل بإحدى محطات الوقود فأكدت أن ابنها خرج من المنزل يوم السبت، 29 يناير، لصلاة المغرب وذهب مع الشباب للتظاهر «وبعد ساعات قليلة قالوا لى ولاد الحلال الحقى ابنك اتضرب بالنار فى المظاهرات وتم نقله إلى المستشفى العام ذهبت لقيته فارق الحياة واخذ العديد من الطلقات النارية فى جميع أنحاء جسمه واحدة فى البطن وفى الرقبة وواحدة فى الحوض».

أيمن، كما تؤكد الأم، لم يشارك فى مظاهرات من قبل «كان يقول أنا مالى ومال المظاهرات»، تصمت الأم قليلا، قبل أن تمسح دمع عينيها وتكمل: «ده ابنى الوحيد على بنتين: سلوى وفاطمة». حمادة محمد احمد، 42 عاما، مدير فرع صيدناوى بمركز ناصر فاستشهد عقب إطلاق النار عليه حيث أصيب بطلقة فى رأسه. حمادة متزوج ويعول ثلاثة أبناء.

عماد عبدالخالق بكرى، 27 عاما، متزوج ويعمل تاجر فاكهة أصيب بطلق نارى فى رأسه ولقى مصرعه عقب عبور الشارع.




رحمة.. خرجت لتثأر لأبيها فعادت شهيدة


خرجت رحمة، لتأخذ بثأر أبيها (محمد) المحبوس على ذمة قضية مخدرات، تقول عائلتها إنها ملفقة، فعادت إليهم جثة هامدة، لتخسر العائلة بذلك فردا آخر منها.

حكاية رحمة مثل العشرات من الشهداء الذين ماتوا على يد قوات الشرطة يوم الجمعة 28 يناير، أثناء تظاهرهم فى ميدان عبدالمنعم رياض،
وتقول أخت رحمه، نجوى محمد، «احنا عندنا بدل المصيبة مصبتين، أختى ماتت وهى فى عز شبابها وأبويا ما نعرفش عنه حاجة فى سجن طرة».

بطلق نارى، مثلما يؤكد تقرير الطب الشرعى، استشهدت رحمه، بعد أن قضت 3 أيام فى مستشفى قصر العينى.
تقول نجوى التى لا تفارقها كلمة «الحمد لله»: «حتى الآن لا نعلم كيف توفيت، هل بطلق نارى أو عن طريق انفجار قنبلة مسيلة للدموع فى رأسها».

قبل استشهاد رحمة كانت تمسك بموبايلها تصور لحظات التظاهر، حسبما تؤكد نجوى: «كانت بتقول: دول اللى ظلموا أبويا لازم آخد حقى منهم».

عندما اقتربت رحمة، التى تقطن منطقة شبرا، من ميدان عبدالمنعم رياض، أطلق عليها النار فاستقرت رصاصة بالقرب من رأسها مثلما، تؤكد أختها.

وتقول نجوى بمرارة شديدة «رحمة كانت أختى الوحيدة بجانب أخ أصغر، من سيعوضنى عنها، ولا أموال الدنيا تغنينى عنها».

وتتابع نجوى «لن تخمد نيران فراقها إلا بعد أن يخرج مبارك من الحكم، وتتم محاسبته على أرواح الشهداء الذين ماتوا على يد نظامه».

يوم الجمعة المقبلة ستحيى أسرة رحمة، ذكراها فى ميدان التحرير حيث سترفع والدتها صورة لها، ومدون عليها مطالبات بالقصاص من المذنبين والمتسببين فى قتلها هى وأكثر من 390 شهيدا آخر.

بمفردها خرجت رحمة إلى ميدان التحرير للتظاهر لإسقاط النظام، فعادت إلى منزلها على أكتاف أهلها وأصدقائها ليزفوها بعد ذلك «إلى الجنة إن شاء الله».



محمد وزوجته شهيدان.. والتركة ثلاثة أبناء «فى سن الرضاعة»


تركا ثلاثة أطفال. لم يتجاوز أكبرهم العامين وتوأما رضيعا بلا عائل، استشهدا فى لحظة واحدة، برصاص عشوائى أطلقه رجال الشرطة فى مدينة الواسطى ببنى سويف.

الزوجان، محمد صادق نادى، 37 عاما، ومبروكة عبدالعال محمد، كانا فى شرفة منزلهما المجاور لقسم شرطة الوسطى، عندما فاجأتهما الرصاصات.

ورغم مرور نحو 22 يوما على تاريخ الاستشهاد، لم تتمكن عائلتهما من استخراج شهادة الوفاة، فمستشفى الواسطى يريد إصدار تقرير وفاة يقول إن سبب الوفاة «ادعاء بطلق النار»، والعائلة ترفض إهدار دم الشهيدين.
سعيد، شقيق محمد نادى، يقول إن شقيقه وزوجته أصيبا برصاصتين من قوات الشرطة، والتى أطلقت نارا كثيفا لتأمين عملية الانسحاب من القسم.

حديث سعيد يؤكده شهود عيان، يقول أحدهم: أطلقت الشرطة مئات الرصاصات، وكان محمد وزوجته من ضحاياها.

شقيق الشهيد يقسم على أن حق الأطفال الصغار لن يضيع، مشيرا إلى أنهم اتصلوا بالمحافظ ومدير الأمن ورئيس المدينة وجميع الجهات المعنية لكن لم يتخذ احد أى إجراء جاد حتى الآن: «دم أخى فى رقبة المسئولين».



محمد.. يا ريت عندى أولاد تانيين كنت قدمتهم لمصر


«يا أما نفسى ربنا يكرمنى علشان أجهز أختى.. نفسى افتح ورشة لأبويا»، كانت أحلام الشهيد محمد أبو غنيمة أحمد، 16 سنة، الذى استشهد برصاصة أصابته فى رأسه مباشرة، خلال مشاركته فى مظاهرات جمعة الغضب فى ميدان التحرير يوم 28 يناير.

كان محمد يعمل نقاشا مع والده، ترك الورشة بدار السلام وذهب بملابس عمله مع المسيرة التى اتجهت إلى ميدان التحرير «لازم أروح علشان نعرف نعيش»، بهذه الكلمات أصر محمد على المشاركة فى المظاهرة لإقناع والده بأهمية الخروج للاحتجاج على الأوضاع الديمقراطية.

منذ يومين تسير فريال هاشم والدة الشهيد محمد وأخواته البنات الثلاث حاملات صورة للشهيد الطفل، يتحدثن مع المتظاهرين لبث روح العزيمة والصمود فى وجه الظلم الذى طالما وجدوه من الداخلية والحكومة، وتصرخ فريال: «يا ريت كان عندى أولاد غيره كنت قدمتهم لمصر».

تتذكر فريال يوم التعرف على جثة ابنها فى مستشفى قصر العينى بعد أن تغيب عن المنزل ثلاثة أيام، بعد أن توصل ابن عمته الذى كان يرافقه فى المظاهرة إلى معلومات عن وجوده فى مستشفى قصر العينى، لتتلقى الأم جثمان ابنها بتعازى الأطباء الذين أكدوا «جه المستشفى خلصان من رصاصة برأسه مع الشباب من الميدان».
تتحدث فريال عن ابنها وسط المتظاهرين بقوة وفخر وهى مطمئنة أنه خرج فى سبيل الله ومتأكدة من تقبل الله له لرضاها عنه.

أحلام محمد كانت دائما لمحاولة مساعدة أخوته وأهله، تقول والدته أنه ترك الدراسة لمساعدة أبية فى العمل قائله: «كانت أحلامه بتطلع فى دموع عينيه لما يحس إنه مش قادر يحققها أو يساعد أخواته».

وتنهى حديثها: «لو كان مبارك حنين علينا ماكانش ده حالنا.. لكنه قسى علينا أوى.. واحنا تعبنا من القسية».