فى مقابلة توصف بلقاء السحاب، أجرى الكاتب البريطانى المخضرم روبرت فيسك مقابلة مع عميد صحفيى مصر الأستاذ محمد حسنين هيكل أكد خلالها: "كنت واثقاً أن بلدى ستنفجر.. لكن هذا الجيل من الشباب أكثر حكمة منا".
وينقل فيسك عن ضيفه المصرى، الذى وصفه بأهم شاهد ومؤرخ على العصر الحديث بمصر، قوله إن مبارك خان روح الجمهورية، فلقد أراد الاستمرار من خلال نجله جمال.. وأوضح هيكل قائلا: "لقد كان مشروعاً وليس فكرة، بل هى خطة، لقد أهدر آخر 10 سنوات من عمر مصر فى هذه المسألة، بحثا عن الميراث، وكأن مصر سوريا أو هايتى".
ويشير الكاتب البريطانى إلى أنه منذ سنوات طويلة تقابل مع هيكل الذى توقع وقتها انهيار مصر، وبقناعة مطلقة حدد التفاصيل المدمرة لفساد وعنف نظام مبارك، وحتمية انهياره.
وقال هيكل إنه كان متأكداً من أن البلاد على وشك الانفجار، وأشار: "إن المسيرة المليونية فاجأتنى، لم أكن متأكداً أننى سأعيش حتى أرى هذا اليوم، لم أكن متأكدا أننى سأحيا حتى أرى نهوض الأمة".
وأضاف هيكل أنه كان يخشى من الفوضى بعد انفجار الشعب، ويستدرك: "لكن هذا الجيل
الجديد فى مصر أكثر حكمة مليون مرة منا، فهم يتصرفون باعتدال وذكاء".
وأعرب، مستشار عبد الناصر والسادات، عن قلقه لأنه كل شىء حدث فجأة، ولا أحد مستعد لما هو آت. وأوضح: "لا أحد يريد إتاحة الوقت لتنقية الأجواء، وفى هذه الظروف، لا يمكن إتخاذ القرارات الصائبة".
وتابع: "إن الناس تحمل معها تطلعات ضخمة، والأمريكان وإسرائيل والعالم العربى جميعا يدفعونهم، حتى المجلس العسكرى لم يكن مستعدا لهذه الظروف".
وكشف هيكل عن سروره لتأجيل مبارك الأزمة بالتزامه الصمت، بينما تتراكم الحشود المطالبة بتنحيه فى ميدان التحرير. فلقد شهد الـ 18 يوما شيئاً مهماً جداً. فبينما بدأت المظاهرة بـ 50 أو 60 ألف محتج، ولأن مبارك ظل يراوغ مثل الثعلب فلقد منح الفرصة للشعب ليخرج منضما لصفوف المحتجين بميدان التحرير وهذا غير المعادلة بأكملها، ليصبح الرئيس غير واع بما يحدث.
وأعرب هيكل خلال حديثه مع فيسك عن أسفه على إهدار سنوات من عمر مصر ومقتل العشرات من الشباب المصرى طوال الأسابيع الثلاث الماضية على يد قوات الشرطة واصفا: "لقد كانت ثورتنا مأساة تاريخية كبيرة".
ويرى أن ثورة 25 يناير أظهرت كتلة ضخمة من الشعب المصرى التى يمكنها تحدى إرهاب الدولة، مشيرا إلى أنه يتوقع مزيداً من الثورات فى العالم العربى.
ويعتقد الأستاذ أن مبارك كان مرعوبا من الكشف عن ملفات الحكومة فى حال تنحيه، فأسرار النظام سيعرفها الجميع. وأضاف: "أخشى من خيانة بعض السياسيين فى مصر للأمانة، وأن ينتهزوا قضية المساءلة لتسوية حساباتهم الخاصة، لذا فإن جميع ملفات النظام لابد من فتحها وإجراء تحقيق علنى".
وشدد على عدم استغلال هذه الملفات فى الانتقام، فإذا ما استغلها صغار السياسيين، فإنها حتما ستؤثر على قيمة ما يتوجب فعله.
وحذر الأستاذ قائلا: "لدينا الآن شبه سياسيين يريدون الاستفادة من الثورة، بعض المتنافسين يعملون على تعزيز أنفسهم، الناس تعرف ما تريد، فإنهم يريدون شيئا مختلفا".
ولفت فيسك إلى أن هيكل مازال مشاكسا، فعندما وجهت له الدعوة السبت الماضى ليظهر على شاشة التليفويون المصرى قال: "لقد منعت من قبل الحكومة من الظهور على الشاشات المحلية طوال 30 عاما، والآن تبلغونى أن الأبواب مفتوحة. لقد منعت بأمر الحكومة، ومن المفترض أن أظهر الآن بناء على دعوة".
وقبل بضعة أشهر، بعدما زار هيكل زعيم حزب الله الشيعى حسن نصرالله، قال له وزير الخارجية أحمد أبو الغيط غاضبا: "هل تعتقد أنك تمثل الشعب المصرى؟"، وكان رد هيكل عليه بنفس السؤال.
وفى حديثه مع فيسك، قال الأستاذ إن الفرق بينه وبين الرئيس السابق مبارك أن الثانى يحاول دائما إخفاء عمره حتى أنه يداوم على صبغ شعره.