أشاد العالم الدكتور فاروق الباز، بالحكومة الحالية التى يرأسها الفريق أحمد شفيق، قائلاً إنها تضم شخصيات وطنية ومتميزة ولا يمكن التشكيك فى نزاهتها، مضيفاً أنه يعرف شفيق جيداً وعلى قناعة تامة أنه رجل وطنى ومنظم ونجح فى إدارة وزارة الطيران وشريف وقادر على تيسيير أمور البلاد فى الفترة المقبلة، ولن يسرق أبداً، وبالتالى لا يوجد داعٍ للمطالبات التى تنادى بإقالة حكومته.
وقال الباز خلال اللقاء المفتوح الذى عُقد معه بساقية الصاوى مساء اليوم، علينا أن ندرك أن الحكومة الحالية "مغصوب عليها" وتفعل كل ما فى وسعها للحفاظ على استقرار البلاد، وينبغى أن نعى تماماً أن الفساد والتدهور الذى عانت منه مصر منذ 50 عاماً مضى واستشرى فى الـ30 سنة الأخيرة لن ينتهى فى 3 أو 4 أسابيع، ومن الطبيعى أن تتعرض أى بلد لفترة بلبلة عقب كل ثورة وتغيير سياسى حتى لو استمرت عدة أشهر.
وأضاف الباز، أن أهمية ثورة 25 يناير هى أنها نابعة من الشباب، وجاءت من شعب يحب هذا البلد ويرى أن وطنه فى "خيبة" ليس لها حدود وفى وضع مزرى وتنهار حضارته وتاريخه يوماً بعد يوم، مضيفاً أنه لم يتمكن من المشاركة فى تلك الثورة فى أيامها الأولى نظراً لتواجده خارج البلاد واكتفى بمتابعة الأحداث عبر وسائل الإعلام، قائلاً: بقدر ألمى لعدم تواجدى بينكم بقدر سعادتى لأنكم نجحتوا فى قيادة الثورة بأنفسكم.. وقلت لنفسى فلنترك الشباب يفعل ما يشاء ويحقق ما يريد.
ونصح الباز، الشباب المصرى بألا يترك أحداً يتسلق فوق أكتافه أو فوق ما حققته الثورة من إنجازات، قائلاً: لا تتركوا أحداً يتحدث بالنيابة عنكم مع الحكومة، فلتتحدثوا بأنفسكم عن أنفسكم وفوضوا شباباً من بينكم، لأن أجيالنا "خربانة من أولها لآخرها" ولن تمثلكم بشكل صحيح.
وقارن الباز بين مكانة المواطن المصرى قديماً وحديثاً، قائلاً: زمان كان لنا مكانة رهيبة وسط العالم ويكفيك شرفاً أن تعلنها على الملأ أنك مصرى، ولكن فى الفترة الأخيرة أصبحت كلمة مصرى "مصيبة ومهينة" وأصبحنا شعباً ينتمى لدولة حقيرة، هذا كله دفعنى للبحث عن السبب، فوجدت أن حكوماتنا كانت "خربانة تستحق الضرب بالجزم".
وأضاف: قديماً لم يكن هناك فرق بين مسلم ومسيحى، وأذكر عندما كنت صغيراً وأرى والدى شيخ الأزهر يحتفل مع الأقباط فى عيدهم وعندما ذهبت لأخبر أمى قالت لى أن هذا شىء طبيعى لأنهم أخواتنا، مؤكداً على أنه من الخطأ أن نعلى من شأن ديانة مقابل أخرى، فنحن جميعاً أبناء هذا البلد.
وأشار الباز إلى أن ثورة 25 يناير لم تكن الأولى من نوعها التى يشهدها ميدان التحرير، مستشهداً فى ذلك بالمظاهرات التى انطلقت يوم 26 يناير 1952 لتندد بالاحتلال وانطلقت على امتداد كورنيش النيل محل ثكنات الجيش الإنجليزى للتنديد بالاحتلال ثم انطلقت تلك المظاهرات فى قلب منطقة وسط البلد، وقام أفرادها بحرق المحلات والمسارح ودور السينما.
وتحدث الباز عن ثورة يوليو، قائلاً: بعدما قامت الثورة ظننا أن البلاد عادت إلينا من جديد وبدأ الضباط الأحرار فى فعل أشياء ظنوا أنها جيدة وفى صالحنا ولكنها فى حقيقة الأمر كانت خيبة كبيرة، فبدأ عبد الناصر يعين قيادات فى الجيش ممن أطلق عليهم أهل الثقة، فى مناصب هامة فى البلد لا تتناسب مع طبيعتهم، وهذا غير صحيح ومن هنا بدأت الخيبة الحقيقية، لذلك أشدد الآن على ضرورة اختيار أشخاص مناسبين لمواضعهم الجديدة ولديهم خطط واستراتيجيات تؤهلهم للنهوض بمجالاتهم.
وتابع: فى تلك الفترة فعلنا شيئاً "زى الزفت"، وهو أننا لم نسمع أى شخص يقترح شيئاً خارجاً عن المألوف، فكان شعارنا فى تلك الفترة لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، وهذه المعركة فى ذلك الوقت كانت تحرير فلسطين حتى وصلنا لمرحلة الخرس التام، وغابت مصر وتوقفنا عن الحركة واختفت من وجوهنا الابتسامة وعادت إلينا من جديد مع هؤلاء الشباب بثورة 25 يناير.
وأعرب الباز عن سعادته وفخره بكونه مصرى ويرى شباب مصر بهذا النضج الفكرى، مقسماً أننا باستطاعتنا أن نعيد لمصر مكانتها من جديد فى غضون العشرة أعوام المقبلة، ناصحاً جموع الحاضرين باللقاء بأن يبدأوا بأنفسهم، قائلاً: لا أريد أن أسمع أو أى شخصاً يرمى قمامة أو يشرب مياه الصرف الصحى ويعانى من الأمراض حتى ننهض بهذا البلد ونجعله نظيفاً ومحترماً أمام العالم.
ولفت الباز لضرورة النهوض بالتعليم والثقافة فى الفترة المقبلة، قائلاً إنه فوجئ عندما قدم كتاباً عن مشروعه "ممر التنمية" وعرضه على إحدى دور النشر فأخبره أنه سيطبع منه 1000 نسخة فقط، وعندما سأله أن هذا العدد غير كافٍ رد عليه الناشر، قائلاً: سيتبقى من تلك النسخ الكثير فنحن شعب لا يقرأ.
وأضاف نحن بحاجة، لأن يكون ولاء كل منا لمهنته فقط وليس لرئيسه فى العمل أو حاكمه حتى ننهض بهذا البلد، قائلاً: الكارثة التى فعلناها ونحن صغار فى المدارس أننا رددنا شعار "الولاء لله والوطن والملك"، وهذا خطأ لأن الله لا يحتاج من المرء ولاءه ولكن يحتاج عبادتنا فقط وهناك فرق كبير بين الاثنين، كما أن الوطن بحاجة للانتماء أكثر من الولاء.
كما اقترح الباز على الشباب ألا يرشحوا أنفسهم فى الانتخابات المقبلة وأن يكتفوا بمراقبة المشهد من بعيد وكشف ما بها من خلل أو تزوير، قائلاً: أنا لا أريد لشباب الثورة أن يتسيس وأريدهم "نضاف"، وإذا أرادوا تشكيل حزب يمثلهم فأهلاً وسهلاً، لكن لا ترشحوا أنفسكم لأنكم لا تفقهون السياسة بشكل كبير.
واستعرض الباز مشروعه "ممر التنمية"، قائلاً: ممر التنمية عبارة عن مساحة خارج وادى النيل يمكن للناس أن تعيش فيها وتفتح آفاقاً للتنمية فى مختلف المجالات، وعندما بحثت وجدت أن منطقة غرب النيل هى الوحيدة التى تصلح لذلك ويمكننا أن نفسح المجال أمام تجمع سكانى كبير وبالفعل عرضت هذا المشروع منذ عشرات السنين ولم يوجد قطاع خاص يمكنه تحمل تكاليف هذا المشروع التى بلغت 24 مليار دولار، مع العلم أنها ليست تكلفة ضخمة مثلما أشار بعض خبراء الاقتصاد، وعندما ازدهرت الخصخصة عرضت المشروع مرة أخرى فى عهد حكومة نظيف وبالفعل وعدنى بالتنفيذ ولكن لم يحدث شىء.
وتابع: سيكون تمويل هذا المشروع من قبل الشعب المصرى نفسه عن طريق قيام كل مواطن مصرى بشراء أسهم من مؤسسة نشكلها خصيصاً للإشراف على هذا المشروع، وذلك لنمنع أى أيادٍ خارجية تمول المشروع أو تسطو عليه وتبيع أرضنا ولن نترك تمويله للحكومة، لأنها ستفسده أو تضع مواصفات يستغلها البعض لسرقة أموالنا، مؤكداً على أن هذا المشروع سيوفر 400 ألف فرصة عمل فى المراحل الأولى ويحوى 20 مليون نسمة، قائلاً: أرض ممر التنمية ملك للشعب المصرى وأنتم الذين ستصنعوه وليس لى شأن به.
وأضاف: لدينا الكثير من مياه النيل ومن المياه الجوفية ما يكفى لطعامنا وشرابنا، فنحن نملك الكثير من مصادر المياه الجوفية فى الصحراء الشرقية والغربية ولكن للأسف لا نعلم عنها شيئاً.