من شاهد هذا الفيلم سيفهم كثيراً حقيقة ما حدث فى الثورة المصرية، هو فيلم V For Vendetta أو ("ثاء" من ثأر) الذى قام بكتابة السيناريو له الأخوان "واتشوسكى" كاتبا ومخرجا سلسلة أفلام الماتريكس الشهيرة. هذا الفيلم الرائع وقع فى غرامه الشباب المصرى والعربى منذ شاهدوه أول مرة لانه عبر بصورة كبيرة عن حالهم وواقعهم، الفيلم عرض فى دور العرض المصرية يوم 26 ابريل عام 2006، ويمكن القول بلا مبالغة ان جزء من الفشل الامنى فى تخيل وتصور ابعاد الثورة ان أحداً من القيادات الامنية لم يشاهد هذا الفيلم، أو شاهده وتعامل معه على انه حدوتة خيالية لا يمكن أن تتحقق على أرض الواقع، فالأمن دائماً يراهن على أن أى مظاهرة سلمية يمكن استفزازها لتحويلها الى مواجهة عنيفة يمكن تبرير قمعها بعنف، لقد رأى المشاهد المصرى فى الفيلم صورة مما يحدث فى واقعهم السياسى والأمنى والاعلامى خاصة بعد عام 2005 الذى شهد انتخابات برلمانية مزيفة وبلطجة فجة للشرطة وانتخابات رئاسية محسومة سلفاً وتضليل اعلامى غير مسبوق من خلال اختراع جديد على المصريين اسمه توك شو، بالاضافة الى مراقبة التليفونات والانترنت ووسائل الاتصال المختلفة.

هذا هو الفيلم الذى ألهم الشباب المصرى الثورة السلمية على النظام، بعض صفحات الفيسبوك التى كانت مخصصة لنقل أخبار فعاليات ثورة 25 يناير مزج فى شعاره بين قناع جاى فوكس الذى يرتديه بطل الفيلم وقناع توت عنخ أمون، البعض استخدم جملة شهيرة بالفيلم وهى "تذكر .. تذكر .. الخامس من نوفمبر" فى اشارة الى يوم ثورة جاى فوكس التى فشلت بموته ولكنها تحولت الى فكرة تنمو فى الجميع، وتنتظر اللحظة المناسبة للخروج الى العلن، فى الفيلم تحولت المواجهة بين الامن والثائر الى مواجهة بين الشعب كله والامن، وهى المواجهة التى لا يمكن ان يخرج منها أى شعب مهزوماً.

 أثبتت الثورة المصرية ومن قبلها الثورة التونسية صحة المقولة التى يقولها الثائر فى الفيلم: "لايجب أن تخاف الشعوب من حكوماتها، الحكومات هى التى يجب أن تخاف من شعوبها"، وفى هذا الفيلم الذى انتج عام 2005 نجد كثير من صور وملامح الثورة المصرية بكل نقائها وسلميتها وايمانها بقيمة الحرية، بل نجد فيه سلوكيات النظام الشمولى باعلامه المضلل، وردود فعله الأمنية الغبية تجاه المعارضين، وهى ردود الفعل الذى عجلت بسقوط النظام الديكتاتورى فى الفيلم وفى الواقع.

تدور أحداث الفيلم الخيالية في لندن في المستقبل القريب، وتحديداً فى عام 2038 حيث تصبح بريطانيا دولة شمولية يحكمها حزب يميني متطرف وديكتاتور طاغية يدعى ادم ساتلر، وهو مقتبس عن قصة مصورة صدرت بنفس الاسم من تأليف آلان مور، والشخصية الرئيسية فى الفيلم هى V (في) الشخص الغامض الذى يرتدى طوال الوقت قناع الثائر البريطانى جاى فوكس الذى حاول اسقاط نظام الملك جيمس الأول، والبطل يحركه ثأر شخصى من تعذيب الشرطة له ولأخرين، وفى الوقت نفسه يسعى لاسقاط النظام السياسي في الدولة من خلال اثارة الشعب لاتخاذ موقف ثورى من النظام. فى الفيلم كثير من أوجه الشبه بين الخيال والواقع الذى شهدته الشوارع المصرية يمكن ملاحظتها فى عدد من النقاط الهامة:

يوم الثورة المعلن: أعلن شباب الثورة المصرية موعد الثورة فى صفحة على الفيسبوك، وجاء يوم 25 يناير يوم عيد الشرطة اختياراً مقصوداً لان جهاز الشرطة جاوز كل المقبول والمحتمل فى التعذيب والقتل خلال السنوات الأخيرة، وفى الفيلم اختار البطل الثائر يوم الخامس من نوفمبر وهو ذكرى المحاولة الفاشلة التى قام بها الثائر الانجليزى جاى فوكس لتفجير البرلمان اثناء حضور الملك جيم الثانى، وقد قابلت السلطات المصرية خاصة الامنية الثورة المعلنة التوقيت بسخرية واستخفاف، وشارك الاعلام الرسمى وبعض رموز السياسة والحزب فى حالة الاستخفاف التى ساهمت بدورها فى نجاح الثورة التى وقف العالم على اطراف أصابعه يشاهدها مبهوراً ومندهشاً، وفى الفيلم نرى الرئيس ساتلر مستخفاً بكل التقارير الامنية التى تؤكد ان ملامح الثورة القادمة غامضة وغير مفهومة، ولكن الرئيس الذى توقع خروج عدد قليل أصدر اوامره باستعمال القوة القاتلة لسحق المتظاهرين اذا ظهروا فى الشوارع.

من المنشورات الى الفيسبوك: فى كل الثورات القديمة كانت المنشورات الورقية سلاح الثوار لايصال رسالتهم الى الجماهير، فثائر واحد هو مجرد رجل، اما الجماهير فهم الشعب الذى يحمى ويحمل الفكرة، بطل الفيلم الرجل الذى يرتدى قناع جاى فوكس استطاع من خلال عملية اقتحام ذكية لمبنى التليفزيون بث فيديو له يتحدث لملايين الشعب يدعوهم للثورة ضد الظلم، وفى الثورة المصرية استطاع شاب مصرى اسمه وائل غنيم ان يكتب منشوراته عبر العالم الفضائى حيث يطالب الجميع برفض التعذيب، صفحته كلنا خالد سعيد التى كانت تطالب بتحقيق العدالة والقصاص من قتلة خالد سعيد تحولت الى منشورات ضد سياسة الداخلية التى تقوم على القسوة والتعذيب المنهجى والبطش الذى قد يصل الى حد القتل، وبدا من خلال هذا الموقع على الفيسبوك ومواقع اخرى أن الداخلية لم تكن جزء تالف فى النظام، بل هى جزء تالف من نظام فاسد باكمله ولهذا كانت ثورة 25 يناير تهدف الى اسقاط النظام بأكمله.

سلمية .. سلمية: بطل الفيلم كان يجيد استعمال السلاح الأبيض والمتفجرات، وكان يدرك انه قد يستطيع ان يسبب ازعاج للنظام الشمولى الديكتاتورى، ولكن النظام الذى يستخدم فزاعة الارهاب وسيلة للسيطرة على الناس كان يستغل اساليب الثائر العنيفة ليصوره للعامة على انه ارهابى يحاول تدمير البلد، ولهذا كان هدف الثائر أن يوصل رسالته للناس فى استخدام سلاح التكتلات البشرية السلمية أمام الشرطة، وفى اجمل مشاهد الفيلم تفاجىء قوات الشرطة ومكافحة الشغب بالحشود البشرية التى تتدفق فى وقت واحد على الميادين من كل الشوارع بصورة سلمية، جماهير تسير فى ثقة وبدون استخدام أى عنف نحو الأعداد الكبيرة المتمرسة من رجال الشرطة الممسكين بالبنادق المستعدة لاطلاق النار، ولا يجد رجال الأمن أمام هذه الحشود الشجاعة من المواطنين الا افساح الطريق لهم، ولعل هذه الصورة البديعة والخيالية هى اكثر الصور التى شاهدها العالم واقعاً على الأرض فى الثورة المصرية، خرج المئات ثم لحقهم الألاف والملايين من المتظاهرين، قتلت الشرطة المصرية من قتلت واطلقت عليهم الغازات المسيلة للدموع والبلطجية والجمال والخيول والقناصة، ولكن الحشود ظلت تسير بثقة وشجاعة تهتف سلمية سلمية.

ثورة لكل أفراد العائلة: رجل واحد يمكن امساكه وتعذيبه وقتله كما حدث فى الفيلم للبطل الثائر، ولكنه قبل أن يفقد حياته فى معركته الشريفة استطاع ان يجعل من كل مواطن ثائر على الظلم، فهو فى الحقيقة لم يمت، بل توحد مع كل الناس الذين ارتدوا نفس الزى والقناع الذى كان يرتديه، أرسل قناعه وزيه الى كل منزل فى بريطانيا، ونزل فى الشارع الكل، الكبير والصغير، الكل يحمى حريته أو يموت دونها، احدى شخصيات الفيلم كانت طفلة صغيرة تتسلل من خلف عائلتها الى الشارع ومعها علبة سبراى ترسم به علامة البطل الثائر V على كل ملصق حكومى فى الشارع معرضة حياتها للخطر اذا أمسكتها شرطة سرية لا تعرف الرحمة، وفى الثورة المصرية نزل الأطفال الى المظاهرات وهتفوا بسقوط الطاغية، وهناك مشاهد تظهر اشتراك أطفال وصغار وشيوخ فى هذه المظاهرات وبعضهم أصيب واختنق بالغاز أو فقد حياته.

الحكم بالترويع: لاحكام سيطرته على الحكم والشعب أطلق الحاكم الديكتاتور ساتلر وأعوانه سراً فيروس فى الماء أصاب الملايين بالمرض والرعب، وكان لديه الدواء ولكن انتظر حتى أصبح الناس فى محنة وفى شدة الحاجة لمن ينقذهم من الوباء، وحينما أنتج الدواء وأنقذهم اصبح فى نظر الناس هو البطل الذى حمى الوطن والشعب، واستخدم أحياناً أساليب القتل والسجن للتخلص من الخصوم، وافتعل أحيانا الحوادث الارهابية لتكريس حالة احتياج الشعب للأمن الذى يوفره الحاكم، وقد استخدم حسنى مبارك ونظامه نفس التكتيك عدة مرات، سواء فى اللعب على الفتنة الطائفية من خلال تدبير عمليات ارهابية ضد الكنائس لاثارة فتنة بين المسلمين والاقباط، وهى احدى التهم التى يحاكمم بسببها وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلى المتهم بمسئوليته عن عملية تفجير كنيسة القديسين بالاسكندرية. وهناك مشاهد أخرى قامت الداخلية فيها باستخدام الفوضى لاحكام السلطة، ظهرت حينما قررت الداخلية سحب الشرطة يوم الجمعة 28 يناير واطلاق السجناء وصنع فوضى مصطنعة لافشال التظاهرات والحالة الثورية المتصاعدة، ونجحت الخطة نوعاً ما فقد أصبحت البلد بلا جهاز امنى واضطر الناس الى حماية بيوتهم، وظهرت بلبلة بين الناس حول جدوى الثورة والمظاهرات، ولكن تلك الأصوات كانت أضعف من هدير الثورة والمظاهرات التى استمرت حتى حققت أول أهدافها وهو اسقاط الطاغية.

دولة المخبرين والبلطجية: فى الفيلم تتحكم الشرطة السرية التى ترتدى الملابس المدنية فى البلد التى تعيش فى حالة حظر تجول وقانون طوارىء، وتتعرض البطلة ايفى (ناتالى بورتمان) الى التوقيف فى الشارع من مخبرين مظهرهما أقرب الى البلطجية، ويحاول المخبرين الاعتداء الجنسى على الفتاة، ولا ينقذها سوى ظهور البطل فى الوقت المناسب، مشاهد أخرى فى الفيلم تظهر اختطاف أمن الدولة لبعض الأشخاص من منازلهم وضربهم بعنف شديد وربما قتلهم قبل أن يصلوا الى أماكن اعتقالهم، ولابد أن صورة المخبرين بكل وحشيتهم ودناءتهم وسوقيتهم تعيد للاذهان صورة المخبرين الذين قتلا الشاب السكندرى خالد سعيد أمام الجميع فى الشارع، ولم يكن خالد سعيد النموذج الوحيد فقد قتل غيره اما أثناء تحقيقات غير رسمية أو حتى بدون مبرر سوى ارهاب الناس.

الخداع بالاعلام: يستخدم الديكتاتور ساتلر أحد رجال الأمن السابقين ليقدم أهم برنامج توك شو فى الدولة، يقدم الرجل أفكار الدولة بحماس تمثيلى، وهو فى برنامجه يطرح بصورة حماسية كل ما يريده الديكتاتور، ويلعب على وتر ارهاب واخافة المشاهدين من ارهاب الثائر حتى يضمن تبعية المشاهدين للنظام الذى يحميهم من الارهاب الذى ترعاه الولايات المتحدة التى تعادى بشدة نظام الديكتاتور، ولن نبذل مجهود كبير لنجد وجه الشبه بين برامج التوك شو المصرية التى كانت تعمل بأوامر الأمن ووزير الاعلام وجهات سيادية أخرى تحدد ما يقال وتوجه الرأى العام حسب رغبة الرئيس والحزب الحاكم، بل ان الخطاب التخوينى الذى استخدمه الاعلام المصرى ضد الشباب الثائر فى ميدان التحرير لم يختلف كثيراً عن الخطاب التحريضى الذى استخدمه مذيع السلطة فى الفيلم ضد البطل والبطلة فى الفيلم.

الرجل خلف القناع: هو الانجليزى الشاب جاي فوكس الذى ولد عام 1570م في يورك لأسرة يعمل أفرادها محامون كنسيون بروتستانت، وقد تحول جاي الى الكاثوليكية، وفي عام 1604م يئس كاتسباي وأتباعه في الحصول على مساعدة للكاثوليك من جيمس الأول فأستعانوا بجاي فوكس في مؤامرة هدفها نسف البرلمان اثناء حضور الملك وتنصيب الأميرة إليزابيث ملكة على البلاد، وقام فوكس بحفر سرداب أسفل بيت اللوردات مباشرة، وكانت خطته اشعال البارود لتفجير المبنى من السرداب، ولكن تصل الى اللورد مونتيجلي رسالة تحذيرية فيقوم بالتعاون مع الحرس الملكى فى تفتيش السرداب وفي النهاية وتم القبض على فوكس وتعذيبه بشده، الا انه واجه التعذيب بعناد كبير ولكنه فى النهاية اعترف بالمؤامرة بعد أن وصلت مسامعه أنباء القبض على رفاقه، وتم إعدامه في وستمنستر في 31 يناير 1606م، وقد اصبح فشل مخطط جاى فوكس عيد سنوى فى بريطانيا يحتفل به البريطانيون فى الخامس من نوفمبر من كل عام.